أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

معتقلو سجن التاجي يضربون عن الطعام للمطالبة بإقرار العفو العام

محامون وحقوقيون يؤكدون استناد السلطات الحكومية لاعترافات منتزعة تحت وطأة التعذيب في توجيه اتهامات كيدية لمعتقلين أبرياء زجوا ظلمًا منذ سنوات في السجون.

بغداد – الرافدين

يواصل معتقلون في سجن التاجي إضرابهم عن الطعام لليوم الثالث على التوالي للمطالبة بشمولهم بالعفو العام واحتجاجًا على المعاملة السيئة والإهمال الطبي الذي يتعرضون له في ظل ظروف قاهرة يعيشونها جراء التعذيب داخل السجن المكتظ بأضعاف طاقته الاستيعابية.
وبينت صور من داخل السجن سيء الصيت الذي ترتفع فيه معدلات الوفيات بين صفوف المعتقلين امتناع السجناء عن استلام وجبات الطعام غير الصالحة للاستهلاك البشري المقدمة لهم على الرغم من تهديدهم بالتعذيب وفقًا لشهادتهم.
وعلى إثر ذلك طالبت منظمات حقوقية السلطات الحكومية بالنظر لأوضاع السجون المزرية التي دفعت المعتقلين إلى الإضراب عن الطعام فضلًا عن الإسراع بإقرار قانون العفو العام.
وأكد رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان علي العبادي، وجود انتهاكات داخل السجون في ظل الحاجة الملحة لإقرار العفو العام بعد إضراب المعتقلين عن الطعام.
وتساءل العبادي عن أسباب تسويف ووماطلة إقرار العفو العام على الرغم من المنافع المجتمعية المترتبة عليه في وقت تسارع فيه الكتل السياسية إلى عقد الجلسات لتمرير القوانين المتعلقة بمنافعها الخاصة.
وطالب بعثة الأمم المتحدة بالتدخل الفوري لإنهاء المماطلات فيما يخص التصويت على قانون العفو العام وحث أعضاء البرلمان الحالي ولجنة حقوق الإنسان البرلمانية ومؤسسات حقوق الإنسان المدنية بالضغط لإنهاء هذا الملف.
ودعا السلطات الحكومية إلى فتح السجون أمام المنظمات الدولية التي حثها على ممارسة دورها الرقابي لأوضاع حقوق الإنسان داخل السجون في العراق.

وتزامن الإعلان عن إضراب المعتقلين في سجن التاجي مع تنظيم عائلات المعتقلين تظاهرة في ساحة التحرير وسط بغداد الثلاثاء، في ظل انتشار أمني كثيف للمطالبة بالإسراع في إقرار قانون العفو العام وإطلاق سراح أبنائهم.
وردد المشاركون في التظاهرات هتافات تطالب بإقرار العفو العام وعدم تسويف هذه القضية في ظل الحقائق المرعبة التي تتسرب عن الوضع المأساوي في السجون الحكومية والانتهاكات المميتة التي يتعرض لها المعتقلون من قبل ضباط التحقيق وهو ما يفسر الزيادة المطردة في الوفيات بين صفوفهم.
وتوجهت عائلات المعتقلين بعد مشاركتها في تظاهرات ساحة التحرير إلى مقر النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي داخل المنطقة الخضراء للضغط على الحكومة والبرلمان لتمرير قانون العفو العام.
وكان عراقيون على منصات التواصل الاجتماعي قد تداولوا مطلع العام الجاري مقطع فيديو مسرب من سجن التاجي الذي يشهد إضرابًا عامًا عن الطعام، تضمن استغاثة السجناء من انتهاكات وصفت بأنها لا أخلاقية ولا إنسانية تمارس بحقهم من إدارة السجن، وذلك من خلال إجبارهم على شراء المخدرات والهواتف النقالة بأسعار باهظة.
وهزت الحادثة الرأي العام في العراق وقتها، وعلى إثرها قرر وزير العدل في حكومة الإطار التنسيقي خالد شواني، إعفاء مدير السجن ومعاونيه وعدد من المسؤولين عن إدارته.
ووفق بيان وزارة العدل الحالية فإن قرار الإعفاء شمل إضافة إلى مدير سجن التاجي ومعاونيه، مسؤول شؤون الداخلية والأمن ومسؤول التصاريح الأمنية، وتمت إحالتهم الى الجهات التحقيقية لغرض التحقيق معهم بشأن ما ورد من الاتهامات في الفيديو.
وعلى الرغم من مرور تسعة أشهر على الحادثة إلا أن الشهادات الجديدة من داخل سجن التاجي تؤكد استمرار نهج التعذيب والمعاملة السيئة حتى بعد تغيير الطاقم الإداري للسجن.

وخلال السنوات الماضية زج بمئات الآلاف من العراقيين داخل السجون، بناءًا على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب “التهم الكيدية” من قبل من يعملون “مخبرين سريين”، بناءًا على شبهات غير مؤكدة، وكثيرون منهم نالوا أحكامًا قضائية تراوحت من السجن حتى الإعدام، عقب إدانتهم بجرائم لم يقترفوها.
ويحمل رئيس شبكة العدالة للسجناء في العراق، الحقوقي شوان صابر مصطفى، الجهات القضائية والحكومية المختصة مسؤولية ما وصفها بالانتهاكات التي تمارس ضد الموقوفين أثناء التحقيق، “من أجل انتزاع الاعترافات عنوة منهم”.
وقال “الدول المتطورة لا تؤذي شعوبها، والمتهم تتم محاججته بأدلة واقعية بالاعتماد على تقنيات فنية حديثة في جمع الأدلة، أما في العراق، فيتم سد النقص في ذلك بواسطة التعذيب الجسدي!”.
وأكد على أن موقوفين وسجناءًا كشفوا عن تعرضهم لاعتداءات جسدية وضغوط نفسية كبيرة داخل مراكز التوقيف والسجون، وأن الأجهزة التنفيذية ممثلة في وزارتي الداخلية والعدل يضعون ثمانين شخصًا في غرفة حجز لا تزيد مساحتها عن أربعة أمتار، ويقدمون لهم أسوأ أنواع الطعام فضلًا عن إبقاء المتهم لسنوات عديدة في بعض الأحيان، من دون محاكمة أو تحقيق حتى.
واتهم جهات تابعة للدولة لم يسمها، باستخدام أسلوب المخبر السري بغية الانتقام من أعدائها وتصفيتهم، ويرى أن أفضل حل في الوقت الراهن للتقليل من تلك الانتهاكات أن يتم السماح للمحامين بمرافقة المتهمين خلال رحلة التحقيق للتأكد من عدم تعرضهم للتعذيب، إلى حين تطبيق قوانين احترام حقوق الإنسان ومعاملة المتهم على أنه بريء حتى تثبت إدانته، وأن يعاقب بعدها وفقًا لنص القانون”.

ويتفق المستشار القانوني صفاء اللامي مع ما ذهب إليه رئيس شبكة العدالة للسجناء في العراق، بالقول إن مئات الأبرياء “يتم اعتقالهم وانتزاع الاعترافات منهم بالتعذيب، ويبقون لسنوات عديدة في السجون، ثم يثبت القانون نفسه الذي اعتُقلوا بموجبه براءتهم من التهم المنسوبة إليهم لكن من دون التعويض عليهم أو في الأقل رد الاعتبار معنويًا إليهم”.
وقال إن العراق بحاجة إلى تشريعات قانونية لرد الاعتبار لمن يعتقلون وتثبت براءتهم ومن ثم تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء ذلك أو على الأقل العمل بقرار قديم إبان النظام السابق، وكان يتم بموجبه تعويض من يتم اعتقاله بالخطأ أو تعويض ذوي المحكومين بالإعدام ممن تثبت براءاتهم”.
وأضاف اللامي الذي يزاول المحاماة “إن السجون مليئة بموقوفين تتشابه أسماؤهم مع متهمين بجرائم خطرة، كأن تكون إرهابية مثلًا بعد أن يتم اعتقال هؤلاء الأبرياء في نقاط التفتيش والمنافذ الحدودية والمطارات ويمكثون في التوقيف لفترات قد تمتد لأشهر وسنوات، حتى يتم التأكد من أنهم ليسوا المقصودين”.
وينطبق حديث المحامي صفاء اللامي مع ما جرى للمواطن صباح الذي ينحدر من قرية تابعة لقضاء الصقلاوية، في محافظة الأنبار غربي العراق، بعد أن اضطر إلى مغادرتها مع أفراد أسرته عقب دخول تنظيم داعش إليها في 2015، تاركين ممتلكاتهم ومواشيهم صوب مخيم للنازحين في محافظة السليمانية في كردستان العراق.
وبعد فترة من الإقامة هناك، قرر هو وأشقاؤه الثلاث السفر إلى قضاء “أبو غريب” في العاصمة بغداد، والمكوث في مزرعة تملكها عمّةٌ لهم هناك.
وفي سيطرة التاجي في ذات المنطقة التي يقع فيها سجن التاجي وقبل دخولهم إلى بغداد، طلب منهم عناصر الجيش الحكومي النزول لتدقيق أسمائهم في قبل أن يعتقلوه دون أخوته بتهمة الإرهاب، على الرغم من محاولاته إقناعهم عبثًا بأن هنالك خطأ ما، وقد يكون مجرد تشابه في الأسماء مع شخص مطلوب.
وبدأ مشوار صباح مع التحقيق والتعذيب لانتزاع الاعترافات منه، ليستمر لأشهر بعد أن نقلوه أول الأمر إلى مطار المثنى في بغداد، الذي وجد فيه أغلب المعتقلين، بسبب تشابه الأسماء وأن التعذيب الجماعي والفردي كان يستمر لساعات وفقًا لشهادته.
ويقول بحرقة إن “أحد المتهمين توفي أمامي، فساءت صحتي، وبدأت أشك في نفسي بعد أن كان المحققون يخبرونني بأنهم متأكدون من أنني إرهابي وبراءتي مستحيلة، ولم يكن أمامي في نهاية الأمر سوى الاعتراف بشيء لم أفعله، وأخبرتهم بما طلبوه مني، وبأنني قمت بمساعدة الإرهابيين وأنني كنت أهرّب لهم السلاح”.
واستنادًا إلى اعترافاته، أصدرت محكمة الجنايات في بغداد حكمًا بسجنه في شهر آب 2016، لـ15 سنة، وأودع في سجن أبو غريب في بغداد ليقضي محكوميته، وبعد مرور خمس سنوات تواصل أحد المحامين مع ذويه، وأخبرهم بأن المتهم الحقيقي الذي يحمل اسم صباح الثلاثي نفسه، قد تم اعتقاله واعترف بجرائمه، ليفرج عن صباح أواخر 2021، بعد رحلة في السجون امتدت لنحو ست سنوات، خرج منها بريئًا، لكن من دون أي تعويض يذكر.
ويرفض صباح الآن مغادرة قريته، لكيلا يضطر إلى المرور بنقطة تفتيش، وتعود إليه ذكريات وقائع ما حدث له بعد أن خسر 40 كيلو غرامًا من وزنه جراء ما واجهه من أهوال.

وعلى الرغم من أن القانون العراقي يرفض استخدام التعذيب والإكراه في التحقيقات مع المتهمين، إلا ان هناك تجاهلًا واضحًا له من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية ما استدعى بشكل ملح إقرار قانون العفو العام لإنصاف الإبرياء ممن زجوا بالسجون إثر انتزاع الاعترافات منهم تحت وطأة التعذيب.
وفي المقابل تمارس قوى وميليشيات الإطار التنسيقي، ضغوطًا كبيرة لعرقلة تمرير تشريع قانون العفو العام بصيغته الحالية، بعد أن وصل إلى اللجنة القانونية البرلمانية، ونال موافقة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي على طرحه للقراءة الأولى في أقرب جلسة برلمانية؛ في محاولة لإجراء تعديلات جذرية تفرغه من محتواه وتجعل من نصوصه عاجزة عن إنصاف عشرات الآلاف من المعتقلين ممن زجوا في السجون ظلمًا وبتهم كيدية.
ومع استمرار العراقيل التي يضعها الإطار التنسيقي والتي حالت دون التمكن من قراءة مشروع القانون داخل البرلمان فإن أقوى تهديد صدر ضد المشروع كان من زعيم ميليشيا بدر وتحالف الفتح هادي العامري الذي هدد باللجوء للدم في حال تمريره.
وقال العامري في بيان “نعلن رفضنا لأي تعديل غير دستوري على قانون العفو العام؛ ما يتيح للتنظيمات الإرهابية فرص الالتفاف على دستور الدولة والإفلات من قبضة العدالة”.
وتابع “كما سالت دماؤنا من أجل الدولة ومن أجل زج المجرمين في السجون فإنها ستعود تسيل لأجل منع إخراجهم منها ولن نخضع للاتفاقات السياسية”.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق قد أكدت وجود ما يقارب من 76 ألف معتقل موزعين على العشرات من مراكز التحقيق والاحتجاز والسجون.
فيما أعلنت وزارة العدل في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في نيسان 2023 عبر المتحدث باسمها كامل أمين، أن هناك نحو 60 ألف سجين في السجون، والتي لا تستوعب في الأساس أكثر من 25 ألف سجين.
وتشكك مراصد حقوقية في هذه الارقام وتؤكد وجود أعداد أكبر من المعلن عنه رسميًا لاسيما في السجون السرية التي تديرها الميليشيات والتي يعد من فيها ضمن إطار المغيبين والمخفيين قسريًا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى