أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

كارثة التلوث البيئي تنال من صحة العراقيين وتحصد أرواح عشرات الآلاف منهم

مراقبون: عدم حماية السكان من الانبعاثات الغازية المضرة صحيًا وبيئيًا يظهر حجم عدم الاكتراث الحكومي بحياة المدنيين.

بغداد – الرافدين
طالبت منظمات ومراصد حقوقية بضرورة الإسراع في عمليات معالجة التلوث الناجم عن عمليات استخراج النفط في العراق، والتي تسببت في تزايد أعداد الإصابة بالأمراض السرطانية والتنفسية على الرغم من الشكاوى الكبيرة لسكان المناطق القريبة من المواقع النفطية.
ودعت المنظمات إلى حماية السكان من الانبعاثات الغازية المضرة صحيًا وبيئيًا والتي تصاحب عمليات استخراج النفط، ووضع حد لإهمال واستهانة الشركات باتباع إجراءات المعالجة اللازمة، محذرة من استمرار انعدام الرقابة التي يجب على السلطات الحكومية توفيرها.
وبحسب تقارير المنظمات والمراصد الحقوقية، فإن العقود التي تبرمها السلطات الحكومية مع الشركات لا تتضمن نصوصًا تفرض عليها معالجة تلك الغازات، ما يُظهر حجم عدم الاكتراث الحكومي واستهتاره بحياة المدنيين.
وتتستر حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على إعلان الإحصاءات الرسمية لحجم التلوث البيئي، إلا أن تصريحات سابقة لوزارة البيئة تؤكد أن الملف البيئي يعد من الملفات الصعبة، وهناك ملوثات كثيرة داخل المدن وخارجها، ناتجة عن أسباب متعددة مبينة عجز الوزارة عن تحجيم التلوث بسبب قلة التخصيصات المالية.
ويرجع المختصون التلوث البيئي في العراق إلى عدد كبير من العوامل، أبرزها الغاز المنبعث من السيارات ومحطات تكرير النفط، فضلًا عن محطات إنتاج الطاقة الكهربائية والعواصف الترابية ومخلفات الحروب وتراكم مياه الصرف الصحي والنفايات الصحية والفضلات الصناعية.
ويعاني العراق منذ سنوات من ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وتعد العاصمة بغداد من أسوأ مدن العالم من حيث جودة الهواء والتلوث وفقًا لإحصائية صدرت في الـ 9 من تشرين الأول 2023 لمرصد “World of Statistics” الذي يصدر إحصائيات عالمية دورية بمختلف المجالات اعتمادًا على بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الفاو ومنظمة العمل الدولية.
وقال الكاتب والباحث السياسي الدكتور رافع الفلاحي خلال برنامج حديث عراقي الذي يبث على قناة الرافدين الفضائية إن “الفساد والإهمال الحكومي وغياب التخطيط جعل العاصمة بغداد على مدار 20 عامًا تنافس على صدارة المدن الأسوأ عالميًا في شتى المجالات”.
وأشار إلى أن “العاصمة بغداد تعاني من زيادة سكانية كبيرة وبات يقطنها نحو 12 مليون شخص وهي في واقع الحال تتسع لـ 3 ملايين شخص فقط ما تسبب بوصول التلوث لمستويات خطيرة، فهذه الزيادة المهولة في أعداد السكان تؤدي لارتفاع الضغط على البنى التحتية، والعاصمة غير مهيأة لاستيعاب مثل هذه الأعداد الهائلة، فضلًا عن أنها تعاني أصلًا من نقص الخدمات وترديها”.
وأضاف الفلاحي أن “الاتساع العشوائي للعاصمة أدى إلى وصول معامل الطابوق بكل مخلفاتها إلى وسط المدينة فضلًا عن مناطق مكبات النفايات التي تحرق وتلوث الهواء يقابله غياب للمناطق الخضراء التي حولتها جهات متنفذة إلى مشاريع سكنية لخدمة مصالحها الشخصية”.
وأكد مدير بيئة محافظة ذي قار المهندس كريم هاني محمد أن “الواقع البيئي في العراق أمام تحديات كبيرة نتيجة الانبعاثات الغازية التي تطلق من الأنشطة غير الملتزمة بالاشتراطات البيئية مثل الانبعاثات التي تطلق من الحقول النفطية كالغاز المصاحب لإنتاج النفط، والغازات الدفيئة ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، والانبعاثات التي تطلق من وسائل النقل القديمة ومحارق النفايات في العديد من المؤسسات الصحية التي تفتقر إلى الضوابط البيئية”.
ويوضح أستاذ هندسة البيئة حسين يوسف محمد الحسيني أن “التلوث البيئي في البلاد متعدد الأنواع والأسباب، مشيراً إلى ما خلفته المعارك العسكرية، بالإضافة إلى تسرب فضلات المنشآت كافة إلى الأنهار من دون وجود رقابة بيئية صارمة”.
ويرى الحسيني أن “ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان هو إحدى نتائج التلوث البيئي، ولا يمكن حل هذه المشكلات إلا بتشكيل هيئات بصلاحيات واسعة تعنى بشؤون البيئة وتكون غير خاضعة لأي جهة حكومية”.
وطالبت مفوضية حقوق الإنسان في البصرة في وقت سابق، بتخصيص موازنة خاصة لمواجهة التلوث وفتح أقسام جديدة للمصابين بالسرطان.
وقال مكتب المفوضية، إن “آثار التلوث في البصرة ارتفعت في الهواء والمياه والتربة الذي كان من تداعياته اليوم الآلاف من الإصابات السرطانية مع زيادة نسب الإصابة بالفشل الكلوي وإصابات الكبد وأمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية”.
ويرى مراقبون أن “معالجة مشكلة التلوث البيئي في العراق تكمن في تشديد الرقابة على مصادر التلوث المائي والهوائي وتطبيق التشريعات والقوانين بحزم لوقف ومنع هذه الملوثات”.
وأشاروا إلى “ضرورة إدامة محطات معالجة مياه المجاري الحالية وإنشاء محطات جديدة لتستجيب للتوسع العمراني وزيادة عدد السكان وضمان معالجة صحيحة ومتكاملة وفقًا للتعليمات والتشريعات البيئة والصحية، فضلًا عن تحديث وصيانة المنشآت والمصافي النفطية ووحداتها العاملة ومراقبة انبعاثاتها الغازية بما يضمن عدم تأثيرها على البيئة والصحة العامة”.
وأكدوا على “إيجاد نظام فعال لجمع وإدارة ونقل وفرز ومعالجة النفايات والمخلفات البلدية والصحية والتجارية وغيرها والتشجيع على إعادة الاستخدام والتدوير وتقليل استنزاف الموارد الطبيعية وإنشاء مواقع طمر صحية وفنية، إلى جانب الاهتمام بتشجير جوانب الطرق والساحات العامة والدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة وزيادة أعداد الحدائق والمتنزهات ونشر ثقافة الوعي البيئي والصحي”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى