أخبار الرافدين
معاذ البدري

بين خداع “المحور” وانحراف البوصلة

في الوقت الذي بات الجميع راضخًا أمام قوّة المقاومة الفلسطينية في غزة، ومشيدًا بإنجازاتها رغم ضراوة العدوان وجرائم الإبادة التي يرتكبها كيان الاحتلال؛ خرج رئيس وزراء حكومة الاحتلال التاسعة في بغداد متحدثًا من طهران وهو يستجدي عطف الدول العظمى للضغط على “إسرائيل” لوقف عدوانها على غزة.
التصريح من هذا النوع يُصادق مجددًا على خداع ما يسمى “محور المقاومة” الذي تُصنّف حكومة بغداد ضمنه بحكم تبعيتها لطهران وبوصفها واحدًا من أذرعها في المنطقة، ولا سيّما وأنّ هرولة السوداني نحو إيران جاءت بعد ساعات قليلة من مجيء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بغداد، ليبدو الأول مجرد ساعي بريد بين طرفي التخادم في المنطقة.
من بديهيات الصراع في كل زمان ومكان؛ أن المقاومة الصادقة لا تطلب حلاً من هذا النوع، بل نفرض على العدو المحتل حلولها باستعلاء وثبات، وليس بمحاولة استعطاف من يقف وراء كيان الاحتلال الصهيوني ويدعمه، كما يفعل محور إيران الآن، فضلاً عن أن مطالب وقف إطلاق النار في العادة تأتي من الطرف الأضعف في الصراع، أو الطرف الذي يؤثر السلامة خوفًا من الاستنزاف، والمقاومة في غزة ليست كذلك، بل صرّح قادتها الميدانيون والمتحدثون باسمها إن لديها الكثير لتقدمه في هذه المعركة، علاوة على ما تحققه من نكاية بالعدو في المناطق الشمالية القطاع والخواصر الرخوة التي يحاول الجيش الصهيوني التوغل منها دون تحقيقه تقدمًا يُذكر؛ فلماذا يُصرّ المحور الإيراني على الحديث بهذا النمط على الرغم من إقراره بعدم صلته بمعركة طوفان الأقصى وفقًا للفضائح المتوالية التي صدرت مبكرًا من الرئيس الإيراني ومرّت من عند حسن نصر الله لتعاد مؤخرًا في تصريحات رئيس وزراء حكومة بغداد؟!
مرة أخرى يُصرُّ محور إيران –عبر ذراعه القريب “حكومة بغداد”- النأي بنفسه عن المشاركة في الصراع، وكلام السوداني واضح في هذا السياق: “قرار جر المنطقة إلى حرب شاملة تهدد السلم والأمن بيد الطرف الذي يمارس العدوان على غزة”، وقد سبقه حسن نصر الله قبل أيام حينما قال “إن طوفان الأقصى ليست له علاقة بأي ملف إقليمي”، وهذا كلّه يقود إلى حقيقة واحدة تنتهي باتجاهين، أحدهما: هروب المحور من الواجبات التي تقتضيها معركة الطوفان بتوصيف الحالة الفلسطينية في قطاع غزة على أنها معركة محدودة جغرافيًا بغية التحرر من أي مسؤوليات حقيقية – ميدانية كانت أو سياسية – يفرضها الوضع وتطورات المشهد في غزة، وقد ظهر ذلك على وجه التحديد في كلام نصر الله الذي نفى أن تكون لإيران وصاية على فصائل المقاومة الفلسطينية -بخلاف ما يدّعيه المحور- وكأنه يريد أن يُخلي ساحة طهران من تبعات ما قد تفترضه القوى الغربية من مسؤوليات في حال انتهت معركة الطوفان على نحو غير الذي ترجوه الأمّة -لا سمح الله- وذلك يعكس القناعة الحقيقية للمحور الإيراني بأن العدو مؤهل لحسم المعركة، في مثل صريح وبيّن على الأنموذج المنافق الذي حذر القرآن الكريم منه في هذا المقام.
والاتجاه الآخر: انكماش أذرع المحور الإيراني عن القيام – محليًا – بما تقتضيه شعاراتها التي كانت تزعج بها المنطقة، وكتمها ألحان النشاز التي تبثها في وسائل الإعلام وهي تتغنى بالقضية، وذلك بحثًا عن شرعية افتراضية تُبرر لها المواقف المتخاذلة التي تقع فيها الحكومات والأنظمة الرسمية ولا سيما في بغداد ودمشق، أمّا ما يُشاع من استهداف القواعد الأمريكية في العراق مثلاً، أو القصف غير المتحقق الأهداف الذي يدعيه حزب الله في جنوب لبنان؛ فليس له واقع على الأرض أو تأثير، وليس ثمة دلائل حقيقية أو ملموسة تؤكده؛ إلا ما يكون جاريًا على خطوط معلومة في سائل محلية، مشفوعة بتصريحات غربية مقصودة تريد أن تُبقي المحور الإيراني في واجهة الخصومة وفق محددات سياسة التخادم المعروفة.
الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها حين يتم التعاطي مع المشهد الفلسطيني في ظل معركة طوفان الأقصى، أن المحور الإيراني منحرف البوصلة قد انحاز عمليًا إلى صف القوى الغربية الداعمة لكيان الاحتلال والتي مهدت له ذلك مبكرًا برشوة كبيرة تلقفتها طهران حينما حررت واشنطن بعض الأموال المجمدة في الأرصدة الإيرانية، وما التصريحات والمواقف -سواء الإيرانية المباشرة أو التي تصدر عن أذرع المحور- بشأن الدعم الإنساني، ووقف إطلاق النار، والتوصيفات الاعتيادية المعلومة في تجريم الاحتلال الصهيوني والتي يستطيع كل أحد الإدلاء بها؛ إلا دليل على بيّن على ذلك؛ فهو تخلف صريح عن نصرة فلسطين وغزة، واختباء خلف جُدر التصريحات النظرية، وتولٍ واضح عن الزحف في مواجهة العدو، وحتى لو أراد أحد من الذين ما زالوا يصدقون أكاذيب المحور الإيراني وصف ها النوع من المواقف فلن يجد طريقًا أقرب إلى حسن الظن من و صفها بالحياد، وهذا في حالة الصراع بين الحق والباطل انحياز للأخير، لا يُقبل فيه عذر ولا تشفع له مبررات.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى