أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

عراقيون يحذرون من مأساة وشيكة في المدارس الكرفانية مع حلول الشتاء

موسم الأمطار يثير مخاوف العراقيين من تحول صفوف المدارس الكرفانية المشيدة من مواد سريعة الاشتعال إلى محارق لأبنائهم الطلبة في ظل ارتفاع خطر التماس الكهربائي الذي يعد مسببًا رئيسًا للحرائق في عموم البلاد.

بغداد – الرافدين
أثارت موجة الأمطار الأخيرة المخاوف من تكرار فاجعة الحمدانية التي راح ضحيتها المئات بين قتيل ومصاب، في المدارس الكرفانية التي اعتمدت وزارة التربية في تشييدها على مواد سريعة الاشتعال في ظل ارتفاع معدلات الحرائق جراء التماس الكهربائي في موسم الشتاء من كل عام.
وأشارت مصادر تربوية إلى وجود مئات المدارس القابلة للاشتعال في العراق التي تفتقر إلى مقوّمات السلامة مما تشكّل خطرًا حقيقيًا على حياة التلاميذ.
ولفتت المصادر إلى أنّ السلطات الحكومية تتجاهل التحذيرات، بعد أن تنصلت وزارة التربية من تطبيق قرارها بشأن رفع المواد سريعة الاشتعال من المدارس والمعاهد التعليمية، عقب فاجعة حفل زفاف الحمدانية أسوة بقرار مماثل اتخذته قبل ثلاث سنوات.
وأفادت المصادر، بأنّ المدارس الكرفانية التي تضمّ عشرات الآلاف من الأطفال تفتقر إلى البنية التحتية الصحيحة، ولا تصلح لأن تكون بيئة مناسبة للتدريس، لعدم أهليتها وتهالكها على نحوٍ يجعلها قابلة للاشتعال بشكل سريع.
وفرضت مشاهد وصور لمدارس كرفانية في محافظات عراقية مختلفة -بالتزامن مع انطلاق العام الدراسي الجديد في البلاد- نفسها على حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيديو وثق حال الطلبة المزري في مدرسة “أبناء العراق” الكرفانية في محافظة ميسان.
وبين المقطع المصور الذي عرض في برنامج “صوتكم” الذي تبثه “قناة الرافدين” الفضائية يوميًا عدا الخميس حال القاعات الصفية الكرفانية قبل أن يؤكد الناشط محمد سامي الذي نشره لأول مرة على حسابه في منصة تيكتوك أن المدرس الذي صور المقطع جرى إحالته لمجلس تحقيقي.

وأشعلت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة غضب العراقيين على منصات التواصل، مما وصفوه بفشل وزارة التربية في إدارة الملف التربوي، وتراجع مستوى التعليم في العراق، بعد أن كان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي متصدرًا دول الشرق الأوسط من حيث جودة التعليم.
وبينت صور أخرى حال مدرسة “الحكمة والأحبة” الكرفانية في حي الفلاحية بمحافظة واسط بعد عزل كيبل الكهرباء الرئيس المار بقربها بالاحذية البالية وسط مخاوف من حدوث تماس كهربائي في ظل بدء موسم الأمطار.
ولم يصدر أي تعليق من قبل وزارة التربية الحالية، أو مديريتي تربية ميسان وواسط، حول ما تم تداوله لغاية الآن، بالرغم من تفاعل أولياء الأمور والطلبة والمعلمين والنشطاء مع المشاهد المتداولة.
وتتكون المدارس الكرفانية من غرف جاهزة تركب سريعًا كتلك التي تستعمل في باحات ورش الإعمار وهي مخصصة لعمل موقت وليست مؤهلة لتكون مبان مدرسية تضم أطفالاً لافتقارها إلى معايير السلامة المطلوبة باعتراف مديرية الدفاع المدني التي تنفي بدورها منح موافقات لإنشاء المباني المشيدة من ألواح “Sandwich panel” المخالفة لتعليمات السلامة الصادرة عنها.
وتعزو مديرية الدفاع المدني معظم الحرائق في السنوات الأخيرة لألواح “Sandwich panel” المصنوعة من مواد سريعة الاشتعال تحمل بين طياتها مادة الفوم، التي ينتج عنها مخلفات غازية سامة عند احتراقها ما يتسبب بتهاوي البناء المشيد من ألواحها بغضون دقائق فضلًا عن صعوبة امتصاص هذه المادة للمياه ما يعقد من جهود مكافحة الحرائق.
وعلى الرغم من تشخيص أسباب أغلب تلك الحرائق، التي تعود إلى البناء بألواح “Sandwich panel” سريع الاشتعال، وعدم استقرار التيار الكهربائي، ونقص التزام شروط السلامة وقواعدها في البنايات، إلا أنّ الحال ما زال على ما هو عليه، في العديد من المدارس في مختلف المحافظات.
ويشخص الدكتور مسلم عباس سلبيات عديدة للمدارس الكرفانية من بينها فقدانها لمعايير المدارس النموذجية المبنية وفق مواصفات هندسية خاصة بينما المدارس الكرفانية تستخدم للطوارئ وفي الحالات الخاصة، أما في حالة الاستقرار الأمني فيجب أن تلغى.
وقال “إن الحل الأساسي لهذه الأبنية الكرفانية يكمن بالقضاء على جذورها ومسبباتها متمثلًا بمحاربة الفساد المالي والإداري المنتشر في دوائر الدولة فضلًا عن تهاون المسؤولين فيما يتعلق بحماية ورعاية القطاع التعليمي في العراق”.
وأضاف “أننا نحتاج إلى جهود مضاعفة وإرادة سياسية جبارة في محاربة الفساد وهذا هو الهدف الأساسي بالإضافة إلى جهود مجتمعية تضغط على صانع القرار السياسي ليكون مجبرًا على تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي تصب في صالح العملية التربوية ومنها بناء مدارس نموذجية قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب وحمايتهم لا سيما وان العراق من البلدان التي تشهد زيادة سكانية كبيرة”.

وكانت وزارة التربية الحالية، قد أعلنت تراجعًا في نسبة الاعتماد على المدارس الطينية والكرفانية في البلاد، مؤكدة دخول أكثر من 450 مدرسة جديدة إلى الخدمة خلال العام الحالي.
ووفقًا للمتحدث باسم الوزارة كريم السيد، فإن “نسبة وجود الأبنية المدرسية الطينية والكرفانية انخفضت بعد افتتاح مدارس جديدة في البلاد، كما أن نسبة الدوام الثنائي والثلاثي في المدارس انخفض أيضًا”.
ولم يحدد المتحدث باسم الوزارة إمكانية التخلص التام من المدارس الطينية والكرفانية من عدمه، إلا أن مسؤولًا في الوزارة أكد أن التخلص من تلك المدارس يحتاج إلى ما لا يقل عن خمس سنوات.
وقال المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن “الوزارة وضعت خططًا للتخلص من تلك المدارس، خاصة أنها تشكل خطرًا على حياة الطلاب، فالكرفانية عرضة للاحتراق والطينية عرضة للهدم وأن “خطط الوزارة تحتاج إلى خمس سنوات، بسبب التراكم في هذا الملف، الذي أهمل خلال الحكومات السابقة”.
وأكد أن “الملف يحتاج إلى تخصيصات مالية، وهذا ما تسعى الوزارة إليه، خاصة مع التراكم الكبير في أعداد الطلاب والذي يحتاج الى ما لا يقل عن ثمانية آلاف مدرسة خلال هذه السنوات، على أن تكون هناك خطط لبناء أخرى خلال السنوات المقبلة”.
وعرف العراقيون مصطلح “المدارس الكرفانية” بعد عام 2011 إبان ولاية حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عقب عمليات هدم لمدراس آيلة للسقوط في بغداد والمحافظات ضمن مشروع عرف إداريًا وقتها بـ”الأبنية المدرسية رقم 1″ كحل موقت لتفادي أزمة تعليمية.
ولايوجد إحصاء دقيق لعدد المدارس الكرفانية في العراق، وتعلل وزارة التربية ذلك بـ”عشوائية تشييدها”، وضياع تفاصيل هذا المشروع بين الحكومة ومجالس المحافظات، فضلًا عن المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد التي تبنت بدورها تشييد عدد من هذه المدارس.
ولم يكن مرور أكثر من 12 سنة كافيًا لإنجاز مشروع “الأبنية المدرسية رقم 1” بعد أن مرَّ بسلسلة معقدة من المخاطبات الإدارية والبيروقراطية والتلكؤ والإهمال وقبل ذلك كله الفساد الذي ينخر الدولة العراقية والذي بدد بدوره الأموال المرصودة لهذه الأبنية.
وفي هذا السياق أكد مصدر في شركة العز التابعة لوزارة الصناعة، المسؤولة عن إنتاج وتصنيع “الكرفانات” أن السلطات الحكومية “تعاقدت مع شركتنا لبناء كرفانات تستغل كمدارس للمناطق النائية، وبلغ سعر البيع للغرفة الواحدة حدود 9 ملايين دينار، أي نحو 6 آلاف دولار.
واستغرب المصدر من هذه التكاليف الباهظة إذ أن السعر يعادل بناء قاعة مدرسية بمواصفات قياسية من الحجر (الطابوق) والأسمنت وباقي المواد الإنشائية”.

ووفقًا لمواطنين ومسؤولين عراقيين فإن المدارس الكرفانية أصبحت أحد أبواب الفساد الحكومي المتواصل بتعاقب الحكومات، وكل ذلك على حساب الأطفال الذين حُرموا حتى من حق التعليم الجيد أسوة بأقرانهم في بقية بلدان العالم.
ويرى المواطن سيف شاكر أن مدارس أبنائه الكرفانية متهالكة وغير مؤهلة ومهددة بالخطر، لانها تتكون من مادة سريعة الاشتعال، كذلك فإنها لا تقي من حر الصيف اللاهب ولا صقيع الشتاء وكل هذا على حساب الطلاب الذين حرموا حتى من حق التعليم.
ويضيف المواطن سيف وهو أب لطالبين، أن “الدراسة في المدارس الكرفانية مزرية وصعبة، فهي تفتقر إلى أبسط المقومات والبنى التحتية والمياه الصحية والقاعات الدراسية المتكاملة، بالإضافة إلى مخاطر التماس الكهربائي الذي يحدث أثناء هطول الأمطار كونها مصنوعة من الحديد الموصل للكهرباء، ولكننا مضطرون إلى ذلك لعدم توفر البديل”.
وللعراقيين تاريخ مأساوي وحافل مع حرائق الفساد والإهمال، من أبرزها حريق في مستشفى “ابن الخطيب” في بغداد، الذي اندلع جراء انفجار أسطوانة أوكسجين مخلفًا عشرات الضحايا، فضلًا عن حريق مستشفى الحسين المخصص لعلاج مرضى “كورونا” والمشيد من غرف كرفانية مصنوعة من مواد سريعة الاشتعال في محافظة ذي قار والذي خلف هو الآخر عشرات الضحايا أيضًا الأمر الذي يعزز من مخاوف أولياء الأمور من مخاطر المدارس الكرفانية على أرواح أبنائهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى