أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

الشتاء التاسع يحل ضيفًا مؤذيًا على النازحين في العراق

موسم الشتاء يثقل كاهل النازحين بعد تنصل حكومة الإطار عن وعودها بإعادتهم إلى مناطقهم المستغلة من قبل الميليشيات لأهداف طائفية وسياسية واقتصادية عقب إفراغها من سكانها الأصليين.

الأنبار- الرافدين

حل موسم الشتاء التاسع ضيفًا ثقيلًا على النازحين العراقيين في مخيماتهم مع بدء هطول الأمطار وما يرافقها من ارتفاع في منسوب المعاناة للمهجرين قسرًا من مناطق جرف الصخر وحزام بغداد في مخيمات بزيبز وعامرية الفلوجة بمحافظة الأنبار فضلًا عن تلك التي تضم نازحين من صلاح الدين ونينوى وديالى في محافظات كردستان العراق.
وتتجدد معاناة النازحين وتغريبتهم المريرة على غرار التغريبة الفلسطينية مع كل موجة أمطار تضرب البلاد بسبب تهالك الخيم ونقص في مستلزمات العيش الأساسية وغياب الخدمات في المخيمات، خاصة أن أغلب هذه المخيمات تقع في مناطق مفتوحة تنعدم فيها الخدمات وتنخفض درجات الحرارة فيها بشكل كبير.
ويعد مخيم “بزيبز” الذي يقع جنوب غربيّ الأنبار قرب مدينة الفلوجة، أحد المخيمات التي تتجنب وزارة الهجرة والمهجرين في حكومة الإطار فتح ملفاتها، لكون سكانه من نازحي منطقة جرف الصخر التي تسيطر عليها ميليشيا “حزب الله” وميليشيات أخرى.
وتتفاقم يومًا بعد آخر معاناة الأسر النازحة في مخيم “بزيبز” للنازحين، وسط دعوات لتحرك عاجل قبل وقوع كارثة إنسانية وشيكة، بفعل هطول الأمطار وانقطاع الكهرباء عن المخيم فضلًا عن انقطاع المياه الصالحة للشرب في وقت تخلت فيه المنظمات الدولية والحكومية عن تقديم المساعدات.
ويقول أبو محمد، وهو أحد أفراد العائلات النازحة في المخيم، إن “القرى المجاورة هي التي تدعم النازحين وتشاركهم الكهرباء والماء، وفتحت مدارسها لأبناء النازحين، خاصة وأن المخيم يخلو من المدارس الثانوية وأن العشائر في القرى المحيطة لا تملك إمكانات دولة، ولكنها دعمتنا من باب إنساني وأخوي”.
ويضيف أبو محمد، “غالبية المسؤولين لا يزورون المخيم إلا قبل كل انتخابات، بعدها لا نراهم لفترات طويلة، وعليهم الالتزام بوعودهم وتوفير الاحتياجات الإنسانية الملحّة”.
وتحولت منطقة “بزيبز” إلى وجهة للنازحين الذين فروا من مناطق جرف الصخر والعويسات بمحيط بغداد الجنوبي حيث يتوزع فيها النازحون على شكل مخيمات تقسم إلى 7 قطاعات تضم أكثر من 1400 أسرة يسكنون الخيام، وبعضهم شيد مساكن من الطين ومن الخشب، وهم في غالبيتهم من الطبقات الفقيرة وكانوا يعملون في الزراعة قبل نزوحهم، ويواجهون اليوم أوضاعًا متردية داخل المخيم.

صور جوية حديثة لجرف الصخر تظهر استغلال الميليشيات لموارد الناحية في تربية الأسماك

وأفرغت الميليشيات جرف الصخر بشكل شبه كامل من سكانها الأصليين وأصبحت أراضيها العامرة بؤرة لزراعة المخدرات فضلًا عن استغلالها في تشييد أحواض تربية الأسماك، بينما تحوّل الجزء الآخر إلى قاعدة عسكرية ومعسكرات تدريب للميليشيات تتعرض بين الفينة والأخرى لقصف جوي أمريكي كما حصل في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء.
وأظهرت صور حديثة لخرائط موقع غوغل عقب تحديثه الصور الجوية للعراق بعد سنوات من توقفها، مناطق جرف الصخر بوضوح عقب إفراغها من السكان مع مناطق أخرى في صلاح الدين كما جرى مع قرية العوجة وقرى ناحية الصينية التابعة لبيجي بمحافظة صلاح الدين.
ويقول الصحفي عثمان المختار في تدوينة له على منصة أكس إن “مزارع الأسماك على حافتي النهر في جرف الصخر ما زالت تعمل وتستفيد منها الميليشيات تجاريًا”.
ويضيف المختار في تدوينته “حجم الدمار في العوجة مرعب ما يؤكد أن الميليشيات التي تحتلها نفذت عمليات تفجير وتجريف انتقامية لمنازل وممتلكات الأهالي”.
وعلى الرغم من مرور 6 سنوات على إعلان السلطات الحكومية النصر على داعش واستعادة جميع المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، إلا أن ملف النزوح ما يزال قائمًا لغاية اليوم في العديد من المحافظات العراقية.
وكشفت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير لها عن “وجود أكثر من مليون ومئة ألف نازح في عموم العراق، وبينت أن ما يزيد على 64 ألف نازح في العراق يشكلون نسبة 7 بالمائة من مجموع النازحين الكلي في البلد يعيشون في ظروف سيئة جدا وأن أكثرهم يتمركزون في محافظات صلاح الدين، والأنبار ونينوى وديالى”.
وبينت المنظمة الدولية في تقريرها أنه “مع انتهاء الحرب مع داعش في العراق فإن مشكلة النزوح المزمنة أصبحت ملازمة لبيئة ما بعد الحرب في البلد في وقت ما يزال فيه 1.14 مليون نازح يعيشون حالة نزوح بين ظروف معيشية شديدة القسوة ومتوسطة وقليلة الحدة، أغلبهم تقريبًا نزحوا من مناطق سكناهم الأصلية”.
وذكرت المنظمة إنه “في ضوء ما ذكر أعلاه، فإنه من الضروري إدخال حلول مستدامة لمشكلة النزوح في العراق وذلك بتحسين ظروف المعيشة لتمكين الأشخاص النازحين من أن يتخذوا خطوات طوعية تجاه العودة لمناطقهم والاندماج مع المجتمع المحلي أو الاستقرار في أماكن ومواقع جديدة”.

أكثر من مليون نازح عراقي يقطن في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة بعد منع الميليشيات عودتهم لمناطقهم

وتقدم الحكومة إحصاءات مغايرة للواقع ولتلك التي تعلنها المنظمات الدولية لعدد النازحين إذ يبلغ عددهم 36 ألفا وفقًا للمتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الحكومية الرسمية (واع)، حينما قال إن “وجود النازحين في المخيمات وفق قناعتهم، ولكن بإمكانهم العودة إلى بيوتهم”.
وأثارت الإحصائية الحكومية الجديدة لأعداد النازحين في العراق، انتقادات من ناشطين حقوقيين، أكدوا أنها مغايرة للواقع، وأنها تشكل نسبة قليلة من الأعداد الحقيقية للنازحين، فضلًا عن زيف التصريحات المتعلقة ببقاء النازحين في المخيمات بمحض إرادتهم في ظل موجة البرد القارص وبدء موسم الأمطار.
وفي هذا السياق يؤكد الناشط في حقوق الإنسان، علي العبيدي، أن “مأساة المخيمات تتفاقم خلال موسم الشتاء، وسط عجز بتوفير الخدمات وترميم الخيم وتجهيز النازحين بما يحتاجون إليه”.
وتساءل العبيدي “أين تلك المنازل في معرض تعليقه على تصريحات الوزارة، بأن “النازحين مخيرون بالعودة الى منازلهم”.
وتابع “أغلب المنازل مهدمة لم يتم إعمارها، والبعض الآخر منها تحت سيطرة الفصائل المسلحة والحكومة غير جادة بوضع برنامج لإنهاء ملف النزوح، وأن وعود إنهاء هذا الملف تتكرر سنويا ولا نهاية لها، وأن الملف تحول من ملف إنساني الى ملف سياسي للأسف”.
بدوره يقول عضو منظمة “عون”، علي الوكيل، إن عدد النازحين الكلي في كل العراق يتجاوز المليون، نحو 400 ألف منهم من المدن التي تسيطر عليها المليشيات وتمنعهم من العودة، كمدن جرف الصخر والعويسات والعوجة، ومدن وبلدات ديالى وصلاح الدين”.
واتهم الوكيل وزارة الهجرة بـ”الفشل في إدارة ملف النزوح، فضلا عن استشراء الفساد فيها” وأن أرقام الوزارة محصورة بالمخيمات التي تحت سلطتها فقط، ولا تتحدث عن باقي المخيمات التي يعاني سكانها صيفًا وشتاءًا.
وسبق أن أكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق أن وزارة الهجرة الحالية لا تعترف بمسؤوليتها تجاه النازحين.
وذكر في تقرير صدر في شهر شباط الماضي “رغم توقف أعمال العنف في المحافظات المنكوبة منذ سنين، ما تزال القوات الحكومية والميليشيات الولائية تمنع أهالي تلك المحافظات من الرجوع لمنازلهم بحجج عدة، ودخلت أزمة النزوح الكبرى الشتاء التاسع وسط تواصل الإهمال الرسمي وتراجع الجهد الإغاثي، وما يزال نحو مليون و300 ألف نازح يعيشون أوضاعا مأساوية صعبة في المخيمات”.

وزارة الهجرة والمهجرين في حكومة الإطار تقدم صورة وردية عن أحوال النازحين وتنكر وجود أكثر من مليون نازح في المخيمات

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين قد حددت مطلع أيلول الماضي، موعدًا لإغلاق ملف النزوح بعموم محافظات البلاد، لكنها سرعان ما تراجعت عن تلك الوعود التي لا تعد الأولى من نوعها، كما تتلافى الوزارة الإشارة للمدن التي تحتلها الميليشيات وتمنع عودة العائلات النازحة إليها ومن أبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات في وقت تؤكد فيه مصادر أن المشكلة سياسية وأن الوزارة غير معنية بها.
وفي هذا السياق يرى الخبير الأمني أحمد الشريفي أن الحلول لإنهاء معاناة النازحين في تلك المناطق هي “سياسية”.
ويوضح الشريفي أن الدور المنوط للحشد الشعبي قد انحسر بعد انحسار العمليات العسكرية، لكن بقيت تلك المناطق تحت إدارة “الفصائل الولائية” حيث امتد صراع النفوذ الإقليمي إلى هذه المناطق.
ويشير إلى أنّ ما حصل في تلك المناطق هو “صراع نفوذ” فضلًا عن وجود “إرباك” في العملية السياسية فيما يتعلق بتبني خيار المادة 140 التي أوجدت ما يطلق عليه بالمناطق المتنازع عليها، وأحدثت خللًا في الجغرافيا العراقية رغم مرور عقدين من الزمن”.
ويمثّل إنهاء ملف النزوح أحد تعهدات حكومة السوداني، لكن الإهمال الحكومي مستمر لهذا الملف وسط حديث تصاعد أخيرًا من قبل قوى سياسية عن إمكانية تراجع السوداني عن وعوده بتنفيذ التعهدات.
ويؤكد النائب رعد الدهلكي أن “ملف إعادة النازحين يتوقف على القرار والإرادة الحكومية في التنفيذ ولا يتطلب تشريعًا برلمانيًا ليتطلب المزيد من الوقت”.
وفيما يخص الفترة الزمنية التي يمكن من خلالها إنهاء ملف النزوح، رجح الدهلكي عدم حل هذا الملف في القريب العاجل، كما استبعد تنفيذ بنود الاتفاق السياسي خلال الفترة المقبلة المتبقية من عمر حكومة السوداني.
ويقول النائب الدهلكي إن “وجود ضغوطات تمارسها قوى سياسية متنفذة حالت دون تنفيذ السوداني لبرنامجه وتعهداته تجاه المناطق السنية في الوثيقة السياسية التي وقع عليها تحالف إدارة الدولة ولاسيما قانون العفو العام وإخراج الحشود من المدن والكشف عن مصير المغيبين وتعويض المتضررين وإنهاء ملف المساءلة والعدالة، ومن بينها ملف إعادة النازحين إلى مناطقهم”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى