أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدين

العراق ضمن المنطقة الحمراء في أخطر مؤشر للإجهاد المائي العالمي

بلاد النهرين تحل، بحسب آخر تقرير منشور من معهد الموارد العالمي، ضمن المنطقة الحمراء بمؤشر الاجهاد المائي، حيث جاءت في المرتبة 23 عالميًا من أصل أكثر من 160 دولة.

بغداد ــ الرافدين
حذرت تقارير دولية ومحلية من تداعيات استمرار انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات بالتزامن مع تجاهل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني لأزمة المياه وعدم الدخول في مفاوضات حقيقية وجادة مع دول الجوار بشأن حصة العراق من المياه ولإيجاد حلول ناجعة تنهي شبح جفاف الرافدين.
وتشير أحدث التقارير بهذا الصدد إلى أن العراق يواجه مشكلة خطيرة في مجال الإجهاد المائي بسبب تفاقم المشكلات المائية في البلاد.
وحل العراق ضمن المنطقة الحمراء في مؤشر الإجهاد المائي والذي يعد أكثر المؤشرات المرعبة في العالم، والذي تتلخص فكرته بأن استهلاك أي دولة من المياه أكبر أو يقترب من كمية إيراداتها المائية.
ويأتي العراق بحسب آخر تقرير منشور من معهد الموارد العالمي، ضمن المنطقة الحمراء بمؤشر الاجهاد المائي، حيث جاء في المرتبة 23 عالميًا من أصل أكثر من 160 دولة.
ويعرف الإجهاد المائي بأنه نسبة الطلب على المياه إلى الإمدادات المتجددة والمنافسة على موارد المياه المحلية، وكلما ضاقت الفجوة بين العرض والطلب، كلما أصبح المكان أكثر عرضة لنقص المياه.
وتعني المنطقة الحمراء التي وضعها المؤشر العالمي، أن العراق من ضمن البلدان التي تستخدم 80 بالمائة من إيراداتها المائية، ما يعني أن استهلاكها من المياه خلال سنوات سيكون أكبر من إيراداتها المائية وبالتالي لا يوجد ما يكفيها من المياه.
وتعد مشكلة الإجهاد المائي من أخطر المشكلات التي تواجه العالم اليوم، حيث يؤدي نقص المياه إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد والبيئة والصحة العامة.
ووفقًا لتوقعات سابقة لمؤشر الإجهاد المائي الذي يقيس ندرة المياه العذبة وقدرتها على تلبية حاجات السكان، فإن العراق سيكون أرضًا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي.
وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدًا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.

العراق يستخدم 80 % من الإيرادات المائية بحسب مؤشر الإجهاد المائي

بالوقت الذي تعجز فيه حكومة الإطار التنسيقي عن اتخاذ إجراءات لتحسين استدامة المياه والمحافظة عليها وتحسين إدارتها للحد من مشكلة الإجهاد المائي وضمان توفير المياه للأجيال القادمة.
وكشف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، أن المخزون المائي وصل إلى مراحل وصفها “بالحرجة جدًا”، حيث لا تستطيع الوزارة ضخ مياه كبيرة للأنهار، بسبب فقدان العراق 70 بالمائة من استحقاقاته المائية القادمة إليه من دول الجوار.
وأجمعت تقارير على أن نهري دجلة والفرات العظيمين يحتضران في العراق الذي يكنى تاريخيًا باسمهما بلاد الرافدين التي يقظنها نحو 42 مليون نسمة وحيث يعد ملف المياه أساسيًا وشائكًا حيث تتهم بغداد مرارًا جارتيها تركيا وإيران بالتسبب في خفض كميات المياه الواصلة إلى أراضيها لا سيما بسبب بنائهما لسدود على النهرين.
ولا يستلم العراق حاليًا سوى 35 في المائة من استحقاقه الطبيعي من المياه من نهر دجلة، وأن رافد الزاب الأسفل الذي تقطعه إيران بين الحين والآخر يلبي احتياجات 100 ألف شخص في قضاء قلعة دزة التابع لمحافظة السليمانية.
وفجرت السدود التي بنتها طهران على نهر دجلة الوضع داخل العراق وسط مطالب شعبية بإيجاد حلول فورية للمعضلة.
ويواجه العراق مصيرًا كارثيًا جراء شح المياه التي تراجعت كمياتها إلى مستوى ينذر باحتمال فقدان مياه الشرب، في ضوء انخفاض المخزون المائي الاستراتيجي إلى 7.5 مليارات متر مكعب للمرة الأولى بتاريخ البلاد، وفق ما أفادت به وزارة الموارد المائية.
وأوضح مستشار وزارة الموارد المائية طه درع، أن العراق مقبل على شح مياه كبير، حيث سجلت مخزونات المياه في سدود العراق كميات تعد الأقل في تاريخ وزارة المياه.
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان مثنى أمين، إن المجلس لم يتطرق إلى الملف المائي ولم يفكر فيه مطلقًا، مشيرًا إلى أنه مشغول بقضايا أخرى، لذا لم تتضمن أجندته أي شيء يخص هذا الموضوع رغم المحاولات المتعددة لتضمينه.
واستدرك قوله إلى أن الحكومة هي المعنية بهذا الملف لكنها أيضًا لم تعره أهمية، لذلك تستمر دول المنبع في قطع الحصة المائية دون أي مراعاة لحسن الجوار، وهذا ما يمنع التوصل إلى أي اتفاق معها، لافتًا إلى أن الأزمة ستنسحب على مستوى تأمين مياه الشرب على حد قوله.
وقال مستشار وزارة الموارد المائية أحمد محمد عجيل، إن الحكومات السابقة أهملت ملف المياه مع دول الجوار وإن كل التفاهمات السابقة كانت غير ملزمة لأنها جرت دون توقيع، موضحًا أن العراق لا يمتلك سوى المياه الجوفية التي لا يمكن الاستفادة منها بشكل كبير بسبب المخاطر الصحية وزيادة نسب الملوحة فيها.
ويقع العراق على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، وهو من أكثر الدول هشاشة في العالم لجهة تأثره بالتغير المناخي.
وأصبح العراق خلال السنوات القليلة الماضية من أكثر خمس دول تأثرًا بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70 بالمائة من الأراضي الزراعية، ونزوح سكانها إلى مناطق حضرية للعيش، كما جفت الأهوار وتراجعت مناسيب الأمطار.
ويعاني سكانه من الآثار الكارثية للجفاف وموجات الحر والعواصف الرملية والغبارية، بالإضافة إلى مشكلات تدهور التربة والفيضانات الناجمة عن ارتفاع مستوى البحر وشح المياه.
وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف من تداعيات تزايد نقص المياه وتلوثها والعواقب الوخيمة على العائلات العراقية واقتصاد البلاد.
وذكرت المنظمة أن الفشل في تخفيف مخاطر المياه يمكن أن يسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي والبطالة، ويؤدي في النهاية إلى مشاكل واسعة النطاق في العراق، داعية الحكومة إلى الاعتراف بأولوية إدارة الموارد المائية واتخاذ الإجراءات الصحيحة.
وتابعت أن من المهم للعراق إدارة الموارد المائية المتاحة بشكل أكثر كفاءة وفعالية بما في ذلك طبقات المياه الجوفية والأنهار وكذلك حصاد مياه الأمطار.
ولم تفلح حكومات ما بعد الاحتلال على وضع حلول نهائية لأزمة المياه المتكررة والتي باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويجمع مختصون في مجال البيئة على أن تفاقم أزمة نقص المياه نتيجة لعجز وزارة الموارد المائية عن تقديم الحلول، وغياب الخطط للحيلولة دون استمرار الكارثة.
ويؤكد المختصون على عدم وجود مساع حقيقية وخطة مدروسة من شأنها أن تنقذ ما تبقى من ثروات العراق المائية، فضلًا عن عدم الاستفادة من مياه الأمطار أو خزنها بسبب قلة السدود.
وأشاروا إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تضع خطة خمسية أو عشرية لتجاوز أزمة المياه لأنها تأتي للمنصب من أجل مغانم مادية فقط، ولا تعير أهمية حقيقية للشعب والوطن، لذلك تكون إدارة فاشلة بامتياز همها المحاصصة.

د. نظير عباس الأنصاري: ردود الأفعال الضعيفة بشأن شح المياه في العراق يكشف الجهل بأبعاد هذه القضية على مستقبل البلاد

وقال الأكاديمي والمتخصص في شؤون المياه الدكتور نظير عباس الأنصاري، إن نزوح آلاف السكان باتجاه المدن سيسفر عن مشاكل أمنية واجتماعية واقتصادية والحكومة فشلت باحتواء ومعالجة أزمة المياه.
وأضاف الأنصاري في تصريح لقناة “الرافدين” أن ردود أفعال والمسؤولين واهتمامهم بقضايا نقص المياه غير كافية، بل أن الكثير منهم يجهل أبعاد هذه الأزمة.
وأشار إلى استفادة بعض الجهات المتنفذة من استمرار أزمة شح المياه في العراق بالإضافة إلى غياب الإرادة الحكومية لمعالجة الأزمة وترك البلاد تعيش أقسى مراحل نقص المياه على مدى التاريخ.
ويرى خبير الاستراتيجيات والسياسيات المائية رمضان حمزة، أن موجة الجفاف في العراق تفاقمت لظروف البلاد الحالية المتمثلة في زيادة الكثافة السكانية، وتحكم دول الجوار في مصادر مياه أنهار العراق والتحكم بها، وسوء الإدارة بعد عام 2003 ليتحول العراق من بلد الفائض المائي إلى بلد العوز والفقر المائي.
وشدد على خطورة الوضع المائي الكارثي في العراق، داعيًا إلى وضع البلاد على أجندة العطش والمطالبة باستحقاقاتها المائية والبدء الفوري بتأهيل البنى التحتية والمحافظة على المياه.
ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور أحمد الوائلي، أن عدم توقيع العراق اتفاقية مع دول الجوار لضمان حصته المائية له انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العراقي والأمن الغذائي، حيث سيؤثر سلبًا على حجم المساحات المزروعة مما يزيد من عمليات التصحر وتغيير المناخ وتراجع السياحة خاصة في الأهوار، بالإضافة إلى انحدار الثروة السمكية وقلة الإنتاج الزراعي وزيادة في حجم الواردات وارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة.
وأشار إلى أن الحكومة تمتلك أكثر من ورقة للتفاوض بغية الوصول إلى اتفاق استراتيجي بشأن حجم إطلاقات المياه من خلال تفعيل سياسة عامة وشاملة ترتكز على تفعيل الجانب الاقتصادي والتعاون الأمني في ظل زيادة حجم التبادل الاقتصادي وتفعيل الاستثمار طويل الأمد، ولعب دور سياسي أكبر في العلاقات الدولية والإقليمية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى