أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العمل بالبطاقة الوطنية كمستمسك وحيد يفاقم معاناة مليون عراقي لايملكون أوراقًا ثبوتية

عراقيون لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية يؤكدون صعوبة الحصول على البطاقة الوطنية الموحدة التي سيجري اعتمادها كمستمسك وحيد مطلع شهر آذار القادم وسط مطالبات من منظمات حقوقية لانتشالهم من دوامة المعاناة.

التأميم – الرافدين

تحول إصدار البطاقة الوطنية الموحدة للعراقيين لاسيما من فقدوا أوراقهم الثبويتة في المدن المنكوبة إلى معضلة تؤرقهم جراء الخدمات البائسة في مديريات الجنسية والأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية بعد أن حدد وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عبد الأمير الشمري، مطلع شهر آذار المقبل موعدًا لكي تكون البطاقة الوطنية المستمسك الرسمي الوحيد المعتمد في العراق.
وعبر مواطنون عن غضبهم من الإجراءات الصعبة المتمثلة بالحصول على صورة القيد وغيرها من المتطلبات التعجيزية التي يمكن حلها ببساطة بتوفير الخدمات الإلكترونية وتبادل المعلومات والبيانات بين مؤسسات الدولة في وقت يعاني نحو مليون مواطن من أبناء المدن المنكوبة من عدم وجود أوراق ثبوتية لهم.
وعلى الرغم من اعتماد آلية الحجز الإلكتروني المسبق في بغداد ونينوى وصلاح الدين والأنبار لإدخال البيانات إلا أن هذا الأمر تحول إلى معضلة أخرى بسبب تعطل الرابط وصعوبة الولوج إليه وسيطرة مافيات تتحكم في الحجوزات الإلكترونية مقابل إرهاق كاهل المواطن بتكاليف باهظة.
وسبق أن وجه وزير الداخلية الحالي عبد الأمير الشمري الدوائر المعنية للتهيؤ للأعداد الكبيرة التي سوف تراجع لاستحصال البطاقة، وإعداد خطة لإعادة بناء وتأهيل أبنية الجنسية في المحافظات وفق نموذج موحد بعد أن حددت تاريخ 2024/3/1 موعدًا لاعتماد البطاقة الوطنية المستمسك الرسمي الوحيد، إلا أن هذه الدوائر لم تتمكن من استيعاب الزخم الكبير وسط تساؤلات عن مصير الاستعدادات المسبقة.
وأظهرت صور متداولة من دوائر الأحوال المدنية قي بغداد وعدد من المحافظات اكتظاظ تلك الدوائر بأعداد كبيرة من المراجعين الذين اصطفوا في طوابير طويلة في مشهد غابت فيه أبسط الإجراءات التنظيمية المعتمدة في ترويج المعاملات في الدول المتقدمة.
وتساءل مراجعون عن أسباب استمرار المشاكل في المجال الإداري والفني جراء غياب المعالجة لهذه المشكلات المتجذرة في دوائر الأحوال المدنية التي وصل الحال فيها إلى ما لا يحمد عقباه وبالتالي انعكاسه على الشارع العراقي الذي يغلي باستمرار ويطالب بتحسين الخدمات التي أصبحت حلم كل مواطن عراقي.
وأكد المراجعون أن هذه المديرية ملتزمة بعدم تغيير المنهجية والأسلوب الإداري الكلاسيكي القديم وتجنب التطوير والعمل بأسلوب التحول الرقمي وتقديم الخدمات الإلكترونية للمواطنين بسبب مدرائها وضباطها الجاثمين على المناصب سنين طويلة دون أي انجاز.
وأجمع المراجعون المتذمرون على أن المنهجية الإدارية لا زالت متبعة ذاتها منذ تاسيس هذه المديرية وإلى اليوم وهذا الأمر لايتناسب مع الانفتاح الالكتروني الذي أصبح توجه دول العالم على الرغم من الأموال الطائلة التي صرفت للمديرية.

وزير الداخلية الحالي يحدد آذار القادم موعدًا لاعتماد البطاقة الموحدة كمستمسك وحيد دون إيجاد حل لمن لايملك أوراقًا ثبوتية

وتحول إصدار البطاقة الموحدة التي تتولى مديريات الأحوال المدنية إصدارها إلى أمر مستحيل للعراقيين ممن يعانون بالأصل من عدم وجود أوراقهم الثبوتية لتزيد إجراءات تلك المديريات البيروقراطية من معاناتهم وتفاقمها بعد أن تحول موضوعهم إلى معضلة يصعب فك لغزها لإيجاد حل يخفف من آلامهم.
وتتعدد شهادات هذه الشريحة حيال المعاناة التي لاتقتصر على إصدار البطاقة الموحدة بعد أن وصل الحال بهم إلى عدم المقدرة على تلقي التعليم والعلاج لعدم وجود ما يثبت عراقيتهم.
وتتحدث آلاء الدليمي، وهي نازحة من أهالي قضاء الحويجة في محافظة التأميم، بنبرة من الحزن عن عدم تمكنها من تسجيل ابنتها في المدرسة بداية العام الدراسي الجاري، بسبب فقدانها للمستمسكات الثبوتية (الأوراق والمستندات الثبوتية).
وتقول الدليمي التي اختارت اسمًا مستعارًا لها خشية الملاحقة، إن “المسؤولين في منطقتها حولوا معاملتها إلى المجلس البلدي، والذي حولها بدوره إلى مجلس المحافظة كونها قضية تهم المحافظة بأسرها وليس القضاء فقط”.
وتوضح أن “ابنتها من مواليد عام 2014 لا تمتلك أوراقًا ثبوتية، بعد تعرضها للحرق بسبب العمليات العسكرية مع داعش والأحداث التي رافقتها”.
وليست هذه الحالة الوحيدة التي تم رصدها، بل هناك الآلاف من الحالات المشابهة التي تشكو -بالإضافة لفقدان الأوراق الثبوتية- من ضعف الحالة المادية وتزايد الفقر بسبب النزوح، قبل أن يفقام قرار اعتماد البطاقة الوطنية الموحدة من معاناتهم.
ويؤكد مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون، أن عددًا كبيرًا من العراقيين لا يمتلكون أي أوراق ثبوتية صادرة من الدولة العراقية، مبينا أن “أغلب هؤلاء ولدوا خلال فترة سيطرة داعش على محافظات عراقية”.
ونوه سعدون إلى أن “مجلس القضاء الأعلى حاول تسريع عملية إصدار الأوراق الثبوتية لهم إلا أن أعدادًا ليست بالقليلة ما زالوا لا يملكون أي أوراق ثبوتية وسيحرمون من أبسط حقوقهم كالتعليم والصحة والانتخاب فضلًا عن حقوق أخرى”.
وأشار إلى أن “أشخاصا آخرين تعرضت أوراقهم الثبوتية للحرق أو الضياع أثناء فترة الحرب وأن مجلس القضاء عمل على تسهيل إجراءات منح هؤلاء أوراقا ثبوتية، لكن إجراءات بيروقراطية حكومية تعيق إنهاء هذه المهمة”.
ويقدر مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان أعداد المتضررين من نقص المستمسكات الثبوتية بمليون شخص في العراق، وذلك وفقًا لتقارير أوردتها منظمات دولية.

منظمات حقوق إنسان دولية تحث السلطات الحكومية على تذليل العقبات أمام العراقيين ممن لايمتلكون أوراقًا ثبوتية

وفي وقت سابق أشارت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن “غياب المستندات الرسمية في العراق يعوق الوصول إلى خدمات أساسية مثل التعليم والصحة وإعانات الضمان الاجتماعي، ومن شأنه أيضًا إعاقة حرية التحرك وزيادة خطر التعرّض للتوقيف والاعتقال”.
وقال مسؤول الحماية الاجتماعية في منظمة (LCN) إحدى مشاريع الشراكة مع المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في العراق، زكاء الدين جمال سلمان، إن “الكثير من النازحين العراقيين لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية لعدة أسباب أبرزها التلف أو الحرق أو تركها في المنازل المدمرة”.
وأشار إلى أن “المنظمة لديها مشروع مستمر لتوفير الأوراق والمستندات ودعم قانوني للفئات المتضررة، ضمن مشروع مع الأمم المتحدة بدأ عام 2017، يتضمن توفير محامين بالمجان للمتضررين يتولون مهمة إصدار الأوراق الثبوتية”.
وبين المسؤول في المنظمة الأممية، أن “المنظمة نجحت في توفير الأوراق الثبوتية لأعداد كبيرة لكن لا يزال هناك حاجة للمزيد من الدعم”، منوها إلى أن “البيروقراطية الحكومية تعرقل إصدار المستمسكات للنازحين، كما يتخوف عدد كبير من هؤلاء من العودة إلى مناطقهم بسبب الوضع الأمني وتشابه الأسماء مع مطلوبين للقضاء”.
ولفت سلمان إلى أن “الأطفال الذين ولدوا خلال فترة سيطرة داعش على مساحات شاسعة من العراق لا يمتلك أغلبهم أوراقًا ثبوتية أو حجج ولادة”.
وأوضح أن “هؤلاء بلا أوراق منذ أكثر من 6 سنوات، وهو أمر يعرقل إصدار بطاقات وطنية لهم”.
وكانت المتحدثة باسم “لجنة الإنقاذ الدولية” في العراق جوردان ليسير روي، قد شددت على أهمية عمل المنظمات غير الحكومية مع جميع مستويات المؤسسات الحكومية من أجل تسهيل وتسريع وتيرة إجراءات منح هذه الشريحة الأوراق الثبوتية لاسيما البطاقة الوطنية الموحدة.
وأوضحت المسؤولة الأممية في بيان، أنه “ينبغي الحصول على موافقات من المختار، لكن أيضًا لا بد من تغيير في السياسة العامة”، داعية إلى زيادة في موازنة الإدارة العامة للشؤون المدنية وتكثيف مهام الفرق الجوالة.
وأطلقت السلطات الحكومية في بغداد مشروع البطاقة الوطنية في العام 2015 خلال العمليات العسكرية في المدن المنكوبة لتكون هذه البطاقة بديلة عن المستمسكات القديمة التي كانت معتمدة من قبل النظام السابق وهي: هوية الأحوال المدنية، وشهادة الجنسية، وبطاقة السكن، والبطاقة التموينية.
ووجهت الكثير من الانتقادات للمشروع الذي قالت الحكومة إنه يهدف إلى إعداد قاعدة بيانات مركزية للعراقيين كافة، وإصدار بطاقات وطنية موحدة لهم يتم اعتمادها في ترويج المعاملات بالمؤسسات ودوائر الدولة الرسمية.
وشهد المشروع تلكؤات في بعض الأحيان متمثلة بوقف طباعة واصدار البطاقة بسبب مشاكل فنية وقلة توفير المواد الخام جراء تأخر تسديد المستحقات المالية للشركة المتعاقدة مع وزارة الداخلية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى