أخبار الرافدين
طلعت رميح

أمريكا بين دعم الحوثيين وترويضهم

وجهت القوات الأمريكية في الأيام الأخيرة بعض الضربات ضد مواقع للحوثيين، بعدما قصفوا بعض السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني، لكن ذلك لا يمثل تغييرا في إستراتيجية الولايات المتحدة التي عملت على حماية الحوثيين وفرضهم على الخريطة اليمنية والعربية
والإقليمية. لا تتحرك الولايات المتحدة ضد الحوثيين الآن وفق خطة لتوجيه ضربات إستراتيجية تضعفهم أو تخرجهم من معادلات القوة والسيطرة في اليمن، وبطبيعة الحال لا تستهدف ضرباتها إحداث تدمير لقدراتهم الشاملة، ذلك أن الإستراتيجية الأمريكية تقوم على استمرار دورهم وتمتعهم بدرجة كافية من القوة والسيطرة. فهذا ما يحقق الأهداف الأمريكية.
ما جرى هو عملية ترويض أو تأديب بسبب خروج الحوثيين على ما رسمته الولايات المتحدة لدورهم في اليمن والإقليم ليس أكثر.
تكشف الضربات الأمريكية والبريطانية بطبيعة الحال، العودة للحديث على اعتبار الحوثيين إرهابيين مع منحهم فرصة للعودة إلى مربع الإستراتيجية الأمريكية، مدى نفاق السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن بشكل خاص. فهو من قرر فور دخوله البيت الأبيض رفع اسم الحوثيين من لائحة الإرهاب الأمريكية. وحين كان الحوثيون يقصفون المنشآت النفطية السعودية، كانت الولايات المتحدة تدير وجهها وتكثر أدواتها الإعلامية من الأحاديث حول مديات صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، للإيحاء بأنهم صاروا قوة لا قبل لأحد بمواجهتهم وأن لا حل تكنولوجي يوقف هجماتهم.
لكن الأهم أن محدودية الضربات الأمريكية وفتح الباب أمام الحوثيين لمراجعة مواقفهم لإنهاء إلصاق تهمة الإرهاب بهم، هو أمر كاشف لطبيعة الرؤية الإستراتيجية الأمريكية للحوثيين ودورهم في داخل الإستراتيجية الدولية للولايات المتحدة. مثلهم مثل كل الميليشيات الإيرانية، أو الشركات الأمنية الإيرانية في المنطقة العربية.
لقد مثل الحوثيون الورقة الأهم في إنفاذ الإستراتيجية الأمريكية- البريطانية لتفكيك اليمن، وإنهاء وجوده كدولة عربية، ضمن خطة تفكيك الدول العربية والإسلامية وتشكيل كيانات انقسامية متناحرة في داخل كل دوله وفق ما سمي بالفوضى الخلاقة أو الهالكة.
ووصل الأمر حد منع الولايات المتحدة قوات الشرعية اليمنية –في مرحلة تولي عبد ربه منصور هادي رئاسة اليمن- والتحالف العربي من إنهاء ظاهرتهم في وقت مبكر، وفي بعض الحالات قامت القوات الأمريكية والبريطانية أو التابعون لها، بقصف قوات الشرعية اليمنية المتحركة نحو صنعاء لتحريرها. كما أوقف التحالف الأمريكي البريطاني، تحرك قوات يمنية أخرى للسيطرة على الحديدة، عبر مارتن غريفيثس المبعوث البريطاني الخاص في ثوب المبعوث الأممي- وقد كانت السيطرة على الحديدة كفيلة بتجفيف مصادر تمويل الحوثيين وفتح الطريق واسعًا لوصول القوات اليمنية إلى صنعاء. كانت قوات طارق صالح على بعد أمتار من الحديدة حين قلب المبعوث البريطاني- الأممي الدنيا وحرك مجلس الأمن لمنع السيطرة على الحديدة.
ومثل الحوثيون الورقة الأهم في الإستراتيجية الأمريكية البريطانية لتعميق الدور الإيراني في داخل المجتمعات والدول العربية، بما يحدث تغيير عقائدي وفوضى شاملة وصراعات مستديمة. وهو ذات ما جرى في العراق وسوريا ووفق نفس الطرق والأساليب. ولقد لعبت الولايات المتحدة دورًا كبيرًا وخطيرًا في إيصال السلاح للحوثيين، إذ أغمضت البحرية الأمريكية أعينها عن مرور شحنات السلاح من إيران للحوثيين، وهو أمر صدر بشأنه تقارير أممية وردت فيها إشارات مليئة بالدهشة والاستغراب من سماح القوات البحرية الأمريكية لسفن شحنات السلاح بالمرور، وعدم وقفها والاستيلاء على ما بها. وهو نفس المنهج الذي أعتمد في التعامل مع دعم إيران لميلشياتها في العراق وسوريا.
وكذا، فإن وجود الحوثيين على مداخل البحر الأحمر مناصفة مع قوات طارق صالح، يحقق للولايات المتحدة والغرب تغييرًا إستراتيجيًا في التعامل مع هذا المضيق الحيوي وتلك المنطقة البحرية الحيوية. فالأمر مختلف الآن إذ لم يعد لليمن سيادة حقيقية، إذ لا سلطه شرعية مسيطرة.
وفي الأساس، فإن وجود الحوثيين ودورهم في الصراع مع دول الجوار العربي، مثل ورقة ضغط وإنهاك لتلك الدول وتهديد لأمنها، وهو فتح مساحة للوجود والدور الأمريكي ولتمرير السياسات الأمريكية في المنطقة.
بل يمكن القول، بأن الولايات المتحدة لا تمانع –إستراتيجيًا- من تلميع صورة الحوثيين عبر قصص التضامن مع غزه، هم وكل الميليشيات الإيرانية، كما لا تمانع من الظهور المزيف لتلك الجماعات كجماعات مقاومة أو معارضة للولايات المتحدة، سواء على طريقة اختر من يعارضك ويمكنك إنهاء وجوده متى أردت أو على طريقة التشويش على المقاومات التي تمثل هوية المجتمعات العربية. هذا التلميع لصورة تلك الميليشيات يغير صورتهم أمام الرأي العام ويمنحهم مساحة للتوسع وكسب النفوذ الذي تستفيد منه الولايات المتحدة. وكما هو ملاحظ فإن وسائل الإعلام الأمريكية وتوابعها، هي من تصف تلك الميليشيات بالمقاومة الإسلامية!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى