أخبار الرافدين
داود الفرحان

دولة جنوب إفريقيا… تستغيث باسم شهداء فلسطين

مسلة داود الفرحان: مع أن محكمة العدل الدولية في لاهاي أصدرت قرارات “تاريخية” منذ عام 1946 بعد توقف الحرب العالمية الثانية، وبلغ عددها 141 حكمًا في النزاعات الدولية، فإن كثيرا منها لا يتصف بالعدالة الكاملة، وإنما هي قرارات شبه منصفة وغير ملزمة وتتصف بالحول البصري.
في 29 كانون الأول 2023 رفعت دولة جنوب إفريقيا شكوى أمام المحكمة تتهم فيها “إسرائيل” بارتكاب جرائم إبادة بشرية جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن. واتهمت جنوب إفريقيا، وليست أية دولة عربية، “إسرائيل” بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية. ويتضمن الحكم اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، وعدم قيام الجيش “الإسرائيلي” بأي أعمال إبادة، ومنع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وضمان اتخاذ جميع الإجراءات لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية كالأغذية والأدوية ومياه الشرب والإنقاذ البشري.
والمشكلة المعضلة إن محكمة لاهاي لا تملك آلية لغرض تنفيذ تلك القرارات. كما أن المحكمة تقدم آراءًا استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
وما يؤخذ على هذه المحكمة أن لها وقفات تضامنية مع فلسطين، وأخرى مع “إسرائيل”. وفي هذا الإطار وصفت المحكمة في عام 2004 الجدار “الإسرائيلي” الذي أقامته تل أبيب في كل الأراضي الفلسطينية بأنه جدار مخالف للقانون الدولي، وطالبت “إسرائيل” بإزالته مع تعويض المتضررين من بناء هذا الجدار اللا إنساني وإنهاء الوضع غير القانوني للجدار.
إلا أن إسرائيل لم تلتزم بهذا القرار، خاصة بعد التأييد الأمريكي المستمر للجدار. كما ألزمت المحكمة “إسرائيل” باتخاذ إجراءات لوقف أعمال القتل ضد الفلسطينيين وخاصة في الحماية والأمن.
وفي كل الأحوال وآخر الأعمال ستلجأ الولايات المتحدة إلى حق النقض (الفيتو)، وهي الأسطوانة المفضلة في البيت الأبيض الأمريكي حتى لو وافقت محاكم الدنيا كلها على قرار محكمة لاهاي.
تذكرنا محكمة لاهاي في هولندا ببعض أحكامها بمحكمة عسكرية أقيمت في بغداد في عام 1958 بعد ثورة 14 تموز لمحاكمة رموز النظام الملكي السابق برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي الذي لا يعرف من الأحكام إلا الإعدام مع بعض الاستثناءات.
لكن تلك المحكمة العراقية أكثر احترامًا واحترافًا قياسًا بمحاكم العراق الحالية السياسية والميليشياوية، ولكي نكون منصفين فإن القانون في الوطن العربي عموما “في إجازة” كما يقول المحامون.
ومن طرائف تلك المحكمة العراقية إن جمهورا كبيرا يحضر الجلسات وبينهم شعراء يقاطعون رئيس المحكمة بقصائد وهتافات بتأييد رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم وهو من أقارب رئيس المحكمة.
وبعودة سريعة إلى شعار محكمة العدل الدولية، فإن الشعار تم تقديمه هدية للاحتفال بالذكرى الأربعين لإنشاء الأمم المتحدة، وقد صنع الشعار في الهند من النحاس الأصفر. وتبدو فيه سيدة جالسة رمزا للعدل، وبدلا من سيف العدل تمسك حزمة من الحبوب في تفسير فلسفي. وقد تم تقديم هذا الشعار في عام 1986. ومعروف أن الحبوب الهندية، وفي مقدمتها الرز ، من أشهر الصادرات الهندية، واشتهرت في صادراتها هذه خلال الحرب الروسية – الأوكرانية.
كما يعلم القراء أن هذه المحكمة جهاز رئيسي في منظومة الأمم المتحدة. وتسعى لتسوية المنازعات القانونية الدولية التي تقدمها الدول الأعضاء، وتشكل آراؤهم وأحكامهم مصدرا للقانون الدولي فضلا عن الأحكام المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية.
وتضم هذه المحكمة هيئة مؤلفة من 15 قاضيًا تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات، وهي الجهاز الدولي الرئيسي الوحيد خارج نيويورك، أما الأجهزة الأخرى فهي الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والوصاية ومجلس الأمن والأمانة العامة.
وبالنسبة للدعوى القضائية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا الشجاعة ضد “إسرائيل” في أن العمليات العسكرية “الإسرائيلية” في غزة هي إبادة جماعية تقودها الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض.
وتضم المحكمة الآن 17 عضوا برئاسة سيدة من الولايات المتحدة ونائبًا لرئيس المحكمة من روسيا وأعضاء آخرين من سلوفاكيا وفرنسا وثلاث دول عربية من المغرب ولبنان والصومال، والصين وأوغندا والهند وجامايكا واليابان وألمانيا وأستراليا والبرازيل وقاضيًا من “إسرائيل” كما ورد في معلومات صحفية وزعتها المحكمة.
تحدثت رئيسة المحكمة يوم 26 كانون الثاني الماضي عن الوضع الإنساني في غزة خلال قراءة الحكم الابتدائي بشأن “تدابير طارئة” في دعوى جنوب إفريقيا بشأن الإبادة الجماعية وطالبت باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين في غزة. وطالبت المحكمة “إسرائيل” بالحد من أعمال القتل والتدمير في قطاع غزة لكن دون المطالبة بوقف إطلاق النار.
وأخيرا هل تنال دولة جنوب إفريقيا حقوق الشعب الفلسطيني العادلة من الصهاينة بعد أن لزمت الدول العربية الصمت؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى