أخبار الرافدين
داود الفرحان

اللعبة الأمريكية لم تنته… لكنها تغيرت

مسلة داود الفرحان: مع كل العداء المعلن بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والتهديدات الإيرانية وما بعدها، وما قبلها من تهديدات أمريكية لقصف مواقع إيرانية أو الرد المباشر على مواقع عسكرية أمريكية سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، لم نسمع أو نشاهد عمليات متبادلة بعد قصف السفارة الأمريكية في بغداد عشرات المرات طوال سنوات وهي أكبر سفارة أمريكية في العالم وتقع على ساحل نهر دجلة داخل المنطقة الخضراء، وحتى الحدث الأكبر عند جدران مطار بغداد الدولي في كانون الثاني عام 2020 حين تم إطلاق عملية مخططة ومجسمة لم يسبق لها مثيل وضربت طائرات “درون” أمريكية دون طيارين سيارة تقل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وهو الرجل الأول في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وقد ارتكب جرائم لا حصر لها في كل هذه الدول بالإضافة إلى تماديه في العنف مع المعارضين الإيرانيين داخل إيران نفسها، وخاصة النساء والطلبة وعرب الأحواز. ولن ننسى ترؤسه لاجتماعات عسكرية عراقية في بغداد وسامراء ومدن أخرى.
وقد تبين في تصريح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو انسحب قبل يومين من خطة اغتيال سليماني.
إن العداء الأمريكي – الإيراني فصل ممل في فيلم أمريكي لا نهاية له. ليس ذلك فقط، بل إن “العداء” الإيراني – الإسرائيلي ليس إلا طبق شوربة يدهن البلعوم مرورا بالحشد الشعبي العراقي والفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
كل المناورات منذ عهد محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي الحقيقة قبل البرادعي، منذ عهد السويدي هانز بليكس الذي كان همه طوال عمله التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق كما روجت له الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران وإسرائيل. وخرج بليكس والبرادعي يحيط بهما المفتشون الدوليون “صفر الأيادي”!.
والمضحك المبكي إن المفتشين الدوليين ورؤساءهم دخلوا في سبات عميق مخجل منذ الحرب الأمريكية البريطانية على النظام السابق في العراق في عام 2003 وإلى اليوم دون أي إشارة إلى البحث مجددا عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. بل إن ألسنتهم توقفت عن الهراء والتلفيق، ليس في العراق فقط، وإنما في إيران التي قيل إنها تحتاج إلى 12 يومًا فقط لإنتاج القنبلة الذرية بعد عشر مراحل خطرة مر بها الملف النووي الإيراني. وتم رصد جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83 في المائة أي بخطوات معدودة من نسبة 90 بالمائة الضرورية لإنتاج القنبلة النووية!
اللعبة لم تنته، لكنها تغيرت. ففي يوم 28 كانون الثاني الماضي كشف النقاب عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في هجوم على قاعدة عسكرية على الحدود الأردنية – السورية. ليس هذا فقط وإنما أصيب أيضا أكثر من ثلاثين جنديًا وضابطا أمريكيًا في استهداف القاعدة الأمريكية في الأردن. وتجنبت واشنطن اتهام النظام الإيراني بالعملية ورمتها على ظهر ميليشيات عراقية موالية لإيران. وهذه المرة الأولى التي يرد فيها اسم الأردن في عمليات عسكرية مثل هذه في المنشأة الأمريكية المعروفة باسم (البرج 22) مع خلط الأوراق بين طائرة أمريكية كانت عائدة إلى المنشأة وطائرة معادية… مع الإشارة إلى الحدود الأردنية والسورية والعراقية. وقيل إن الطائرة المعادية كانت من دون طيار وإن التباسًا حدث بين الطائرتين: الصديقة والعدوة.
وكالعادة في هذه الحوادث تم توزيع المسؤولية على الجماعات المسلحة المتطرفة المدعومة من إيران والعاملة في سوريا والعراق.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الطائرة المعادية من غير طيار تم إطلاقها من العراق من ميليشيا تدعمها طهران، ولكن الولايات المتحدة أعلنت إنها “لم تجد أدلة على أن إيران وجهت وأمرت بهذا الهجوم”. لكن المسؤولين الأمريكيين قللوا من احتمالات القيام برد عسكري أمريكي على الأراضي الإيرانية وأن واشنطن “تتجنب التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط” في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية. والحقيقة إن واشنطن غاطسة إلى عنق البيت الأبيض في حرب الإبادة في غزة ورفح ورام الله واللد والرملة والقدس والزيتون ودير البلح وبيت لاهيا وخان يونس، فالصهاينة ليسوا وحدهم قتلة الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى الفلسطينيين. ولولا الأسلحة الأمريكية التي تزود بها واشنطن المجرمين الصهاينة، ولولا الموقف العربي الذي لا أريد وصفه، لكان لنا كلام آخر غنته السيدة فيروز: الآن… الآن… وليس غدا.
ومنذ سنوات دأبت البحرية الإيرانية العسكرية في الخليج العربي على احتجاز سفن وبواخر وناقلات نفط من مختلف الجنسيات، ليس في الخليج العربي فقط، وإنما في باب المندب أيضًا لنقل أسلحة وصواريخ إلى التمرد الحوثي الذي سيطر على اليمن وعاصمتها صنعاء وصادر السلطة هناك.
وفي أعقاب مقتل الأمريكيين الثلاثة لم يتردد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض جون كيربي عن رفض دخول حرب ضد إيران، مكتفيا بوضع مسؤولية الاعتداءات الإيرانية على أكتاف الميليشيات الموالية للمرشد الإيراني سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن وحتى في الأردن الذي يخلو من أي ميليشيات إيرانية أو غيرها.
أمريكا لا تريد حربًا ضد إيران، لكنها تريد حربا ضد فلسطين!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى