أخبار الرافدين
طلعت رميح

أين حركة فتح؟

حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني سنوات طوال وخاضت المعارك من الكرامة في الأردن، إلى قلعة الشقيف في جنوب لبنان إلى حصار بيروت، والتي قدمت قادتها شهداء، أين هي من تلك المعركة الفاصلة الجارية في غزه؟ ومن تلك المجازر التي يرتكبها الجيش الصهيوني؟ بل أين موقفها مما يروج له الغرب بشأن وقوفها في محطة الانتظار حتى انتهاء الصهاينة من جرائمهم، لتفوز بالعودة لحكم غزه المدمرة المهجر أهلها!
لا نتحدث عن موقف السلطة الفلسطينية، فالمعركة الجارية هي الأشد تأثيرا على المستوى الإستراتيجي، وهي المعركة الأشرس في التاريخ الفلسطيني، وليس مفهومًا أن تنقلب الدنيا كلها وتتحرك أطراف من أقصى الأرض إلى أقصاها، وأن تشتعل شوارع العالم، من دون أن يسمع أحد عن دور لحركة فتح!
كما لا يعقل وليس مفهومًا أن يقول أحدهم إن لم يؤخذ رأينا ولن نسمح لأحد أن يجرنا إلى فخ، كما قيل في مرات سابقه، فالحاضر والمستقبل تجري صناعته بدماء لم يعرف لها مثيل حتى في الحروب العالمية، والعالم كله بما، في ذلك الصهاينة، أقروا بانتصار المقاومة.
هل يمكن الاستنتاج من صمت “فتح” طوال أيام معركة امتدت عدة أشهر وذهب ضحيتها عشرت الآلاف بين شهيد وجريح فلسطيني، أن الفصل الأخير من تأريخ سطره قادتها التاريخيين، قد كتب الآن ووقعت الحركة عليه بالإقرار العملي؟
لقد عرف التأريخ ظهور حركات وطنية مقاومة ناضلت وقادت شعوبها سنوات طوال، لكنها انتهت إلى الاصطفاف على جانب الطريق.
وعرف التاريخ ظهور حركات وطنية مقاومة، انتصرت على الاحتلال، وشكلت سلطه سياسية لحكمها، فجاءت نتائج تجربة السلطة انقلابًا على تاريخها وفكرها.
وعرف التاريخ في تجارب أخرى، انقلاب دور حركات وطنية مقاومة إلى النقيض حتى قبل التحرير، فهل تسجل “فتح” سابقة جديدة تحت نفس العنوان؟
هل وصلت حركة “فتح” إلى نهاية مشوارها؟ وهل اكتفت بما تحقق لها من أوسلو التي ثبت أنها كانت خطوة كارثية، أو هل أصبحت حبيسة لها للأبد؟ هل نجح الاحتلال في ترويضها وتدجينها داخل إطار السلطة الفلسطينية، فلا نعود نتحدث عن “فتح” بل عن السلطة؟
هناك من يذهب به التفكير حد القول بأن الدور الذي لعبه الجنرال الأمريكي دايتون في الضفة الغربية، لم يثمر فقط عن إحداث انقلاب في داخل حركة “فتح”، بل هو تمكن من تصفية الكادر المتمسك بالثوابت الوطنية في داخل الحركة. وهناك من يذهب للقول بعبث الحديث عن “فتح”، إذ السلطة صارت بديلا لـ “فتح”، بل أن الحركة صارت مجرد ملحق من ملحقات أجهزة السلطة تحركها متى أرادت أن تبدو في صورة الحركة السياسية.
والبعض يفسر غياب موقف “فتح” في وقت يسيل فيه كل هذا الدم الفلسطيني، بأنه خضوع ناتج عن مأزق أوسلو وتبعاته وأن لا أمل في الخروج من هذا الثوب. وقد عبر إحد القيادات عن تلك الحالة بالقول “ضربنا بحقنة مخدر تسمى أوسلو”!
ألا يخرج أحد من “فتح” ليقول يا قوم، إن عدم مشاركتنا في تلك المعركة الفارقة يعنى أن لا دور ولا مكان لنا في صناعة المستقبل؟ ألا يخرج أحد ليحذر من أن اللعبة الكبرى والخديعة الجارية بشأن حكاية الدولة الفلسطينية، تجعل حركة “فتح” مطالبه دون غيرها بالتحذير منها، بحكم تجربتها في أوسلو وما نتج عنها من كارثة ألمت بالشعب الفلسطيني؟
ألا يجب أن يحدث هذا ولو بمنطق إبراء الذمة؟
وأيضا، ألا يخرج أحد ليقول لكوادر “فتح”، إن الأمريكان والبريطانيين والغرب، يجرون الحركة والسلطة إلى وضع أشد كارثية مما حدث في أوسلو، حين يقولون بأن لا بقاء لمن يهدد الكيان الصهيوني في غزه، وأنهم سيجلبون السلطة الفلسطينية إلى غزه لتحكمها، بعد أن ينهي الجيش الصهيوني عملياته هناك.
ألا يخرج أحد ليقول يا أهل “فتح”، الغرب يروج لفكرة أنكم مجرد قاده “متنطعون” جالسون في انتظار القفز لحكم غزه على أشلاء أبناء وطنكم، وهو يقصد زرع الألغام لكم حتى أن قبلتم بهذا الدور؟ والغرب في ذلك يهين حاضر وماضي “فتح”، حين يتحدث عن خلاف بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني حول أن يحكم الجيش الصهيوني أو تحكم السلطة القطاع، فهو يساوي بين الدورين!
ثم أين منظمة التحرير؟
هل صارت هي الأخرى ملحقًا من ملاحق السلطة، كما هو حال حركة “فتح”؟ وماذا عن موقف التيارات الأخرى؟
ألا يجب أن يخرج تيار من “فتح” ومثله من تلك الحركات المشاركة في منظمة التحرير ليسجلوا مجرد اعتراف بالخطأ ولا نقول ليغيروا المسار الجاري؟
أليس ممكنا، حتى، أن تعلن قيادات من فتح تعيش في الخارج، دعوتها ودعمها لشهداء الأقصى للعب دور مقاوم خارج الأطر التي غرقت فيها فتح؟
ثم أليس ضروريًا حتى بمنطق المصلحة الذاتية للحركة أن يكون لها موقفها مختلفًا؟
أليس ضروريًا حتى بمنطق المصلحة الذاتية للحركة، أن تصدر مجرد بيانات متابعة ودعم –بالكلام- للشعب الفلسطيني في مواجهة ما يتعرض له من حرب إبادة في غزه.
يا الله… هل وصل الأمر إلى هذا الحد؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى