أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

عراقيون يستعيدون ذكرى أكبر عملية قتل على الهوية بعد تفجير المرقدين في سامراء

أثبتت كل الوقائع اللاحقة أن عملية تفجير المرقدين في سامراء تمت بإدارة إيرانية واضحة من أجل تنفيذ مشروعها في الهيمنة على العراق وتأسيس ميليشيات ولائية.

بغداد- الرافدين
يستعيد العراقيون إحدى أكبر جرائم القتل على الهوية في التاريخ العراقي المعاصر في الثاني والعشرين من شباط عام 2006، عند أستهدف “مرقد العسكريين” في سامراء شمال بغداد؛ والذي اتخذته الميليشيات وأحزاب السلطة ذريعة لإطلاق موجة من العنف الطائفي في العراق.
وأثبتت كل الوقائع اللاحقة أن عملية تفجير المرقدين تمت بإدارة إيرانية واضحة من أجل تنفيذ مشروعها في الهيمنة على العراق وتأسيس ميليشيات ولائية.
وعقب التفجير قتل أكثر من مئتي ألف عراقي في عمليات تطهير طائفي استمرت لسنوات، وشهدت المدن العراقية 200 عمل إرهابي استهدف المساجد العراقية في يوم واحد تسبب في قتل عشرة أئمة في مساجدهم وخطف المئات منهم من دون أن يعرف مصيرهم على اليوم.
وسجل العراق في سنة 2006 بعد تفجير المرقدين مقتل 34 ألف عراقي في عمليات القتل على الهوية.
وانفجرت عبوتان ناسفتان داخل الضريح في صباح الأربعاء الثاني والعشرين من شباط عام 2006 زرعها متسللون مع أن الضريح كان بحماية القوات الحكومية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول دورها بالتواطؤ مع المنفذين. وأدى الانفجار إلى هدم القبة بشكل كامل وجزء من الجدار الشمالي للضريح.
وأضطر أكثر من ثلاثين ألف عراقي إلى النزوح من ديارهم بسبب عمليات القتل والتهجير على الهوية التي قامت بها ميليشيات طائفية إثر تفجير المرقد في مدينة سامراء.
وكان في كل يوم تقريبًا يتم اكتشاف ضحايا جدد لهذا العنف الطائفي الذي استهدف السنة، وجثثهم تلقى مبعثرة في أنحاء مدينة بغداد، حيث برز زعماء ميليشيات مرتبطة بجيش المهدي بزعامة مقتدى الصدر آنذاك.
وبسبب هذا العنف هجر نحو 33 ألف شخص منازلهم وفقا لوزارة الهجرة والمهجرين. وكثيرون من هؤلاء جاؤوا من مناطق مختلطة.
لكن المنظمة الدولية للهجرة ومقرها سويسرا قالت آنذاك إن الرقم الفعلي أكبر بكثير، لأن معظم الناس قد انتقلوا للعيش مع أقربائهم أو أصدقائهم.
وكان تصريح الدكتور حارث الضاري الأمين العام الراحل لهيئة علماء المسلمين في العراق قد كشف حقيقة تفجير المرقدين بقوله “المسلسل نفسه يعاد والأخبار الأكيدة أن هدم المرقدين قامت به الحكومة وبنفس الأدوات والأسلوب الفاشل في حلقات التآمر على وحدة وصمود الشعب العراقي”.


تحول موقف الدكتور حارث الضاري في كشف ضلوع المخابرات الإيرانية في تفجير قبة الإمامين العسكريين إلى مثال وطني نادر بين العراقيين والعرب في الوقوف بوجه التدخلات الإيرانية
وتساءل الدكتور الضاري في حوار تلفزيوني حينها “المرقدان موجودان في سامراء منذ عقود لماذا لم يحدث ما حدث إلا عندما أرادت الحكومة تمرير مخططها الطائفي”.
وتداول العراقيون والعرب فيديو للدكتور حارث الضاري يرد فيه على مزاعم محمد علي تسخيري الذي كان يرأس ما يسمى “المجمع الإيراني للتقريب بين المذاهب” في مؤتمر جمعهما في القاهرة آنذاك.
وأكد الدكتور الضاري في مواجهة تسخيري ضلوع المخابرات الإيرانية في تفجير قبة الإمامين العسكريين في سامراء وإشعال الفتنة الطائفية في العراق، الأمر الذي أرغم تسخيري على الإذعان والصمت.
وتحول موقف الدكتور الضاري حينها إلى مثال وطني نادر بين العراقيين والعرب في الوقوف بوجه التدخلات الإيرانية. ولا زال إلى اليوم يعاد استذكار هذا الموقف باعتباره محرضًا على منع سياسة الهيمنة الإيرانية على المنطقة.
وشهدت مدينة سامراء بعد حادث التفجير أكبر عملية تغيير ديموغرافي في تاريخها المعاصر عندما استولى الوقف الشيعي على عقارات المدينة ومساجدها.
وكانت دراسة مطولة أصدرها معهد “تشاتام هاوس” في لندن عن “افتراس التراث الثقافي في العراق: الاستملاك الطائفي لماضي العراق” قد ذكرت أن المنطقة المحيطة بالمسجد العسكري مهملة.
وأكدت الدراسة، أن البيئة المعمارية ذات الأهمية التاريخية في وسط سامراء بدأت بالتحول التدريجي من قبل الوقف الشيعي، ويجري هدم عشرات المباني وغيرها من المواقع التراثية التي تعود إلى الحقبة العثمانية، إضافة إلى تشريد عشرات الآلاف من الأسر السنية بعد سيطرة ميليشيا “سرايا السلام”، ما جعل الحياة الثقافية لسامراء أقل تنوعًا.
وأشارت الدراسة، التي كتبها نخبة من الباحثين في المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” إلى إغلاق “الجامع الكبير” وهو مسجد يديره الوقف السني ومطالبة الوقف الشيعي به كواحد من جوامعه.
وبينت أن استغلال الوقف للموارد الثقافية والدينية للمدينة، واتجاهه لأعمال البنية التحتية داخل المنطقة المسيجة، أدى إلى تغيير جوهري في طابع واحدة من أهم المدن العراقية. كما جرت تطورات مماثلة أيضًا في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد.
واستولى الوقف الشيعي على مركز المدينة التاريخي في سامراء، بما في ذلك أصول الدولة المملوكة للسلطات المركزية وسلطات المحافظات، ما أدى إلى تغيير ديموغرافي في سامراء.
وسبق أن حذرت هيئة علماء المسلمين في العراق من هذا الاستيلاء بمشاركة ميليشيات “سرايا السلام” وديوان الوقف الشيعي، مؤكدة على أنها خطوة أخرى خطيرة في مشروع الاستيلاء الممنهج على الأوقاف الإسلامية في العراق، وفرض الوصاية الطائفية بسطوة القوة العسكرية.
وأوضحت الهيئة، في بيان لها، أن ديوان الوقف الشيعي مارس بسطوة الميليشيات وأجهزة الأمن الحكومية حملة استيلاء على عقارات أبناء المناطق الغربية من سامراء المحيطة بالمرقد والجامع والمدرسة، سواء بوضع اليد عليها دون وجه حق أو بفرض البيع على مالكيها تحت طائلة التهديد والاعتقال، وفي بعض الأحيان بالإغراءات مقابل مبالغ مالية خيالية.

تشاتام هاوس: افتراس التراث الثقافي في العراق يتجسد بوضوح وسط سامراء بعد سيطرة الوقف الشيعي وهدم عشرات المباني والمواقع التراثية وتشريد عشرات الآلاف من الأسر السنية بعد سيطرة ميليشيا “سرايا السلام”

وشددت الهيئة على أن مجاورة الجامع الكبير والمدرسة العلمية للمرقد، لا تعطي حقًا للعتبة ولا لغيرها في الاستحواذ عليهما تحت ذريعة الإعمار، وأن ديوان الوقف السني هو المسؤول عنهما، وهو أيضًا المسؤول في المقام الأول عن التفريط بحمايتهما، ولا سيما وأن له سوابق في التخاذل عن القيام بمهامه، ومنها تسليمه نظيره الشيعي المرقد دون قيد أو شرط ونقل ملكيته إليه بعد أحداث سنة 2006.
ولفتت الهيئة، إلى أن المسؤولية يشارك في تحمّلها من يسمّون بالسياسيين “السنّة” الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا أوراقًا على طاولة العملية السياسية تتلاعب بها الأيدي كيفما شاءت.
ودعت الهيئة علماء العراق عامة وعلماء سامراء خاصة، والعراقيين جميعًا والسامرائيين على وجه الخصوص، للقيام بما يوجب عليهم دينهم الحنيف، وبما تقتضيه مروءتهم في الدفاع عن تاريخ هذه المدينة الصابرة المجيد، وحاضرها ومستقبلها المهددين على حد سواء.
ورفض علماء وشيوخ عشائر سامراء محاولات الاستيلاء على الجامع الكبير والمدرسة العلمية في المدينة مؤكدين أنها خطوة ومحاولة لإشعال الفتنة الطائفية في البلاد.
وحذروا من مغبة السكوت على تلك المحاولات التي تستهدف مساجد السنة، داعين السلطات إلى التدخل العاجل ووقف تلك الممارسات من أجل تجنب التصعيد الطائفي التي تحاول بعض الجهات إثارته في المدينة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى