أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

ضباط متنفذون يديرون جرائم تجريف أراضي زراعية في البصرة

عمليات التجريف الممنهجة والتصحر تتسبب بانخفاض معدل الزراعة في محافظة البصرة بنسبة 80 بالمائة قياسًا عما كانت عليه قبل سنوات.

البصرة – الرافدين
أقرّت هيئة النزاهة بارتكاب عدد من الأشخاص جرائم تجريف الأراضي الزراعية لصالح جهات متنفذة في محافظة البصرة .
وقالت الهيئة إن 41 شخصًا يقومون بتجريف الأراضي الزراعية لصالح جهات متنفذة في وزارة الداخلية الحالية، دون استحصال الموافقات والإجازات الرسمية، فيما لم تعلن الهيئة أسماء الأشخاص الذين يمارسون عمليات التجريف والمسؤولين عنها.
وكشف فريق التحري والتقصي التابع لهيئة النزاهة أن المتهمين بتجريف الأراضي يعملون لصالح مجموعة من الضباط الحكوميين.
وتؤكّد تقارير دولية ومحلية، أنّ الأعداد التي تعلن عنها الهيئة لا تمثل النسبة الحقيقية لجرائم الفساد المستشري في العراق.
وتستغل الأحزاب السياسية سطوتها وسلاح الميليشيات للاستيلاء على مساحات كبيرة من البساتين وتحويلها إلى أراض سكنية أو مشاريع صناعية في عمليات غسيل أموال مكشوفة ومن غير مساءلة قانونية.
وأجمع عدد من المراقبين على أن عمليات التجريف ترتبط بجرائم غسيل الأموال، التي تتورط فيها أحزاب السلطة وميليشياتها، لافتين أن المساحات الزراعية باتت ضحية جديدة لتلك الجرائم التي يتبعها السماسرة من أجل تبييض الأموال المسروقة.
وتشهد محافظة البصرة جنوبي العراق، أزمة زراعية حادة ضربت جميع مناطقها بعدما كانت ضمن قائمة المحافظات الزراعية التي كانت تغذي جميع مناطق العراق بعدد من المحاصيل وأبرزها التمور والقمح.
وبحسب مختصين، فقد انخفض معدل الزراعة في المحافظة بنسبة 80 بالمائة قياسًا عما كانت عليه قبل سنوات، جراء الجفاف والتصحر وارتفاع نسبة الملوحة في مياه شط العرب، فضلاً عن عمليات التجريف الممنهج التي طالت الأراضي الزراعية، وساهم انتشار الفقر وتدهور الأحوال الاقتصادية إلى هجرة أعداد كبيرة من المزارعين.
وأوضحوا، أن المحافظة التي كانت تضم أكثر من 30 مليون نخلة، وبحدود عشرة آلاف مزرعة طماطم ومساحات شاسعة من المحاصيل الاستراتيجية كالحنطة والشعير إضافة إلى الخضروات والحناء والكروم، أصبحت الآن تستورد الخضروات والحبوب والتمور من دول الجوار.
وكانت محافظة البصرة تضم أكثر من 24 ألف مزرعة لمختلف المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من بساتين النخيل، إلا أن مجموع المزارع الحالية في المحافظة لا يتجاوز عددها 3 آلاف مزرعة، وخرجت بحدود 9 آلاف مزرعة عن الخدمة الزراعية، بسبب الاتساع الكبير في رقعة الجفاف والتصحر.
وأشار النائب هيثم الزركاني إلى غياب الدعم الحكومي للفلاحين، وأن الحكومة لم تقدم الدعم اللازم من أسمدة وبذور ووقود وأغطية بلاستيكية، مؤكدًا فشل خطط وزارة الزراعة والموارد المائية في مواجهة الأزمة الكبيرة التي تعاني منها محافظة البصرة.
بدوره قال أمين سر اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة البصرة، توفيق علي، إن “قطاع الزراعة العراقي يعاني من مشكلة تجريف الأراضي والبساتين، وتعتبر محافظة البصرة من أكثر المناطق تضررًا من هذا التجريف”.
وأكد على وجود عمليات تجريف ممنهجة تستهدف الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء، بسبب التوسع السكاني وعدم معالجة مشكلة السكن في العراق من قبل الدولة، فضلاً عن زحف السكان من المدن نحو القرى والبساتين.
وأضاف أن التجريف أثر بشكل مباشر في مستويات المحاصيل الزراعية وإنتاج التمور، كما تأثرت بساتين النخيل ومزارع الحنّاء والحمضيات، حيث تعرضت هذه الثروة الوطنية لتهديد مباشر بفعل عمليات التجريف.
وبيّن أن هناك نوعين من التجريف؛ يتمثل الأول بالأراضي والبساتين المملوكة لوزارة المالية وحق تصرف الأفراد، أضيفت إلى التصميم الأساسي للمدن وفق قرار مجلس الوزراء العراقي، الذي يقتضي تحويل جنس الأرض من الزراعي إلى السكني.
وأشار إلى أن النوع الثاني من التجريف، والذي يهدد المساحات الزراعية الخضراء يتمثل بالأراضي الزراعية الواقعة خارج التصميم الأساسي للمدن، حيث تحولت إلى أراض جرداء ومجمعات سكنية بمئات الدونمات.

انحسار الأراضي الزراعي في العراق بشكل خطير بسبب الجفاف وعمليات التجريف

وطالب عدد من مواطني قضاء شط العرب في محافظة البصرة، بوقف تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى أراض سكنية.
وقال المزارع ناصر كريم إن “عشرات المزارع في قضاء شط العرب جرى تجريفها وتحويلها إلى أراض سكنية مع غياب الرقابة الحكومية”.
وأضاف أن “هذه الأعمال تسببت بشكل كبير في تدمير الزراعة التي تتمثل ببساتين النخيل والخضروات الموسمية في هذه المناطق واحدثت حالة من العشوائية في بناء البيوت وفتح الشوارع”.
من جانبه ذكر علي سعدون، وهو صحاب مكتب عقارات في قضاء شط العرب بالبصرة، أن “الكثير من المواطنين يفضلون شراء الأراضي الزراعية لبناء بيوتهم فيها بسبب رخص أسعارها قياسا بأسعار العقارات في مدينة البصرة”.
وأضاف أن “هذه الظاهرة بدأت منذ الاحتلال عام 2003 لكنها توسعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة”.
وكانت وزارة الزراعة الحالية قد كشفت أنّ البلد خسر أكثر من 82 ألف دونم زراعي حتى الآن، بسبب عمليات التجريف التي وصفتها بأنها “ممنهجة” تستهدف البساتين والأراضي الزراعية، مما يزيد من معدلات التصحر وانحسار الزراعة بشكل خطير، بالإضافة إلى التحذيرات من المخاطر البيئية التي تهدد حياة السكان.
وفي العاصمة بغداد يستمر متنفذون بالتجاوز على الأراضي الزراعية وتجريفها وتحويلها إلى أراض سكنية ولا سيما في منطقة الدورة جنوبي بغداد.
ونشر مواطنون عبر منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر عمليات تجريف للأراضي من قبل متنفذين وبدعم من الجيش الحكومي وذلك من أجل تحويلها إلى استثمارات خاصة.
وانتقد عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، محمد راضي الزيادي، العمليات الممنهجة لتجريف المساحات الخضراء التي تحدث في العاصمة بغداد، محملاً الجهات المعنية، ومنها وزارة الإعمار والإسكان، تداعيات هذه الخطوة على البيئة والتخطيط العمراني.
وقال الزيادي إن “تحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية يؤدي إلى تدمير التصميم الأساس للعاصمة، كما أن الجهة المسؤولة عن إعطاء هذه الإجازات القطاعية، مثل وزارة البلديات والإسكان والإعمار، تتحمل تداعيات هذا الملف”.
وفي كربلاء لا يختلف الحال عن باقي محافظات العراق التي تتعرض أراضيها الزراعية على حملات تجريف وتدمير.
وقال قائممقام كربلاء حسين المنكوشي إن “متنفذين يقومون بشراء الأراضي الزراعية ومن ثم تجريفها”، مشيرًا إلى أن “الفاسدين والمال السياسي يقف وراء تجريف نصف أراضي كربلاء الزراعية وتحويلها إلى أحياء سكنية عشوائية”.
ونوه المنكوشي إلى أن “تجريف مساحات واسعة من البساتين والأراضي الزراعية كأن تكون مساحاتها 30 الف دونم، أصبح أمرًا طبيعيًا، حيث يتم تفتيتها على مرأى ومسمع السلطات، وهو ما أسفر عن انخفاض مساحة الأراضي الزراعية في كربلاء إلى النصف، وأصبحت عبارة عن أحياء سكنية متجاوزة”.
ويأتي ذلك كله في ظرف اقتصادي صعب يعيشه أغلب العراقيين وارتفاع أسعار الخضار والمواد الغذائية والتي أصبحت أكثرها تستورد من الخارج بعد أندثار الأراضي الزراعية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى