أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

انتعاش تجارة السلاح وارتفاع أسعاره بعد إعلان الحكومة حملة لشراء الأسلحة من العراقيين

خبراء أمنيون وقانونيون يقللون من أهمية حملة تقنين السلاح التي تزعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تنفيذها دون إجراءات حازمة على الصعيد التشريعي والتنفيذي تطال من يتحكم بالسلاح دون استثناء.

بغداد – الرافدين

شككت أوساط سياسية وأمنية بجدوى حملة حصر السلاح بيد الدولة وفق برنامج يعتمد شراء الأسلحة المتوسطة والثقيلة من المواطنين بعد رصد وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي نحو 16 مليار دينار عراقي بواقع مليار دينار لكل محافظة.
وقال متابعون للشأن العراقي وخبراء في الأمن إن هذه الحملة ولدت ميتة قبل شروع الحكومة بتنفيذها بعد اعتمادها على المال كحافز لجمع السلاح في ظل استثناء الميليشيات والأحزاب والعشائر منها.
ولا توجد إحصاءات رسمية لعدد الأسلحة غير المرخصة في العراق ولكن التقديرات تشير إلى أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف بما يعادل امتلاك نحو 25 بالمائة من العراقيين لقطعة سلاح خفيف أو متوسط وهو معدل مرتفع بالنسبة لعدد السكان البالغ عددهم زهاء 43 مليون نسمة.
وتمتلك غالبية هذه الأسلحة الميليشيات في البلاد، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الاحتلال عام 2003، واضطرارهم للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.
وعلى الرغم من أن الجهات الحكومية لم تعلن رسميًا، حتى الآن، أسعار شراء السلاح من المواطنين، إلا أن تصريحات لمسؤولين في وزارة الداخلية حول الأسعار المتوقعة للأسلحة، فتحت شهيّة بعض “المضاربين”، لإيجاد فرصة ربح جديدة، حيث تشير المعلومات والتقارير إلى ارتفاع أسعار السلاح في الأسواق.
ففي هذا السياق قال مسؤول أمني، إن وزارة الداخلية ستشتري بندقية “كلاشنكوف” مثلًا بمليون دينار، ما يعني جمع نحو ألف قطعة منها فقط، من كل محافظة خصصت لها سلفًا مليار دينار.
وأشار المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه في تصريح صحفي إلى أن قائمة الأسعار التي تعدها وزارة الداخلية ستكون كافية لشراء 16 ألف قطعة كلاشنكوف فقط من المحافظات المستهدفة التي خصص لها 16 مليار دينار.
وتابع “هذا العدد ضئيل للغاية قياسًا بالرقم الذي تسعى إلى جمعه وزارة الداخلية والذي يصل إلى نحو 10 ملايين قطعة سلاح في عموم البلاد”.
وساهمت هذه المعلومات المتداولة بارتفاع قيمة بندقية “كلاشنكوف” الأكثر رواجًا بين العراقيين، بنحو 20 بالمائة من قيمتها في السوق، فيما ستكون قيمة الأسلحة المتوسطة والثقيلة الضعف تقريبًا نظرًا لخطورتها وسعيًا لترغيب المواطنين بعدم بيعها للحكومة”.

قفزة في أسعار الأسلحة المتوسطة والخفيفة بعد الإعلان عن برنامج حكومي يعتمد تقديم المال مقابل تسليم السلاح

وتعزو مصادر مطلعة النشاط المتزايد للطلب على السلاح وشرائه إلى الاعتقاد المسبق أن الدولة ستدفع أموالًا “مغرية” لشراء السلاح لتشجع المواطنين بالتخلي عن سلاحهم، حيث من الطبيعي أن التسعيرة للسلاح ستكون أكثر من ضعف ما موجود بأسعار السوق، لكي يتم إغراء وتشجيع المواطنين على بيع سلاحهم”.
وتشير المصادر إلى أن المتاجرين والمضاربين يخططون إلى شراء السلاح من السوق بسعره الحالي، ومن ثم إعادة بيعه بسعره المضاعف الى وزارة الداخلية لتحقيق الأرباح.
وتخلص المصادر بالقول إن “هذا الاجراء، يتم حتى على صعيد ملف شراء الحنطة، فالأسعار المرتفعة التي تخصصها وتدفعها الدولة لشراء الحنطة من الفلاحين على سبيل المثال وبأسعار أكثر من الأسعار العالمية، تدفع المضاربين والمتاجرين الى جلب الحنطة من الخارج بأسعار زهيدة وبيعها الى الدولة بسعر مضاعف”.
وتساءل متابعون للشأن السياسي عن جدية الحكومة في تنفيذ هذا المشروع الذي يعد نسخة مكررة من مشاريع سابقة كان مصيرها الفشل طوال عشرين عامًا خلت.
وقال الكاتب بركات علي حمودي إن “هناك من يرى أن المبادرة ليست سوى حركة لإلهاء الناس عن مشاكل البلاد السياسية الرئيسة ولترويج وجود منجز سياسي للحكومة الحالية، أو حتى محاولة هزيلة لإعادة سيناريوهات سابقة عايشها الشعب العراقي”.
وأضاف حمودي “هذه المبادرات السابقة لم تصل إلى نتائج ملموسة فعلًا في وقتها كما حدث في أعوام 2004 و 2005 عندما حاولت حكومة إياد علاوي بالتعاون مع قوات الاحتلال الأمريكي شراء السلاح من أفراد جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر”.
وأشار الكاتب إلى “إمكانية استغلال عصابات غسيل الأموال الخارجة عن القانون، والتي تورطت في سرقة الأموال العامة، فرصة هذه المبادرة لتعزيز تأمين أموالها من خلال شراء الأسلحة من مصادر مختلفة، بما في ذلك من الخارج، ثم بيعها للدولة العراقية بفواتير رسمية ويكون بذلك قد تمكنت من غسل أموالها بشكل رسمي”
وأضاف “يُطبّق السيناريو ذاته على شبهات التهريب العكسي للأسلحة الرخيصة داخل العراق، حيث تُباع كأسلحة شخصية مقابل أموال تحقق أرباحًا، ما يُعتبر من مهام عصابات التهريب التي تستخدم كافة الوسائل الممكنة لتحقيق مكاسب مالية بطرق ملتوية.
وفي ظل الحديث عن السلاح المنفلت وإمكانية تقنينه يتبادر إلى الذهن، وفق مصادر برلمانية، سؤال عن “مصير سلاح الميليشيات أوالسلاح الحزبي الذي يتواجد في العراق بشكل شبه رسمي، ويمكن استخدامه خدمةً لأجنداتٍ حزبية وطائفية كما حصل إبان الحرب الطائفية وثورة تشرين حينما وجه سلاح تلك الميليشيات إلى صدور العراقيين”.
ويجيب النائب سجاد سالم، عن هذا السؤال بالقول إن، حملات الحكومة لحصر السلاح المنفلت، يمكن وصفها بـ “غير المجدية”.
وأضاف سالم، أن “الوعود الحكومية بشأن السيطرة على السلاح المنفلت ما زالت مجرد وعود ولا تطبيق لها على أرض الواقع، والسلاح لا يزال يصول ويجول في مدن العراق المختلفة، دون رادع حقيقي”.
وتابع أن “حصر السلاح المنفلت يطلب تطبيق القانون بقوة الدولة بعيدًا عن أي ضغوطات سياسية أو خارجية، خاصة أن هذا السلاح يهدد الدولة العراقية، ولهذا يجب الحد منه عبر خطوات حقيقية وعملية وليس عبر الوعود والقرارات التي تبقى حبرًا على ورق ولا تنفيذ حقيقي لها”.
ويتفق مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محيي عبد الحميد مع ما ذهب إليه النائب سجاد سالم حول عدم قدرة الحكومة على حصر السلاح، فيما أشار إلى أن بعض الجهات يصعب نزع سلاحها”.
وقال عبد الحميد إن “المواطن يتمكن بسهولة من أن يخفي سلاحه من أنظار الدولة، إذ كان يخفيه من فترة طويلة منذ دخول الأمركيين وتفتيش منازل العراقيين، كون أن عملية التفتيش تتم باستخدام العين المجردة، ولا يتم استخدام وسائل التفتيش العلمية والفنية”.
ولفت إلى أن “إجازات حمل السلاح تباع، ويتم إعطاء استثناءات عديدة تدخل بها المحسوبيات من دون تطبيق الشروط الواجبة على هذه الشخصيات، حتى إنه تم منح إجازات حمل السلاح للنساء لغرض التباهي”.
وأكد أنه من الصعب نزع السلاح من العشائر كونه غير موجود في المدن، وأحيانًا القوى الأمنية لا تستطيع الوصول إلى تلك الأماكن، فكيف سيتم التعامل مع الأحزاب التي تملك أسلحة، لا سيما أن البعض استولى عليها إبان الحرب مع “داعش”.

دعوات لتغيير مواد قانونية أباحت حيازة السلاح والمتاجرة به للحد من ظاهرة انتشار السلاح في العراق

وتنص المادة 15 من قانون الأسلحة رقم 2 لعام 2022 على أنه يُعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات، وغرامة مالية قدرها مليونان إلى خمسة ملايين دينار كل من يُقبض عليه وهو يحمل سلاحا غير مرخص أو ذخيرة غير مرخصة (أي الرصاص) فضلًا عن مصادرة السلاح.
وتشكك مصادر حقوقية بجدوى برامج حصر السلاح بيد الدولة دون العودة للمواد القانونية التي أجازت حيازة السلاح والمتاجرة به.
ويرى المتخصص في الشأن القانوني علي التميمي أن قانون الأسلحة العراقي رقم 51 لسنة 2017 أجاز بيع الأسلحة في المتاجر، ولم يتشدد في عقوبة الحيازة، فيما أشار إلى أن القانون يحتاج إلى تعديل.
وأوضح التميمي أن “قانون الأسلحة النارية أجاز بيع السلاح بالمتاجر والأسواق العامة، وهذا يخالف القيم والأعراف الموجودة في المجتمع العراقي، لكون بغداد ليست إحدى المدن الأمريكية”.
وبين أن “العقوبة في القانون القديم لسنة 1993 كانت تعد حيازة السلاح جناية، لكن اليوم تحولت إلى جنحة”.
وأشار التميمي إلى أن هذا الأمر أدى إلى “غياب الردع في العقوبات والقانون أحدث هذه المشكلات في العراق”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى