أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

عصابات الاتجار بالبشر تستغل ضعف الحكومة في إغراق العراق بالمتسولين

عصابات التسول تستغل الزيارات الدينية في استقدام أعداد كبيرة من المتسولين من جنسيات أخرى وسط مخاوف من انخراط هؤلاء بأعمال غير قانونية تمس أمن البلد المثقل بالأزمات.

بغداد – الرافدين

حذرت أوساط اجتماعية وقانونية وأمنية من تبعات ظاهرة التسول الآخذة بالاتساع على المجتمع العراقي بعد انخراط عصابات الاتجار بالبشر فيها وتقاعس السلطات الحكومية عن وضع حد لأسبابها.
واتخذت ظاهرة التسول في العراق منحنى خطيرًا، بعدما انتشرت جماعات المتسولين في الطرقات والتقاطعات والأماكن العامة والمؤسسات الحكومية وقرب الجوامع والمراقد الدينية، بعد أن امتهنت جنسيات أخرى من غير العراقيين هذه الظاهرة.
ولا تمتلك السلطات الحكومية أرقامًا دقيقة عن أعداد المتسولين إلا أن الظاهرة باتت مصدر قلق للعراقيين بعد تدفق أعداد كبيرة من المتسولين بشكل ممنهج عبر عمليات تهريب تنفذها مافيات الاتجار بالبشر.
وفي هذا السياق كشف مسؤول حكومي أن “هؤلاء المتسولين يصلون إلى العراق عن طريق التهريب، أو مع أفواج الزوّار خلال إحياء المناسبات الدينية في البلاد، ومعظمهم من جنسيات آسيوية”.
وأضاف المسؤول الذي تحفظ على هويته، أنّ “مجموعات منظّمة من العصابات داخل العراق تستقطب هؤلاء المتسوّلين، بل إنّها تتواصل معهم وهم في الخارج، ثمّ يوزَّعون في منازل متفرّقة عند وصولهم إلى العراق ونشرهم في المحافظات”.
ولفت إلى أنّ “من بين هؤلاء من هم من الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذه الحالة خطرة إذ إنّها لا تشمل التسوّل فقط بل الاتّجار بالبشر كذلك”.
ويرى باحثون وكتاب، أن ظاهرة التسول في بغداد مهنة تجارية تقف خلفها أحزاب ومافيات للكسب غير المشروع في ظل تواطؤ حكومي ساهم بانتشار الظاهرة ووفر البيئة الخصبة لها مقابل إتاوات وحصة يومية من الأموال المكتسبة.
ويؤكد الكاتب سمير داود حنوش أن “القانون العراقي رفع الراية البيضاء أمام جيوش المتسولين من العرب والأجانب، وهم يجوبون شوارع بغداد لأغراض تثير الشك والريبة من الأعداد التي تغزو شوارع بغداد، وما تعنيه هذه الظاهرة من عناوين لدى الأجهزة الأمنية، يكون أولها لأغراض تجسّسية أو تخريبية معادية لأمن البلد”.
وأضاف حنوش أن “الأمر لا يخلو من مساهمة أيادٍ خبيثة خفية، قد تكون سياسية أو عصابات الجريمة المنظمة في الترويج وتسهيل اكتساح هؤلاء المتسولين لشوارع بغداد، خصوصًا ما يُشاع عن محاولات ابتزاز يتعرض لها هؤلاء من قبل جهات أو واجهات لأحزاب سياسية، وإدخالهم إلى العراق بطرق غير شرعية تتعلق ببقائهم بشكل غير قانوني في البلد مقابل العمل في مهنة الاستجداء”.
وتابع “تحتفظ وزارات وجهات حكومية بتقارير في أدراج مكاتبها، تؤكد أن هؤلاء المتسولين يتم استغلالهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر وعمليات السرقة، إضافة إلى الترويج للانحلال الأخلاقي للبعض مما يهدد النسيج الاجتماعي للأسر العراقية”.
وتساءل الكاتب “هل هي من أعراض السياسة الفاشلة للبلد أم من أزمات هذا البلد المنكوب، أو هو تواطؤ سياسي مع عصابات للتدمير الأخلاقي المقصود للمجتمع العراقي؟”.

عصابات الاتجار بالبشر تستغل مواسم الزيارة الدينية في جذب متسولين من جنسيات مختلفة وتوزيعهم في المدن العراقية

وتواجه الحكومات المتعاقبة انتقادات حقوقية حادة بسبب تقصيرها في متابعة ملفّ التسوّل، وتقاعسها عن تعديل القوانين القاصرة لتجفيف منابع هذه الظاهرة والحد من آثارها الخطيرة.
ويستعرض الخبير القانوني، علي التميمي، المواد القانونية لعقوبة تجنيد الأطفال لأغراض التسول وقانون مكافحة الاتجار الذي جاء فيه “يعاقب قانون العقوبات في المواد 390. 391. 392 منه بالحبس البسيط والغرامات على التسوّل أو الإيداع في دور الدولة في حالة التكرار”.
وأشار التميمي إلى أنه “عند التمعن في نص المواد أعلاه تجدها تجيز التسوّل لمن لا عمل له، هكذا يفهم النص”،
وتابع “لست مع العقوبات، لكن عند إيجاد البدائل يمكن إيقاع العقاب”.
وأضاف الخبير القانوني، أن “قانون الاتجار بالبشر 28 لسنة 2018، عاقب بالحبس إلى الإعدام والغرامات من 5 إلى 10 ملايين دينار على الاتجار بالبشر”.
وعن إمكانية اعتبار تجنيد الصغار والاستجداء بهم جريمة اتجار بالبشر قال إنه “يتفق مع ذلك لأنها تجارة بأدوات صغيرة غير قابلة لاتخاذ القرار، وهو قتل لمستقبلهم، وهذ الأمر لو طبق لأنهى الكثير من مافيات التسوّل”.
وأشار إلى أن “قانون رعاية الأحداث العراقي 76 صدر عام 1983، وهو يحتاج إلى تعديل بهذا الجانب لمعالجة مشكلة الطفولة التي تحتضر في العراق وأن تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر يحتاج الى جهد استخباري عالي وتعاون مجتمعي وتفعيل البلاغات، ويحتاج إلى تعديل بهذا الجانب”.
وفي المقابل تنفذ السلطات الحكومية حملات أمنية بين الحين والآخر في محاولة للسيطرة على هذه الظاهرة إلا أن ضباط شرطة يؤكدون أن جذور الظاهرة لايمكن القضاء عليها بالقوة فقط كونها على صلة بظواهر أخرى كالفقر الذي بات يشمل الملايين من العراقيين ومازالت خارطته تتسع وما يعاني منه المجتمع العراقي من التفكك الأسري والانحلال الأخلاقي وتعاطي المخدرات نتيجة للسياسات العشوائية والفساد والفوضى التي تعم العراق منذ عام  2003 وحتى اليوم.
ويرى الضابط بارق الجنابي أن “عصابات التسول تستقطب القاصرين، وتقوم بتوجيههم إلى الشوارع، فضلا عن تأجير عائلات لأبنائها لهذه العصابات من أجل الحصول على الأموال بطريقة شهرية، مثل الرواتب”.
وبين الجنابي أن “التحقيقات الأولية في مراكز الشرطة كشفت عن معلومات وقصص مخيفة عن الوضع الاجتماعي للمتسولين، ومنها الظواهر الأخلاقية السلبية، إضافة إلى التعاطي والمتاجرة بالمخدرات، وكذلك حالات لجرائم الاتجار بالأعضاء البشرية”.
وبخصوص آلية التعامل مع المتسولين، أوضح ضابط الشرطة في العاصمة بغداد “عبر إيداعهم أولًا في مراكز الشرطة، وتوقيفهم ثم تحويلهم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أو تحويلهم مباشرة إلى القضاء، وعادة ما يجرى تكفيلهم وأخذ التعهدات منهم بعدم التسول مرة أخرى، وهذا ينطبق فقط على المتسولين من غير المتعاطين أو المتورطين بالجرائم”.
وكشف عن أن “بعض الأحكام القانونية، التي تُتخذ ضد أفراد أو عصابات التسول التي تثبت إدانتها بعد إجراء التحقيقات القانونية من قبل القضاء العراقي، تصل أحيانًا إلى السجن 15 عامًا كحد أدنى، أما غير العراقيين منهم فيُسّلمون إلى مديرية شؤون الإقامة ليجرى ترحيلهم”.

السلطات الحكومية تكتفي بتنفيذ حملات أمنية لملاحقة المتسولين دون أن تضع حلولًا ناجعة للحد من ظاهرة التسول

وتسبّبت الظروف التي يواجهها العراق في العقدين الماضيين، بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد، في تزايد الفقر والبطالة، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف عدد المتسولين من الشباب والأطفال من كلا الجنسَين”.
ويشير العديد من الباحثين المختصين داخل العراق إلى أن المتسولين يشكلون أعدادًا لا يستهان بها، فحسب إحصاءات وزارة التخطيط للعام الماضي فإن نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر هي 30 بالمائة من السكان أي إن تعدادهم هو 12 مليون وعلى فرض إن 1 بالمائة من هؤلاء لديهم استعدادات سلوكية لممارسة التسول تحت أي مسوغ، فإن عدد المتسولين لا يقل عن 120 ألف ويمكن إضافة إعداد أخرى لهم من بعض ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا ترعاهم عائلاتهم أو المؤسسات الحكومية.
وقال الباحثون في دراسة متخصصة إن “ظاهرة التسول في العراق تفاقمت وخاصة بين الأطفال وذلك بسبب الظروف الاقتصادية القاسية فضلًا عن التهجير القسري والعنف وتراجع دور الدولة في رعاية الطبقات الفقيرة والمسحوقة في المجتمع”.
وأشاروا إلى أن “ما يعقد إيجاد معالجات لمشكلات التسول أو الحد من توسعها على الأقل في العراق (انتشار الفقر والبطالة، محدودية فرص العمل، وقصور الأجهزة الحكومية على استيعاب المتسولين وتأهيلهم لأنه يحتاج إلى برامج متقدمة من جهة الحكومة وبطرق إقناع متعددة بعيدًا عن الإكراه في فرض حل واحد ملزم.
وشددوا على ضرورة أن “لا ينبغي أن تكون المعالجات بطريقة الكر والفر من خلال إرسال (مفارز أمنية) للساحات للقبض على المتسولين والإفراج عنهم فيما بعد بكفالات أو مساومات، لأن الإجراءات من هذا النوع تعقد المشكلة وتؤدي للفساد أو العناد”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى