أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العجز المالي يكبل موازنة 2024 ويتسبب بتأخير إقرار جداولها

متابعون للشأن الاقتصادي يؤكدون اشتراك البنك المركزي برئاسة علي العلاق في تزييف الحقائق ورفع قيمة السيولة النقدية إعلاميًا في وقت تشير فيه بيانات دولية إلى تراجع أداء الاقتصاد العراقي ووجود مشكلة حقيقية في اقتصاد البلاد الريعي

بغداد – الرافدين

شككت أوساط اقتصادية بالأرقام الحكومية المعلنة لقيمة العجز المالي لموازنة عام 2024 في ظل حديث عن شحة في السيولة النقدية ومخاوف من تأثيرات سلبية على السياسة الاقتصادية وتأمين رواتب الموظفين.
وعزز التأخير في إرسال جداول موازنة عام 2024 إلى البرلمان لإقرارها من حجم المخاوف تزامنًا مع لجوء الحكومة لجيوب المواطنين لسد الفجوة في العجز المالي بعد قرار رفع أسعار البنزين مؤخرًا.
وجاءت هذه المخاوف عقب تأكيد وزير التخطيط في حكومة الإطار التنسيقي محمد تميم ارتفاع عجز موازنة العام الحالي إلى أكثر من 80 تريليون دينار مقارنة بـ 63 تريليون دينار في العام الماضي، وذلك خلال اجتماع عقده مع اللجنة المالية.
ووفقًا لتميم فإن إجمالي موازنة عام 2024، بلغ نحو 228 تريليون وأن الحكومة تعمل تقديم جداول موازنة عام 2024 في أسرع وقت ممكن، لتفادي الآثار السلبية التي قد تنجم عن تأخر ذلك.
وعقب عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، على كلام وزير التخطيط بالقول إن “اللجنة المالية النيابية استضافت وزير التخطيط لمناقشة التعديلات والمشاريع وأسباب تأخر إرسال قانون الموازنة العامة إلى مجلس النواب”.
وأضاف الكاظمي، “نحن في اللجنة المالية النيابية تفاجأنا بأن الحكومة رفعت المبلغ الإجمالي لقانون الموازنة من 199 تريليون دينار إلى 228 تريليون دينار في موازنة 2024″.
وأوضح أن “هذه الزيادة كبيرة بينما ما تم صرفه في عام 2023 بلغ 142 تريليون دينار فقط”.
ولفت الكاظمي إلى أن “رفع المبلغ الإجمالي في قانون الموازنة تسبب في زيادة نسبة العجز و أن الموازنة ما تزال حاليا في أروقة مجلس الوزراء ومن المتوقع أن ترسل إلى مجلس النواب الشهر المقبل”.
في المقابل كشف مصدر حكومي مسؤول، عن عدم معرفة الجهات الحكومية بمبلغ العجز الحقيقي والمتوقع في الموازنة المالية للعام الحالي 2024 والذي قد يكون أكبر من الرقم الذي أعلنه وزير التخطيط.
وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن “الجهات الحكومية المسؤولة في رئاسة الوزراء وحتى هيئة المستشارين، لا يملكون أي معلومة بشأن مبلغ العجز الحقيقي والمتوقع في موازنة سنة 2024”.
وأضاف أن “هذا الأمر مغلق بشكل تام حتى اللحظة لدى وزارة المالية حصرًا، وليس هناك أي اطلاع عليه من قبل أي جهة حكومية أخرى او حتى برلمانية، وجداول قانون الموازنة ما زالت قيد الدراسة والإنشاء لدى دائرة الموازنة في وزارة المالية، ولا احد يعرف ماذا تتضمن من أرقام وتفاصيل”.

ارتفاع عجز موازنة 2024 إلى أكثر من 80 تريليون دينار مقارنة بـ 63 تريليون دينار في العام الماضي

وكان محافظ البنك المركزي علي العلاق، قد نفى في تصريح سابق لوكالة الأنباء العراقية وجود مشكلة سيولة، وأن “ما يثار ويشاع عن وجود مشكلة في سيولة الدينار العراقي عار عن الصحة، وأن البنك المركزي مستمر في إجراء عملية الاستجابة للطلبات المتعلقة بالسيولة وكذلك وزارة المالية”.
إلا أن هذا النفي كان مثار تشكيك هو الآخر من قبل متابعين للشأن الاقتصادي والسياسي خصوصًا وأن بيانات صندوق النقد الدولي أكدت مطلع شهر آذار الجاري وجود “تراجع حاد” في مركز المالية العامة في العراق، من فائض مقداره 10.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022، إلى عجز مقداره 1.3 بالمائة في العام 2023.
وعزت بيانات صندوق النقد الدولي ذلك إلى انخفاض الإيرادات النفطية، وزيادة الإنفاق بنسبة 8 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الزيادة التي حصلت في التوظيف في القطاع العام.
وعن التضارب في التصريحات يعلق الكاتب يحيى الكبيسي بالقول إن “هذا التناقض بين حقيقة وجود فائض سيولة أي وجود كتلة نقدية كبيرة بالدينار العراقي، ونفيها رسميًا، يعكس أزمة حقيقة في إدارة الملف المالي في العراق، كما يعكس، في الوقت نفسه، ضعف ثقة المواطن بالقطاع المصرفي، العام والخاص على السواء”.
ويضيف الكبيسي أنه “وفقًا للتقديرات فإن ثمة كتلة نقدية تصل إلى 35 ترليون دينار عراقي هي خارج إطار التداول، وخارج إطار الجهاز المصرفي، وهو ما يصل إلى ثلث الكتلة النقدية المصدرة التي وصلت إلى ما يزيد عن 100 ترليون دينار عراقي”.
ويشير إلى أن “مراجعة أرقام البنك المركزي العراقي تظهر أن حجم الكتلة النقدية المصدرة وصلت إلى ما يزيد عن 102.6 ترليون دينار عراقي عند نهاية شهر تشرين الثاني من عام 2023، في حين لا يزيد حجم رؤوس أموال المصارف العاملة في العراق عن 9.1 ترليون دينار عراقي في نهاية العام 2023، وهذا يعني أن حجم الأموال المودعة لا يزيد عن 8.8 بالمائة من حجم الكتلة النقدية المصدرة”.
ويتابع الكاتب “في العام 2019، على سبيل المثال، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في العراق 233.6 مليار دولار وفقًا لأرقام البنك الدولي، لينخفض إلى 184.4 مليار دولار في العام 2020، في حين سنجد أن البنك المركزي قد أضاف 15 ترليون دينار عراقي إلى الكتلة النقدية في العام نفسه!”.
ويشير إلى ثمة مفارقة هنا تكمن في أن فائض السيولة الكبير الذي أُصدر في السنوات الخمس الأخيرة، لا علاقة له بالناتج المحلي الإجمالي، إذ لم يشهد هذا الناتج قفزات موازية للقفزات في الكتلة النقدية المصدرة.
ويستنتج الكبيسي مما تقدم “وجود تدخل حكومي فيما يتعلق بحجم الكتلة النقدية، بسبب عجز البنك المركزي عن الحفاظ على استقلاليته، وبالتالي السماح للحكومة بالتدخل بشكل مباشر في صياغة السياسة النقدية وتنفيذها في العراق، وهو انتهاك صريح لقانون البنك المركزي نفسه”.

مخاوف من فرض حزمة ضرائب جديدة لسد العجز في الموازنة العامة اعتمادًا على جيوب العراقيين

وفي ظل هذا الحديث تزداد المخاوف من لجوء الحكومة إلى فرض حزمة ضرائب جديدة لسد العجز في الميزانية على غرار رفع سعر البنزين إلى جانب الارتفاع المطرد في مديونيتها الداخلية والخارجية في ظل اقتصاد ريعي يعتمد على عائدات النفط.
وفي هذا الصدد يحذر عضو اللجنة المالية في البرلمان جمال كوجر من تبعات ارتفاع العجز بهذا الشكل الكبير على الاقتصاد العراقي، ومن تبعات لجوء الحكومة للقروض لسد عجز الموازنة، خاصة أن أكثر من 75 بالمائة من الموازنة لرواتب الموظفين والمتقاعدين.
ولفت كوجر إلى أن اللجنة المالية ستعمل على تقليل العجز، من خلال إلغاء بعض جداول الصرف غير المهمة، متوقعا أن تشهد مناقشة القانون خلافات سياسية.
ويتفق الخبير في الشأن الاقتصادي أكرم حنتوش، مع ما ذهب إليه كوجر بالقول إن العجز “المخيف” في موازنة سنة 2024، يهدد الاقتصاد العراقي ورواتب الموظفين، خاصة أن الموازنة تعتمد على النفط فقط، وقال إن أي انهيار بالأسعار سيدخل البلاد بأزمة مالية.
ولفت حنتوش إلى أن الاقتصاد العراقي “سيبقى هشا” في ظل الاعتماد على الاقتراض لسد الديون الداخلية والخارجية”.
وحث الخبير في الشأن الاقتصادي للحكومة على إيجاد طرق بديلة لتمويل الموازنة بدلا من الاعتماد على سعر النفط.
وعبر عن مخاوف من لجوء الحكومة إلى زيادة الضرائب على المواطنين لسد جزء من العجز، بعد رفع أسعار الوقود مشددا على تقديم موازنة “مدروسة” بشكل جيد ومنع أي تداعيات “سلبية” على اقتصاد الدولة.
وكان مجلس النواب قد أقرّ في 12 حزيران 2023، قانون الموازنة الثلاثية للسنوات 2023 و2024 و2025، وبلغ إجمالي موازنة العام الماضي 197 مليار دينار، وهي الأضخم في تاريخ البلاد.
وجاءت الموازنة الثلاثية والجدل الذي رافقها في أعقاب موازنات انفجارية بلغ مجموعها في السنوات العشر الأولى التي أعقبت الاحتلال الأمريكي الذي نعيش ذكراه الحادية والعشرين، نحو ألف مليار دولار، كانت أعلاها إنفاقًا خلال حكومتَي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي 2006 ولغاية 2014، وهي الأكثر إثارة للجدل بسبب ملفات الفساد التي رافقت أداء الحكومتين أيضًا”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى