أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تضخم مبيعات نافذة العملة ينذر بمزيد من العقوبات على القطاع المصرفي العراقي

خبراء اقتصاديون يحذرون من استنزاف واردات العراق النفطية من العملة الصعبة في عمليات تهريب الدولار لصالح إيران عبر طرق احتيالية تعتمد على أموال القروض والحوالات الخارجية.

بغداد – الرافدين

ربطت أوساط اقتصادية بين تضخم مبيعات الدولار في نافذة بيع العملة التي يشرف عليها البنك المركزي وبين الارتفاع المطرد في عمليات تهريب العملة الصعبة لإيران وسط تحذيرات من فرض عقوبات أمريكية جديدة ضد مصارف متورطة بعمليات التهريب.
وجاءت التحذيرات متزامنة مع ارتفاع قيمة الحوالات الخارجية من الدولار عبر نافذة بيع العملة بعد أن باع البنك المركزي مليار دولار خلال خمسة أيام فقط منذ مطلع شهر نيسان الجاري.
وقال الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي إن “هذه المبيعات العالية تثير الكثير من التساؤلات وأهمها هل تذهب هذه الحوالات فعلاً لتمويل تجارة حقيقية تعود بالمنفعة للسوق والاقتصاد العراقي؟”.
وأضاف الهاشمي أن “البنك المركزي وكعادته لا يتعامل بشفافية مع ملف مبيعات الدولار، حيث ينصب اهتمامه في زيادة ضخ الدولار لتقليل أسعار الصرف في الأسواق، دون الاهتمام بطمأنة الأسواق وإثبات أن الدولار المحول والمباع هو لاغراض تجارية حقيقية وليس لتغذية طرق جديدة لتهريب وتسريب الدولار”.
وأشار إلى وجود قلق متزايد من أن “يرصد البنك الفيدرالي الأمريكي طرقًا احتيالية جديدة تتم من خلال نظام الحوالات المباشرة الجديد، ويعيد فرض المزيد من التشديدات ما يقلص مرة أخرى كميات الدولار المحول والمباع وحينها ستعود مشكلة ارتفاع اسعار الصرف”.
وتابع الخبير الاقتصادي القول إن “على المركزي التعلم من دروس الماضي وأن لا يقع في نفس الخطأ من جديد ويكبد الاقتصاد والمواطن العراقي تبعات إجراءاته المتساهلة مع الحوالات غير القانونية، فالوضع لا يحتمل مزيدًا من اللعب والمناوره مع الفيدرالي الأمريكي”.

الإجراءات الحكومية القاصرة تفسح المجال لعمليات تهريب الدولار بالاعتماد على نافذة بيع العملة والحوالات الخارجية

وسبق أن حذر خبراء اقتصاديون من تجاهل البنك المركزي “التنبيه” الأمريكي على لسان السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي بشأن تهريب العملة الصعبة إلى إيران من قبل بنوك تابعة لأحزاب وجهات متنفذة في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
وقالت رومانوسكي في تصريحات لوكالة رويترز منتصف شهر آذار الماضي إن “العديد من العراقيين لا يثقون حقًا بالنظام المصرفي هنا ولديهم سبب وجيه لعدم القيام بذلك”.
وشددت على أن بلادها ستفعل ما في وسعها من أجل منع تهريب الدولار من العراق وسيكون الأمر مؤلمًا”.
وقال خبراء ماليون إن رسالة السفيرة بعدم ثقة العراقيين بالنظام المصرفي في بلادهم، تكشف دون مواربة سيطرة جهات سياسية واقتصادية على عمليات تحويل الدولار إلى إيران وتؤكد وجود نية لفرض المزيد من العقوبات على مصارف جديدة.
ويتوقع الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي أن تطال العقوبات الجديدة ما لايقل عن عشرة مصارف دون أن يكون هناك خطوطًا حمراء أو ما يعرف بالمصارف الرصينة التي تكون بمنأى عن هذه العقوبات”.
وأضاف الحلبوسي أن نافذة بيع العملة تشهد منذ بداية 2024 ارتفاعًا مريبًا في المبيعات وبالقياس مع العام الماضي نجد أن هناك تشابه مع الارتفاع الكارثي بالمبيعات، وهذا يؤشر بوجود عمليات تحايل من خلال الحوالات الوهمية وتكييش الاعتمادات”.
ويتابع الباحث الاقتصادي “لو قارنا واردات النفط الشهرية مع المبيعات الشهرية للدولار في نافذة بيع العملة لأول أربعة أشهر من العام الحالي لوجدنا استنزافًا خطيرًا يتطلب أن نقف عنده بشكل جدي كونه ينذر بكارثة سيكون لها وقعا خطيرًا حاليًا ومستقبلًا”.
وتعرف نافذة بيع العملة عبر مزاد الدولار الذي يشرف عليه البنك المركزي “بنظام الصرف الصحي للفساد العراقي”، لكن قلما كُتب عن آليات عمله الداخلية.
ويتهم البنك المركزي العراقي بمنح مصارف خاصة تمتلكها الميليشيات والأحزاب الولائية تسهيلات للحصول على العملة الصعبة عبر مزاد العملة بطرق احتيالية تتجاوز العقوبات الأمريكية ومساعي واشنطن في تجفيف موارد إيران من العملة الصعبة.

البنك المركزي يتجاهل تحقيقًا للنزاهة بمنح قروض لمصارف خاصة استغلت أموالها بمزاد العملة

وفي هذا السياق كشفت وثيقة موجهة إلى البنك المركزي صادرة عن هيئة النزاهة، عن عملية فساد تتعلق بمنح المركزي العراقي قروضًا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض.
وبينت الوثيقة أن البنك المركزي تجاهل قرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.
وجاء في الوثيقة الصادرة عن هيئة النزاهة في 14 كانون الأول من عام 2023 وتحمل العدد (م ت ب/ت/ 2232ق/ 2022/ 35650)، إن الهيئة طالبت البنك المركزي بإعلامها “ما تم بصدد تأليف لجنة تحقيقية تتولى إجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام إن وجد عن موضوع القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع الذين هم أنفسهم مالكي المصارف الأهلية التي تأخذ القروض ليتم استغلالها لشراء الدولار والمتاجرة لها والاستفادة من أرباحها، ليتسنى إجراء اللازم”.
وتكشف الوثيقة عن صدور كتاب رسمي سابق يحمل العدد (م ت ب/ت/ 2232ق/ 2022/ 31889 ومؤرخ في 14 تشرين الثاني عام 2023) يطالب البنك المركزي بفتح تحقيق في منح أصحاب المصارف الأهلية، قروضًا ضمن مبادرة القروض الاستثمارية، مع ذهاب تلك الأموال لشراء الدولار من مزاد العملة والاستفادة من الأرباح.
إلى ذلك، يؤكد مصدر مسؤول، أن “البنك المركزي لم يرد على هيئة النزاهة حتى الآن، ودون معرفة ما إن كان قد فتح تحقيقًا أم لا”.
ويوضح المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن “المبادرة التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة أعوام، تخص المشاريع الكبيرة، ويصل مبلغها إلى ثلاثة تريليونات دينار (نحو ملياري دولار)، ذهب نصفها أو يزيد، إلى قروض لأصحاب المصارف الخاصة، بهدف إنشائهم مشاريع استثمارية، تبين فيما بعد أن معظم تلك المشاريع وهمية”.
ويلفت المصدر إلى أن “شبهات الفساد تحوم حول دور موظف رفيع في البنك المركزي، متورط في هذا الملف، كان يقف وراء منح قروض المشاريع الوهمية لأصحاب المصارف الأهلية، بغرض استثمارها في مزاد العملة”.
ومنذ مطلع العام الماضي، دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطًا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميًا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع مؤخرًا.
وجرى فرض عقوبات على نحو 28 مصرفًا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار.
وقال مستشار رابطة المصارف العراقية سمير النصيري، إن “إيقاف تعامل 28 مصرفًا بالدولار تم على مستوى التعاملات والتحويلات الخارجية الدولية، وحرمان هذه المصارف يعود لتعاملات في السنوات السابقة، بسبب وجود شكوك، وإجراءات تدقيقية، وإدارية، وتنظيمية”.
وأكد أن هذه المصارف تشكل نسبة 50 بالمائة من القطاع المصرفي الخاص العراقي، مما تسبب بضرر كبير لدى القطاع؛ لأن مجموع الموجودات في المصارف العراقية التي عوقبت وحرمت من التعامل بالدولار، يشكل بحدود 47 بالمائة، ومجموع ودائعها يشكل 36 في المائة، وكذلك الحال بالنسبة لرأس المال الذي يشكل بحدود 37 في المائة.
وأفاد النصيري، بوجود أكثر من 245 فرعًا مصرفيًا لهذه البنوك في العراق والتي تشكل نسبة 51 في المائة من عدد الفروع المصرفية العاملة في البلاد، أما عدد الموظفين العاملين في فروع هذه المصارف فيشكل قرابة 40 بالمائة من مجموع العاملين في القطاع.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى