أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

خطر متنام للأبنية المدرسية الآيلة للسقوط في العراق

تربويون يحملون الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال مسؤولية تبديد الأموال المخصصة لبناء المدارس وانهيار قطاع التعليم في ظل وجود 2000 مدرسة آيلة للسقوط في عموم العراق.

بغداد – الرافدين

كشفت حوادث انهيار سقوف وجدران المدارس في محافظات وسط وجنوبي العراق جراء الأمطار الأخيرة حجم الإهمال الحكومي للأبنية المدرسية وما يترتب على ذلك من مخاطر تهدد أرواح الطلبة وسلامتهم.
وسلطت هذه الحوادث الضوء على تهالك المدارس بعد أن حولتها حكومات الاحتلال المتعاقبة طوال عقدين من الزمن إلى أبنية آيلة للسقوط جراء الفساد وغياب المتابعة على الرغم من التصريحات المتكررة والوعود بحل هذه المشكلة التي أصبحت تثير قلق أولياء الأمور والملاكات التعليمية.
ففي البصرة التي شهدت مؤخرًا فاجعة بمقتل عدد من طلابها في منطقة الهارثة أظهرت صور من هناك حال بناية معهد الفنون الجميلة للبنين التي وجهت مديرية تربية البصرة بتركها فورًا وإيجاد البديل المناسب لها.
وتبين الصور الملتقطة حديثًا من داخل بناية المعهد استمرار الدوام فيها دون الاستجابة لتعليمات مديرية التربية على الرغم من المخاطر المترتبة على أرواح الطلبة والطاقم التعليمي لكون البناية آيلة للسقوط.
وفي محافظة القادسية أظهرت صور من هناك انهيار جزء من جدار ثانوية الدرعية والمفارقة بالصور التي جرى تداولها أن إدارة المدرسة لم تخل الصفوف المتضررة من الطلاب ولم توقف الدوام في المدرسة على الرغم من المخاطر المترتبة على سلامتهم في ظل إمكانية انهيار الجدار كليًا على الطلبة وإلحاق الضرر بهم.
وجاء تداول الصور من البصرة و القادسية متزامنًا مع حالة الغضب التي أثارتها حادثة انهيار أجزاء من سقف أحد الصفوف في متوسطة للبنات في قضاء بدرة في واسط، خارج أوقات الدوام.
وعلق الناشط أحمد جواد من قضاء بدرة بالقول إن “متوسطة بدرة للبنات قديمة جدًا وقد شيُدت سنة 1959 وهي آيلة للسقوط، وقد تعاقبت عليها الحكومات وطالب الجميع بإعمارها أو نقل البنات منها لكن دون جدوى”.
وتابع الناشط “كانت المديرة السابقة قبل وفاتها تقاتل في سبيل إيصال صوتها للمسؤولين، وفي إحدى المرات واجهتهم أمام الناس عند زيارة وفد من تربية واسط وألقت عليهم الحجة، وجادلتهم بحدة بعد انفعالها، لأنهم لا يسمعون مناشداتها المستمرة”.
وأضاف أن “أحد الصفوف انهار على الطالبات وكاد أن يودي بحياتهن، ولولا لطف الله بهن لكانت هناك كارثة حدثت في بدرة لا تقل عن كارثة الهارثة في البصرة”.
وأشار إلى أن “بناية المدرسة تشهد داومًا مزدوجًا و أن عدد طالباتها يبلغ 600 طالبة، كما أن مختبرها مقفل منذ فترة لأن سقفه آيل للسقوط هو الآخر”.

وفيما جرى افتتاح 400 مدرسة جديدة مع بداية العام الدراسي الحالي وفقًا لبيانات رسمية، إلا أن الحاجة الفعلية لأكثر من 8000 مدرسة مازالت قائمة لتفادي النقص الكبير في عدد المدارس في وقت تفيد فيه تقارير دولية بأنّ نحو 50 بالمائة من المدارس الحالية بحاجة إلى عمليات إعادة تأهيل.
ويُشدد المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية كريم السيد، أن “الوزارة رصدت المدارس القديمة والمتهالكة في جميع أنحاء البلاد، لكن تقدم العمل في إعادة تأهيلها تعثر في الفترة الأخيرة بسبب نقص التمويل ونتوقع أن نشهد تحسنًا ملحوظًا في هذا الشأن خلال الفترة القادمة”.
وأضاف السيد أن “من أبرز التحديات التي تواجه الوزارة في إنهاء ملف الأبنية المدرسية المتهالكة هو شح التخصيصات المالية ومسألة توفير الأراضي في ظل وجود تحفظات بشأن مساهمات المتبرعين”.
بدوره أكد عضو لجنة التربية النيابية حيدر الحسناوي، أن مشكلة الأبنية المدرسية المتهالكة لم تُعالج بشكل فعّال حتى الآن”.
وأشار الحسناوي إلى أن “إنشاء مدارس جديدة وترميم القائمة يتطلب ميزانيات ضخمة وينبغي على المحافظين تخصيص موارد مالية كافية من خلال برامج تنمية الأقاليم، التي كانت محدودة في العام الماضي”.
وأضاف أن “غياب التعاون بين الحكومة ومجالس المحافظات سيؤدي إلى استمرار هذه المشكلة التي تهدد سلامة الطلبة في مختلف المدن”.
وتتحدث مصادر مطلعة عن وجود نحو (2000) مدرسة آيلة للسقوط في العراق، دون العمل على إخلائها من التلاميذ، جرّاء إهمال الحكومة وعدم توفير البدائل.
وتنقل المصادر عن مسؤولين في وزارة التربية الحالية، أنّ ملف الأبنية المدرسية يشهد إهمالًا كبيرًا منذ عقدين، وأنّ المشاريع التي أحالتها الوزارة للشركات من أجل تنفيذها تحوّلت إلى متلكئة ومضت عليها سنوات دون فتح تحقيق بشأنها.
وأوضحت المصادر، أنّ السلطات الحكومية لا تمتلك استراتيجية واضحة في تطوير القطاع التربوي والنهوض به في المدّة المقبلة؛ جرّاء استشراء الفساد فيها، مضيفةً أنّ البلاد بحاجة إلى نحو 10000 مدرسة للتخلص من الاكتظاظ الحاصل في الصفوف الدراسية.
ولاتقتصر الخطورة على الأبنية المدرسية الآيلة للسقوط بعد أن أضاف الفساد الحكومي لها مئات المدارس الكرفانية المعرضة لخطر الانهيار هي الأخرى كذلك بسبب الظروف الجوية وغياب شروط المتانة.
وعرف العراقيون مصطلح “المدارس الكرفانية” بعد عام 2011 إبان ولاية حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عقب عمليات هدم لمدراس آيلة للسقوط في بغداد والمحافظات ضمن مشروع عرف إداريًا وقتها بـ”الأبنية المدرسية رقم 1″ كحل موقت لتفادي أزمة تعليمية.
ولايوجد إحصاء دقيق لعدد المدارس الكرفانية في العراق، وتعلل وزارة التربية ذلك بـ”عشوائية تشييدها”، وضياع تفاصيل هذا المشروع بين الحكومة ومجالس المحافظات، فضلًا عن المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد التي تبنت بدورها تشييد عدد من هذه المدارس.
ولم يكن مرور أكثر من 13 سنة كافيًا لإنجاز مشروع “الأبنية المدرسية رقم 1” بعد أن مرَّ بسلسلة معقدة من المخاطبات الإدارية والبيروقراطية والتلكؤ والإهمال وقبل ذلك كله الفساد الذي ينخر الدولة العراقية والذي بدد بدوره الأموال المرصودة لهذه الأبنية.

وعلى الرغم من إنفاق أكثر من 12 تريليون دينار سنويًا، فإن قطاع التعليم في العراق هو واحد ضمن الأسوأ في العالم بعد مرور أكثر من 103 سنوات على إنشاء هذا القطاع في وقت، لا تزال هناك مئات المدارس مبنية من الطين والخيام وأشجار الخيزران إلى جانب المدارس الكرفانية التي بدد الفساد الأموال المخصصة لإكمال بنائها.
ويؤكد نقيب المعلمين العراقيين عدي حاتم حسن العيساوي أن “المشكلة الأساسية التي تحول دون تقدم ونهوض قطاع التعليم واستمرار تخلفه تكمن في نقص الأبنية المدرسية”.
ويضيف العيساوي أن “معظم المدارس في العراق بنيت في حقب زمنية سابقة وبالتالي فإن أعمارها الزمنية بحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل”.
وتابع نقيب المعلمين العراقيين “المفارقة أن هذه المدارس خضعت لعمليات صيانة غير مدروسة من الناحية الفنية في ظل نمو سكاني يصل إلى 2.4 بالمائة سنويًا يقابله ارتفاع في عدد الطلاب ما يعني الحاجة للمزيد من المدارس”.
وأشار إلى أن “الحكومات المتعاقبة بعد 2003 قصرت في معالجة هذا الموضوع بشكل مستمر”.
وخلص بالقول إن “إعلان الحكومة عن إمكانية بناء 1700 مدرسة يعد حلًا ترقيعيًا لا يفي بالغرض، لأن الحاجة الفعلية أكثر من هذا العدد لاستيعاب أعداد الطلبة وبالتالي فإن المشكلة ستبقى عالقة”.
ويعدّ الفساد الذي تعانيه أغلب مؤسسات الدولة في العراق، واحدًا من أبرز التحدّيات التي تواجهها المؤسسات التعليمية، إذ إنّ تأثيراته أسهمت في جعل الدوام مزدوجًا في غالبية المدارس فضلًا عن مساهمته في عدم تجهيزها بالمستلزمات الدراسية من كتب ومقاعد وسبّورات وغير ذلك، ما اضطر الكثير من الأهالي إلى تحمّل أعباء توفير مقاعد وكتب لأبنائهم وتوجههم نحو المدارس الأهلية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى