أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

المال السياسي يطوع سوق العقار لصالح المتنفذين ولصوص الدولة

مختصون يحذرون من البناء العشوائي للمجمعات السكنية وغياب التخطيط العمراني وسطوة مافيات الفساد على سوق العقار بعد استباحتها للأراضي والبناء عليها بما فيها الأراضي القريبة من مطار بغداد.

بغداد – الرافدين
يخفي ارتفاع وتيرة بناء المجمعات السكنية في بغداد والذي تسوق له حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني كمنجز لها العديد من شبهات الفساد المتعلقة بالمال السياسي وتبييض الأموال إلى جانب المخالفات القانونية للموافقات الممنوحة للبناء تحت يافطة الاستثمار.
وسرعان ما تحولت تلك المشاريع إلى فرصة استثمارية وتجارية لأطراف متنفذة دخلت على هذا الخط لتستحوذ على مساحات شاسعة داخل بغداد وتحويلها إلى مجمعات بأسعار توصف بالخيالية مقارنة مع العقارات الأخرى في العاصمة.
وتنتشر تلك المجمعات داخل بغداد، وبالتحديد في مناطق العلاوي (أمام متنزه الزوراء)، والبياع، وشارع مطار المثنى، والسيدية، والكاظمية، وحي العدل، وسريع محمد القاسم، حيث تباع شققها بأسعار باهظة تتراوح في المتوسط بين 100 ألف دولار و400 ألف دولار.
وباتت المجمعات السكنية المبنية حديثًا لاسيما تلك التي يجري تشييدها قرب مطار بغداد مثالًا صارخًا للفساد المركب بعد أن تحولت إلى سلعة مفضلة لتجار الصفقات ولصوص الدولة ممن يمتهنون سرقة المال العام على الرغم من مخالفتها الصريحة لضوابط البناء.

متنفذون يتجاهلون مخاطبات رسمية لإيقاف بناء المجمعات السكنية قرب مطار بغداد الدولي

وحول المجمعات المشيدة بالقرب من مطار بغداد الدولي يُظهر كتاب رسمي موجه من سلطة الطيران المدني إلى هيئة الاستثمار يطالبها بالحد من هذه المجمعات كونها تخالف الضوابط، وتتسبب بمشاكل عديدة وتعيق حركة الإقلاع والهبوط من مدارج المطار، إلا أن الشركات المتنفذة لم تصغ لتلك المخاطبات واستمرت بإكمال البناء.
وفي هذا السياق يؤكد مصدر مطلع أن “الكتب التي وردت لهيئة الاستثمار من سلطة الطيران المدني نصت على وقف أعمال البناء، أو تخفيض عدد الطوابق، إلا أن أعمال البناء استمرت دون توقف أو التزام بالتعليمات الحكومية”.
ويضيف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته أن “هذه الشركات منحت طوابقًا بأكملها لشخصيات متنفذة من أجل التدخل ووقف الكتب الصادرة من سلطة الطيران المدني ضدها، كما أن هيئة الاستثمار هي الأخرى منحت إجازات استثمار مخالفة للضوابط والشروط ودون تدقيق أو الرجوع لإدارة مطار بغداد”.
بدوره يؤكد خبير الطيران فارس الجواري وجود “مادة قانونية يطلق عليها الارتفاق الجوي وهو مشرع ومفروض دوليا حسب قانون منظمة الطيران المدني العالمية (إيكو) ومصادق ومعمول بموجبه حسب قانون سلطة الطيران المدني العراقي 148 لسنة 1974 في المواد 22-27 منه”.
وينوه الجواري إلى أن “هذا القانون يشير صراحة إلى تعليمات تشييد البنايات في الحدود القريبة من المطارات إذ تعد المساحات القريبة من حرم المطار محظورة وفق هذا القانون، لأنها تتعارض مع المتطلبات التشغيلية للمطار في استقباله وترحيله للطائرات وهي أساسية بل تعد خطا أحمر لا يمكن التجاوز عليه”.
ويتابع “هناك حالات هبوط اضطراري تحصل لبعض الطائرات بسبب عارض فني أو غيره، ويستوجب حينئذ أن تكون هناك فضاءات شاسعة حول المطارات تسمح بالهبوط الاضطراري دون وقوع خطر على الساكنين قرب المطار”.
ويشير خبير الطيران إلى وجود “أجهزة اتصالات لاسلكية خاصة بالمراقبين الجويين لتأمين التواصل مع الطيارين في الطائرات الهابطة أو التي تقلع دون أن يكون هناك تشويش أو عائق يمنع التواصل مع تلك الطائرات”.
ويلفت إلى “وجود مشاريع خارج ضوابط قانون الارتفاق الجوي وفيها مخالفة صريحة وعمليات منع أو إزالة تلك البنايات ستكون خطوة باتجاه تصحيح مسار عمل المطارات”.
وعن إزالة تلك المجمعات، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن “المواد 487 – 493 من قانون العقوبات نصت على العقوبة بالحبس والغرامات بحق من يتجاوز على الممتلكات والأموال العامة، كما عاقبت فقرات أخرى ضمن القانون بالحجز والإغلاق وفرض الغرامات على المتجاوزين، سواء كان التجاوز على هيئة مجمعات سكنية أو منازل منفردة”.
وينبه التميمي إلى أنه “يبقى التطبيق الذي يجب أن يراعي أولا الحالات الإنسانية وأن يؤجل ويمهل بعض الحالات الأخرى وأن يبدأ بالممتلكات المستولى عليها من الأحزاب والشخصيات السياسية، وهذا الملف مهم ويحتاج إلى الحكمة والتروي والتمهيد”.

عشوائية تشييد المجمعات السكنية تقضي على وجه بغداد الحضاري وتشوه جمال معالمها التاريخية

وتمثل أزمة السكن، المشكلة الأساسية لجميع العراقيين نتيجة لغلاء أسعار العقارات خاصة في العاصمة بغداد، حيث بلغ سعر المتر الواحد ببعض المناطق أكثر من سبعة ملايين دينار (5000 دولار) وهي أسعار خارج متناول يد غالبية طبقات المجتمع العراقي باستثناء المتنفذين.
وترافق هذا الارتفاع بالأسعار مع استقطاب العاصمة عددًا كبيرًا من السكان والذي تضخّم ليصل الى تسعة ملايين، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء، الذي أعلن أن هذا العدد يعيش بمساحة إجمالية تبلغ 4555 كيلومترًا مربعًا، فيما بين أن الكثافة السكانية تبلغ نحو 2000 شخص لكل كيلومتر مربع واحد.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه خبراء اقتصاد وعقارات على ضرورة وجود رقابة حقيقية من الدولة على قطاع العقارات والأراضي ليس ببغداد فقط، بل في مختلف المحافظات التي تشهد هي الأخرى ارتفاعًا مماثلًا بفعل عمليات تبييض الأموال وسطوة مافيات الفساد على سوق العقارات الذي بات يلتهم المساحات الخضراء ويشوه المدن ومعالمها بفعل عشوائية تنفيذ المشاريع.
ويؤكد المختص في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، أن “أسعار العقارات تعتمد على العرض والطلب، وما دام هناك طلب كبير على شراء العقارات في مناطق محددة، فهذا يدفع إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، خاصة أن تلك الأسعار في ارتفاع مستمر وبشكل يومي”.
ويبيّن الكناني أن “ارتفاع أسعار العقارات في بغداد بشكل جنوني سببه استغلال مال الفساد والمال السياسي لشراء تلك العقارات ضمن عمليات غسل الأموال، وتسجيل تلك العقارات بأسماء مختلفة، وقضية (سرقة القرن) كشفت هذا بشكل أوضح، حيث إن المتهم الأول بهذه القضية (نور زهير) أغلب أموال السرقة اشترى بها عقارات في مناطق محددة في بغداد، وهذا حال باقي الفاسدين، دون أي شك”.
وأضاف أن “هناك فقدانًا للسيطرة الحكومية على سوق العقارات، إضافة إلى عدم امتلاك الدولة أي أرقام رسمية عن عدد العقارات في كل محافظة”.
ويتفق الدبلوماسي العراقي السابق وأستاذ العلوم السياسية غازي فيصل، مع ما ذهب إليه الكناني بالقول إن “الارتفاع الخيالي بأسعار العقارات في بغداد ومدن عراقية أخرى، سببه غسيل الأموال”.
ويشدد فيصل على أن “زيادة عمليات بناء المجمعات السكنية في بغداد يعكس زيادة عمليات غسيل الأموال عبر شراء الشفق ضمن تلك المجمعات، وليس حل أزمة السكن”.
ويشير إلى أن “تطوُّر عمليات غسيل الأموال يرجع إلى عدم وجود رقابة حقيقية على عمليات البيع والشراء، ولهذا ملايين الدولارات من عمليات الفساد تختفي عبر شراء العقارات وهذا يزيد الأسعار بشكل متواصل”.
ويخلص الدبلوماسي العراقي السابق وأستاذ العلوم السياسية بالقول إن “الحكومة مطالبة بشكل عاجل بالتحرك ووضع خطط تستطيع من خلالها السيطرة على ارتفاع أسعار العقارات التي وصلت إلى أسعار فلكية وتتجاوز أسعار عقارات فاخرة بعواصم أوروبية وخليجية، وعدم التحرك الحكومي يعني أن هناك مصالح ما بين قوى السلطة على غسيل أموال سرقاتها عبر هذه الطرق”.
وإزاء هذه الظاهرة بات على المواطن العراقي خاصة أصحاب الدخل المحدود التخلي عن فكرة امتلاك منزل خاص، في ظل تحكم الأحزاب ومافيات الفساد بسوق العقار والدوائر المرتبطة به بما فيها دوائر عقارات الدولة ودوائر التسجيل العقاري.
ويرى المواطن عبد العزيز محمد أن “المواطن العراقي أصبح يحلم بشراء منزل في أطراف بغداد بسعر مناسب وليس سعرًا منخفضًا، لأنه لا يوجد سعر منخفض في السكن بالعراق وتحديدًا ببغداد، حيث يتراوح سعر المتر الواحد في أطراف بغداد، حيث يبعد عن المركز ما يقارب 40 كيلومترًا، بين 60،000 دولار للمنزل الـ100 متر، في منطقة لا توجد فيها خدمات أو أي بنى تحتية وأرض زراعية”.
ويضيف عبد العزيز “لا تستطيع هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى حل أزمة السكن سواء ببناء مجمعات أو غيرها مادام المقربون من الأحزاب هم المستفيدين من كل شيء”.
بدوره يؤكد المواطن ثائر زهير أن “حكومة السوداني إن كانت جادة فلتفعل قانون 57 الذي لا يسمح لأي شخص من خارج بغداد بالسكن فيها، لأن أغلب من اشترى المنازل في العاصمة هم السياسيون وأقاربهم، ومعظمهم ليس من سكان بغداد”.
ويشير ثائر إلى أن “بغداد أصبحت في خطر بسبب الكثافة السكانية وعدم استيعابها للبشر، وكل شيء أصبح في غلاء، سواء المنازل أو الشقق وحتى المواد المنزلية بسبب فساد السياسيين”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى