أخبار الرافدين
طلعت رميح

نتنياهو: المغامرة الأخيرة

لم يكن أمام نتنياهو إلا أن يهاجم رفح هذا ما كتبناه على موقع قناة الرافدين قبل أسبوعين. كان لا بد له أن يظهر بمظهر من حقق نصرا. لقد فشل في تحقيق أي من الشعارات التي رفعها، عنوانًا للهجوم والحرب الإجرامية على قطاع غزة.
لم يستعد الأسرى الصهاينة بالقوة المسلحة. ولم يقض على حركة حماس أو المقاومة، بل هو غارق هو وحليفته الولايات المتحدة في مفاوضات للوصول إلى اتفاق معها.
ولم يحقق طردا للسكان الفلسطينيين من غزة، بل هو غارق في مأزق يتعلق بتحريكهم في داخل غزة خلال العمليات الحربية وهو أمر يجري تحت وطأة ضغوط دولية. في مسعى لإنهاء القضية الفلسطينية.
لقد تسبب نتنياهو في أخطر حالة عزلة دولية رسمية وشعبية للكيان الصهيوني، وفي المقابل أدخل فلسطين –قضية وعلما- إلى كل الجامعات الغربية التي تنتفض بطريقة غير مسبوقة في مواجهة الجرائم الصهيونية. وهو أنهى أسطورة الردع التي عاش عليها الجيش الصهيوني بعدما زج به في معركة كان قد حذره قادة وخبراء صهاينة بتأجيلها على الأقل. وهو تسبب في بداية خسارة الكيان الصهيوني لسيف معاداة السامية الذي طالما استخدمه الكيان الصهيوني في وأد كل محاولات انتقاد ومواجهة الجرائم الصهيونية في المجتمعات الغربية.
وهو بات متهم بالتضحية بالأسرى الصهاينة لدى المقاومة وبالتسبب في أزمة اقتصادية ومجتمعية خطيرة.
فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه وجر الجيش الصهيوني إلى مستنقع استنزاف وهز ثقة المجتمع الصهيوني في الجيش وكتابات الخبراء الصهاينة تعج بأبعاد كل هذا الفشل وبالمخاطر التي بات يعيشها الكيان الصهيوني على مختلف الصعد.
هنا كان المنطقي أن يذهب نتنياهو إلى عقد صفقة تضمن إنهاء الحرب. لكن ذلك لا يعنى سوى نهايته السياسية ودخوله السجن، وانكسار اليمين الصهيوني لفترة طويلة من الزمن، وتهديد بقاء الكيان الصهيوني الذي مني بكل هذه الخسائر. لذلك كان لا بد لنتنياهو أن يهاجم رفح.
سعى نتنياهو لتحقيق نصر وهمي، وقد بات جليًا تهافته. ولقد تجلت محاولته تحقيق نصر وهمي، في تلك الصور والفيديوهات والألفاظ التي قدم بها هو والإعلام الرسمي، لحالة وصول القوات الصهيونية إلى معبر رفح والسيطرة عليه، إذ جرى إسقاط العلم الفلسطيني ورفع العلم الصهيوني للظهور بمظهر المنتصر، فيما الجميع يعلم أن المعبر ليس إلا مساحة خالية ولا يبعد كثيرا عن مكان الإرتكاز الدائم للقوات الصهيونية على الحدود الشرقية لقطاع غزة، كما الجميع يعلم أن الفلسطينيين المنوط بهم الإشراف عليه، ليسوا سوى موظفين مدنيين وبالكاد بينهم أفراد من الشرطة الفلسطينية، إذ الشرطة كانت قد أخلت مواقعها بعد التعرض للقصف منذ وقت طويل. وكذا يعلم الجميع أن المقاومة لا تقاتل الجيش الصهيوني بالدفاع عن المواقع الثابتة، بل عبر الكمائن وأعمال القنص وبالهجمات المباغتة وجيشه كان قد دخل من قبل معظم أرجاء غزة، دون أن يتحدث أحد عن أي انتصار.
لقد حاول نتنياهو أن يحشد المجتمع الصهيوني المفكك، كما استهدف العودة بالكيان الصهيوني للظهور بمظهر القوة، مجددا. وحاول إطالة أمد الحرب والتخلص من المأزق الذي وضعته المقاومة فيه بعد موافقتها على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه عبر مصر وقطر والولايات المتحدة.
ومن قبل ومن بعد فقد أراد نتنياهو الحصول على مساحة من الوقت قد تمكنه من الخلاص من كابوس بات يطارد الكيان الصهيوني، خلاصته أن لا مناص من الذهاب نحو حل الدولتين بما يعنى دق المسمار الأخير في نعش المشروع الاستيطاني الصهيوني وحلم الدولة المهيمنة في الإقليم.
وهنا يبرز السؤال حول مدى ما يمكن أن يحرزه نتنياهو عند اعتماد تلك المناورة.
من المؤكد أن نتنياهو حقق نجاحًا رمزيًا والتقط صورة لنصر وإن كان زائفًا، وأنه حصل على وقت مستقطع في تلك الحرب وأبعد فكرة وقف إطلاق النار، وأنه وضع الشعب الفلسطيني في معضلة حصار أخطر، إذ سيطر على آخر معبر للفلسطينيين باتجاه الدول العربية، كما لم يعد هناك أي منفذ للشعب الفلسطيني تجاه العالم، سوى المعابر التي تسيطر عليها القوات الصهيونية أو الجسر البحري المسيطر عليه صهيونيًا وأمريكيًا.
غير أن تلك المكاسب ليست سوى حاله مؤقتة من جهة، ولا أفق لها في التأثير على نتائج المعركة الجارية على الصعيد الإستراتيجي، بل إن نتنياهو قد دفع الجيش الصهيوني إلى مستنقع كامل ممتد المساحة، وأنه ضحى بالكيان الصهيوني لتحقيق مصالحه الشخصية.
نتنياهو تقدم إلى الفراغ وجعل يوم سقوطه أقرب، إذ حقق مزيدا من الدوافع للمعارضة الصهيونية والمجتمع لإسقاطه ومحاكمته، وربما يكون في الطريق ليلقى مصير رئيس الوزراء الصهيوني السابق إسحق رابين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى