أخبار الرافدين
طلعت رميح

أمريكا تعيد بعث العسكرية اليابانية!

دخلت العلاقات الأمريكية اليابانية مرحلة جديدة. منذ سنوات والولايات المتحدة تدفع اليابان دفعًا لتطوير جيشها حتى أصبح الخامس في الترتيب الدولي في عام 2021.
وأجرى الجيشان الأمريكي والياباني العديد من المناورات التي تحاكي خططًا لمواجهة هجوم عسكري صيني على تايوان. كان أهمها مناورة درع الشرق التي اعتبرها نائب وزير الدفاع الياباني، إشارة إلى ضرورة أن تكون اليابان من القوى المساندة للولايات المتحدة للدفاع عن تايوان ضد أي غزو محتمل.
وأجرى البرلمان الياباني تعديلات دستورية تسمح للقوات اليابانية بالقتال خارج الحدود ضمن قوات الحلفاء–أو ما وراء البحار-لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. وهو ما بات يطرح مخاوف لدى الدول الآسيوية وعلى الصعيد الدولي من إعادة الولايات المتحدة بعث النزعة العسكرية في اليابان.
تلك النزعة، التي ادعت الولايات المتحدة حربها والقضاء عليها خلال الحرب العالمية الثانية، بالقصف النووي لهيروشيما ونغازاكي، وبفرض الاستسلام على اليابان واحتلالها وإعادة كتابة دستورها، وإقامة قواعد أمريكية دائمة على أراضيها لحماية تلك التغييرات.
تغيرت الرؤية الأمريكية لدور اليابان، بعد أن تغيرت التوازنات الدولية والإقليمية لغير مصلحة الولايات المتحدة، فصارت تدفع اليابان لتصبح قوة عسكرية على الصعيدين الدولي والإقليمي. وهو نفس ما حدث في علاقة الولايات المتحدة مع دول حلف الأطلنطي، إذ شددت الضغوط عليها لرفع ميزانياتها العسكرية إلى نحو 2بالمائة من دخلها القومي، وهو ما استجابت له المانيا مؤخرًا.
تسير اليابان في الطريق نفسه، وقد أعلن رئيس الوزراء الياباني خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة لليابان العمل على رفع ميزانية الدفاع، مشيرًا إلى أن الرئيس بايدن أبدى استعداده لدعم التعاون العسكري مع اليابان. كما أعلن الرئيس الأمريكي في نفس اللقاء عن دعم الولايات المتحدة تطلعات اليابان لعضوية مجلس الأمن الدولي.
وما يجرى من تطوير بناء القوة العسكرية اليابانية، يأتي تلبية لرغبه أمريكية من جهة ويحقق أهداف ورغبات دفينة لليابان من جهة أخرى.
تحتاج الولايات المتحدة لليابان كقوة اقتصادية وعسكرية لمواجهة الصين كقطب دولي اقتصادي قادر على التفوق على الاقتصاد الأمريكي خلال عدة سنوات وكقطب عسكري يسارع الخطى لبناء جيش قادر على التدخل في مناطق العالم الأخرى. وتحتاج لقوة اليابان لمواجهة روسيا التي عادت كقطب دولي صاعد مجددًا.
وقد عبر ساسة أمريكيون بوضوح، مؤخرًا–آخرهم دينيس روس-عن أن الولايات المتحدة لا تستطيع التصدي وحدها للتحديات التي تفرضها الصين وروسيا.
أصبحت الولايات المتحدة بحاجة لعودة اليابان كقوة عسكرية لإعادة رسم التوازنات في هذا الإقليم، باعتبارها الجار الشرقي للصين ولقربها من روسيا وبحاجة لقوة الهند باعتبارها المنافس في الصعود الاقتصادي مع الصين والمنافس لها في القدرة السكانية والقوة العسكرية، وهي الجار الجنوب غربي للصين وبحاجة إلى دور وجهود دول أخرى في محيط الصين خاصة فيتنام، وكوريا الجنوبية والفلبين وغيرها.
وتهتم الولايات المتحدة بدور اليابان على المدى القريب، بأكثر مما تنظر لدور الهند، وكلاهما عضو في حلف أكواد-لأسباب تتعلق بمسيرة الهند تاريخيًا وتحالفاتها مع روسيا وأوضاعها الاقتصادية، فيما ترى أن اليابان دولة واقعة فعليًا تحت الاحتلال الأمريكي، ولأنها واقعة في دورة صراع تأريخي مع الصين حول الجزر والبحار المشتركة، ومع روسيا التي تحتل جزر الكوريل اليابانية منذ عام 1945.
وتستفيد اليابان من هذا الدفع الأمريكي باعتبارها صاحبة مصلحه كبرى في بقاء تايوان على حالها، بل حتى استقلالها، إذ لكثير من الشركات اليابانية مقرات رئيسية في عاصمة تايوان.
كما لليابان رغبة دفينة في التخلص من القيود المفروضة عليها منذ الحرب العالمية –تمامًا مثل ألمانيا- وهي تطمح إلى دور إقليمي ودولي، وهي القوة الاقتصادية والتكنولوجية الكبرى وصاحبة التأريخ في الصراع والسيطرة على دول الإقليم، فضلًا عن تطلعها لاستعادة الأجزاء المحتلة من أراضيها.
وبالدفع الأمريكي الحالي تدخل العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان مرحلة جديدة.
كانت أولى المراحل في علاقات البلدين، قد بدأت في عام 1853 حين حضرت للشواطئ اليابانية أربع سفن حربية أمريكية حاملة رسالة لليابان بفتح حدودها للتجارة مع الولايات المتحدة. ولما تلكأت اليابان في الرد، حضر الأسطول الأمريكي مجددًا وهذه المرة وفق استعدادات قتالية، فأذعنت اليابان ووقعت على اتفاقية فتحت بمقتضاها حدودها للتجارة مع الولايات المتحدة.
وكانت ثاني المراحل ما جرى خلال الحرب العالمية الثانية. كان هجوم اليابان على ميناء وقاعدة بيرل هاربر الأمريكية أحد عناوينها وكان القصف النووي الأمريكي لمدينتي هيروشيما ونغازاكى عنوانها الثاني. وانتهت الحرب باستسلام اليابان وتغيير دستورها وبناء قواعد أمريكية دائمة على أراضيها.
وكانت ثالث المراحل حين غيرت الولايات المتحدة نمط احتلالها، وانتقلت من حكم الجنرال العسكر الأمريكي، مارك آرثر الذي امتد من الفترة بين 1945 و1951، إلى الإعلان عن انتهاء الاحتلال رسميًا، مع بقاء القواعد الأمريكية على الأراضي اليابانية لأجل غير مسمى. الآن بدأت مرحلة جديدة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى