أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

سياسة القط المحاصر عند إيران النووية

أفصحت إيران مؤخرًا عن تطورات خطيرة وحاسمة في برنامجها النووي. وأجابت عن السؤال الذي هيمن على المناقشات بشأن هذا البرنامج طوال السنوات الأخيرة: هل اقترب موعد إنتاج إيران السلاح النووي؟
إيران أجابت على لسان كمال خرازي رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية، بقوله “ليس سرًا أن لدينا الإمكانيات الفنية لصناعة القنبلة النووية، لكننا لم نتخذ القرار بعد لتنفيذ ذلك”.
وكانت المفاجأة، أن لا أحد أبدى انزعاجه أو أصدر ردًا –أي رد- رغم كل الضجيج والوعيد الذي ملأ الإعلام طوال نحو 15 عامًا.
لم تصدر ردود فعل على هذا الإعلان الإيراني المحدد جدًا والواضح جدًا والخطير جدًا. لا الكيان الصهيوني خصص فصلًا من تهديداته للرد، ولا الولايات المتحدة قالت شيئًا، وكذا حال أوروبا والدول العربية، والأكثر لفتًا للأنظار، أن جاء الإعلان الإيراني كتحد مكتمل الأركان.
جاء تصريح خرازي عقب انتهاء زيارة بايدن إلى المنطقة التي تعهد خلالها في بيان مكتوب باستخدام الإمكانيات الوطنية الأمريكية لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. كما صدر الإعلان بعد مماحكات كانت الأشد حدة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية، الأهم أن إعلان الوكالة يتزامن فيما كان الكيان الصهيوني في أعلى درجات التهديد لإيران، ومع كل ذلك لم يرد أحد.
كانت الفترة السابقة على هذا الإعلان، قد شهدت هبوب عواصف من التهديدات الصهيونية لإيران، وصدور سيل من الأحاديث الأمريكية عن عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، كما شهدت الفترة نفسها تحركات وبيانات من هيئة الطاقة النووية تندد باتخاذ إيران إجراءات تعيق عمل الوكالة، كانت الأوضاع توحي بدخول مختلف الأطراف أجواء الحسم. كانت إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية والولايات المتحدة في صراع محتدم.
الولايات المتحدة والوكالة شددا على تهرب إيران من الرقابة، وأظهرت تقارير الوكالة وجود تلوث نووي في مناطق غير معلنة من الجانب الإيراني، فردت إيران بعدم تسليم أفلام كاميرات الرقابة وبسحب الكاميرات من بعض الأماكن، كما كانت المفاوضات بين الولايات المتحدة بوساطة أوروبية قد توقفت تقريبًا.
وقد جاءت تصريحات كمال خرازي وكأنها التمهيد الأخير للإعلان عن امتلاك إيران للسلاح النووي سواء وضعنا في خانة التهديد المباشر، أو جرى النظر لما قاله ضمن ما يوصف بالغموض البناء.
سبق إعلان خرازي صدور تصريحات قاطعة الدلالة من قادة ومسؤولين إيرانيين كانت التمهيد لإعلان المسؤول الايراني، من الحديث بإن الضغط الغربي قد يدفع طهران إلى سلوك القط المحاصر، في إشارة للسعي لامتلاك السلاح النووي ردًا على ضغوط الحصار، إلى التأكيد على توفر إمكانية إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90 بالمائة، وهو ما يعني إنتاج السلاح النووي، فضلا عن أن إيران ستكون في المستقبل القريب من بين القوى العالمية.
وما كان متوقعًا من قبل المتابعين وجامعي المؤشرات السياسية في العالم، صدور ردود حادة على كلام خرازي، لكن لا رد، لا صهيوني ولا أمريكي ولا أوروبي ولا حتى عربي.
واصلت القيادات الصهيونية إطلاق تهديداتها الروتينية وكأن لا شيء جديدًا أو مختلفًا قد حدث في إعلان خرازي. تحدث رئيس أركان الجيش الصهيوني عن تسريع وتيرة إعداد الجبهة الداخلية خلال السنوات القادمة! وعن تدريبات وخطط وتوفير للأسلحة اللازمة لقصف البرنامج النووي الإيراني. وتحدث رئيس الوزراء الصهيوني عن تمسك الكيان بحق التصرف الكامل ضد البرنامج النووي الإيراني على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري.
أما الولايات المتحدة فقد نأت بنفسها وبدت كأنها دخلت في وضعية التأمل لمجريات قمة جدة والقمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية، وبدى أنها انشغلت بالإعلانات المتزامنة عن مرض الرئيس الأمريكي تارة بالسرطان وتارة أخرى بكورونا.
ولم تتابع أوروبا الحدث وبدت في وضع الغائب، ربما لانشغالها وإنهاكها تحت وطأة الضغوط الروسية من جهة والأمريكية من الجهة الأخرى، في ظل تواصل الحرب الروسية على أوكرانيا وضغوط أزمة الطاقة.
وفى الرؤية التحليلية لهذا الصمت الكامل، تتعدد الاحتمالات. أن تكون الأطراف المختلفة، قد رأت في إعلان خرازي مجرد كلام دعائي أو ادعاء لا أساس له، وأنه مجرد لعبة ضغط تفاوضية لا أكثر ولا أقل. لكن مثل هذا الاحتمال يصطدم بالأحاديث الصهيونية المتكررة منذ شهور عن اقتراب إيران من امتلاك القدرة على إنتاج السلاح النووي، أو أن تكون تلك الأطراف المعادية لإيران تتجهز للمواجهة، لكنها تخفي خططها ولا تريد لخصمها أن يشعر بالقلق لتسهل مباغتته، وهو احتمال لا مؤشرات فعلية عليه.
أو أن تكون تلك الأطراف في وضع لا يسمح لها بالرد، إذ ما قاله خرازي بمثابة إعلان حرب باتجاه المحيط، وتأكيد على حدوث تغيير حاسم في التوازنات الإقليمية، وربما الدولية أيضًا بحكم تحالف إيران مع روسيا والصين، وفي الأقل هو إعلان بانتهاء المفاوضات حول البرنامج النووي. إذن على ماذا سيجري التفاوض؟
وذلك يطرح إعادة تكرار سيناريو كوريا الشمالية.
وفى كل تلك الأحوال، فالقوى الوطنية والإسلامية في البلدان المحتلة “إيرانيًا” مطالبة بالنظر في تأثير هذا التطور على قدرة إيران على تثبيت أعمال احتلالها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى