أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

انتخابات أمريكا: معادلات تدخل دولية وانقسام داخلي

يقترب موعد انتخابات الكونغرس الأمريكي التي سيجري خلالها انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب “435 عضوًا” ونحو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ “34 عضوًا”.
وفي مثل تلك الانتخابات يتركز النظر تقليديًا على أرقام النتائج وتمثيل الحزبين الديموقراطي والجمهوري في المجلسين وعلى تأثير تلك النتائج على قدرة الرئيس على تمرير قراراته وإنفاذ سياسات الحزب الذي ينتمي إليه خلال العامين التاليين، غير أن هناك من ينظر للانتخابات المقبلة من زاوية أخرى تتعلق بتأثيراتها المباشرة والمستقبلية على حالة الانقسام الجارية والمتفاعلة داخل المجتمع الأمريكي منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2016، التي تمددت نتائجها في انتخابات عام 2020 إلى درجة دفعت نخبًا أمريكية بارزة ومؤثرة لإطلاق تحذيرات من تنامي الخطر والقلق المجتمعي بشأن اندلاع حرب أهلية في البلاد.
لن تجري متابعة الانتخابات القادمة بعد نحو 90 يومًا -وما سيليها من انتخابات رئاسية بعد عامين- من الزوايا المعتادة في الديموقراطية الأمريكية، سيكون الأمر مختلفًا هذه المرة.
سيجرى التركيز على ما سيظهر خلال مراحلها الإجرائية من تأثير على حالة الانقسام المجتمعي خاصة على صعيد الصراع القيمي والانقسام الجغرافي- السياسي في البلاد، على صعيد مؤشر الثقة في أجهزة الدولة الفيدرالية
كما سيكون التدخل الدولي في الانتخابات عنوانًا أشد بروزًا من كل انتخابات سابقة.
في جانب نتائج الانتخابات وتأثيراتها على إدارة جو بايدن، فهناك تقديرات متواترة ترجح فقدان الديموقراطيين أغلبيتهم الهشة الراهنة في مجلس النواب كما ترجح انتهاء حالة التوازن العددي الحال في مجلس الشيوخ، لمصلحة الجمهوريين أيضًا، وهو ما يعنى أن العامين الباقيين لبايدن في البيت الأبيض سيشهدان صراعات حادة يزيد منها النظر للانتخابات المقبلة كجولة تحضيرية للانتخابات الرئاسية التي يعتبرها أبرز تيارات الحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب، حاسمة في تحديد توازنات السيطرة بين فئات المجتمع دينيًا وعنصريًا، وفي تحديد توجهاته المستقبلية تلك التقديرات بفوز الجمهوريين مبنية على مؤشرات ودلالات إحصائية لاستطلاعات الرأي التي تظهر تدهورًا حادًا في شعبية بايدن، بسبب إخفاقات إدارته، حيث ارتفع معدل التضخم وزادت أسعار المحروقات. وهناك زلات لسان الرئيس وأخطاؤه التي تنم عن تدهور قدرته السلوكية كرئيس، وهي تقديرات مبنية أيضًا على ما هو معتاد من تصويت الناخب الأمريكي ضد حزب الرئيس بعد عامين من توليه الحكم لكن الجانب الأهم وما سيكون موضع ترقب ومتابعة هو ما ستظهره الانتخابات بشأن مؤشر الانقسام المجتمعي. فهي الانتخابات الأولى بعد الانتخابات الرئاسية عام 2020، التي شهدت ما لم تشهده الولايات المتحدة من قبل، حيث اتهم الرئيس ترامب “وقتها” أجهزة الدولة بتزوير النتائج لمصلحة المرشح بايدن. وحيث احتشد مناصرو ترامب حول مبنى الكونغرس وتمكنوا من اقتحامه محاولين منع إقرار فوز الرئيس الحال، جو بايدن، وتلك أحداث لم تنته توابعها وتأثيراتها على المشهد المجتمعي في الولايات المتحدة، بعد، بل أعيد تجديد الخلاف حولها مؤخرًا.
لقد أعاد اقتحام “اف بي آ” منزل ترامب طرح قضايا الانقسام مجددًا، هاجمت مجموعات من “اف بي آ” منزل الرئيس السابق ترامب لاستعادة وثائق رسمية، كان قد أخذها معه من البيت الأبيض يوم انتهاء مدة رئاسته فخرج ترامب ليتهم إدارة بايدن بتحريكها لشن هذه الغارة تمهيدًا لإصدار قرار قضائي بمنعه من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة. وخرج بعض أنصاره مسلحين وتظاهروا منددين باقتحام منزل ترامب.
والبادي أن البلاد تنزلق نحو انقسامات أخطر من حالة الاختلاف والصراع حول الكراسي، وهو ما دفع كاتبًا مثل توماس فريدمان، للدعاء إلى الله بأن لا يعود ترامب إلى الرئاسة وأن يحدث انقسام داخل الحزب الجمهوري، اتقاءً لأخطار الانقسامات المتفاقمة داخل المجتمع الأمريكي لا بين النخب السياسية فحسب.
أحد مؤشرات الخطر، ما جرى من انقسامات عميقة بشأن قرارات المحكمة الدستورية العليا. وهي انقسامات تجري حول منظومات القيم التي توحد المجتمع وحول المؤسسات الفيدرالية. كان الأشهر في قرارات المحكمة ما صدر بصدد الإجهاض وما تلاه من انقسام في المواقف بين الولايات الأمريكية، بين من يبيحه ومن يمنعه، بما كشف عن صراع جغرافي واجتماعي وحزبي على الصعيد القيمي والمفاهيمي.
وما يزيد أجواء الانتخابات تعقيدًا، أنها لم تعد انتخابات داخلية خالصة وأنها ستكون عرضة بشكل واسع لتدخلات خارجية متعددة.
وإذا كان حضور ترامب ونشاطه يشكل عودة للحالة التي جرى الحديث عنها مطولًا وصدرت بشأنها تحقيقات واتهامات بحدوث تدخل روسي لمصلحة ترامب في انتخابات عام 2016، فالآن يبدو مجال التدخل الخارجي أشد احتمالًا للرد على تدخل الولايات المتحدة في الشأن الداخلي في روسيا والصين ويلفت النظر هنا، ظهور أحاديث وتحليلات حول معادلات دولية جديدة.
تشير بعض الكتابات إلى تصريح بايدن الذي أشار فيه إلى إطاحة فلاديمير بوتن من الحكم، وترى أن بوتن سيرد بالتدخل ضد الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية وضد إعادة انتخاب بايدن. وهناك أحاديث أخرى حول احتمالات فرض الصين معادلة داخل-داخل مع إدارة بايدن.
تقول المعادلة الجديدة إن تدخل إدارة بايدن في الشأن الداخلي الصيني عبر قضية تايوان سيترتب عليها تدخل الصين في الشأن الداخلي الأمريكي عبر التأثير في الانتخابات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى