أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

ماذا بعد تلويح بوتين بسيفه النووي؟

جاءت تهديدات الرئيس الروسي بوتين باستخدام السلاح النووي لتغلق باب التفاوض بشأن شرقي أوكرانيا ومقاطعتي خيرسون وزباروجيا، لتؤكد على التحول إلى فرض الأمر الواقع، تحت حماية السلاح النووي
وجاءت إعلانًا بنهاية تعامل روسيا بالسلاح التقليدي مع الهجوم الأوكراني بدعم من حلف الأطلسي، وفق خطة رفع قدرة تقنيات أسلحة الجيش الأوكراني خطوة خطوة، والتحول إلى حالة التهديد باستخدام أسلحة الحسم الاستراتيجي وبأن روسيا لن تقبل باستمرار خطة استنزافها.
معادله استراتيجية جديدة تفرضها روسيا في ساحة المعركة على الأراضي الأوكرانية المحتلة، يبدأ تطبيقها عقب انتهاء الاستفتاء على الانضمام لروسيا، واستكمال الإجراءات الدستورية الروسية بإتمام الانضمام.
لقد جاءت تهديدات بوتين وبعده ميدفيدف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، متزامنة مع الإعلان عن إطلاق الاستفتاء في شرقي أوكرانيا ومقاطعة زابورجيا وخيرسون، للانضمام لروسيا، وما يعني أننا على بعد أيام من انتقال الموقف الروسي رسميًا، من الاعتراف بكيانات مستقلة في شرقي أوكرانيا، كما حدث قبل الإعلان عن إطلاق الحرب في أوكرانيا، والدفاع عن مواطنين روس يتعرضون للاضطهاد في تلك الكيانات، إلى اعتبار تلك الأراضي روسية، ينطبق عليها ما ينطبق على كل أراضي روسيا.
وسيجري اعتبار المعارك الجارية في تلك المناطق والهجوم الأوكراني لاستعادتها هجومًا على الأراضي الروسية، تنطبق عليه مبادئ العقيدة النووية الروسية من الآن فصاعدًا.
ولذلك فالقادم خطير للغاية!
يمكن القول، إن التهديد الروسي الحالي باستخدام السلاح النووي، يمثل تكرارًا للتهديد الذي أطلقه بوتين قبل بداية العمليات العسكرية ضد أوكرانيا. أي تهديدًا وتصعيدًا لمنع التصعيد من الطرف الآخر.
كان التهديد الأول قد جرى متزامنًا مع اعتراف روسيا، بانفصال إقليمي لوغانسك ودونييسك وتكوينهما ما يسمى جمهوريتين مستقلتين، وقبل إطلاق الأعمال العسكرية الروسية ضد أوكرانيا تحت عنوان، حماية جمهوريات تعترف بها موسكو.
وكان مفهومًا وقتها، أن التهديد الروسي بالتعبئة النووية، قد استهدف منع توسع الحرب، أو كان تهديدًا استباقيًا لوضع حدود للمعركة التي كانت على بعد ساعات من إطلاقها. كان تهديدًا لمنع تدخل حلف الأطلسي في المعارك العسكرية على الأرض الأوكرانية. وكان مفهومًا أنه تهديد ناتج عن تفوق القوات التقليدية لحلف الأطلنطي على نظيرتها الروسية.
لكن التهديدات الجديدة تأتي في وضع مختلف وتطرح أسئلة خطره للغاية. صحيح أن روسيا طمأنت مختلف الأطراف حين أعلنت عدم حدوث تغيير في العملية العسكرية في أوكرانيا تزامنًا مع إطلاق التهديد، وعن أن إعلان التعبئة بالجيش الروسي ليس مقصودًا منه التوسع باتجاه أراض أوكرانية جديدة. وأن المقصود من استخدام السلاح النووي، هو للدفاع لا الهجوم. وصحيح أيضًا، أن روسيا قصدت التصعيد لمنع التصعيد مجددًا. وأنها ترسل رسالة واضحة لوقف الهجوم المعاكس الذي بدأ من خاركيف ومنع تمدده باتجاه المناطق الأخرى. وأن بوتين كان محددًا للغاية في إطلاق تهديده، إذ لم يتطرق في خطاب التهديد لفك الحصار عن صادرات روسيا كما لم يشر لرد عسكري على الحرب الاقتصادية ولا الرد على مصادرة أموال روسيا أو تجميدها في الدول الغربية،
لكن تلك التهديدات صدرت في ظل معركة عسكرية جارية بالفعل، وبشأن أراض ما يزال بعضها تحت السيطرة الأوكرانية، ويقوم الجيش الروسي بعمليات عسكرية للسيطرة عليها. وهي تهديدات صدرت، فيما الجيش الأوكراني في موضع الهجوم في بعض تلك المناطق التي يشملها الاستفتاء التي ستعتبرها الحكومة الروسية جزءًا من أراضيها بعد أيام. وكذاك لأن الجيش الأوكراني ما يزال قادرًا على إيصال قذائفه إلى داخل بعض مدن المناطق التي يشملها الاستفتاء.
والأخطر أن منطقة زابورجيا التي سيجرى ضمها لروسيا، مقامة على أرضها مفاعلات نووية لا تزال مواقعها تشهد أعمالًا عسكرية!
وهو ما يطرح التساؤلات عن تطبيق هذا التهديد على تلك الأراضي بعد انتهاء الاستفتاء وإعلان ضمها للأراضي الروسية، وكيف سيجري ذلك وهي لا تزال تشهد عمليات عسكرية.
ليس الأخطر في التهديدات الأخيرة، أنها جاءت متزامنة مع الإعلان عن التعبئة، بغض النظر عن كونها جزئية أو تامة، فالتعبئة إعلان واضح بتوسع الأرض الروسية وحاجة الجيش الروسي لتعزيز قواته أو توسيع عددها بعد توسع مساحة الأراضي.
الأخطر، أن بوتين يقول بوضوح، إن ضم تلك الأراضي قرار نهائي، وإن ما ينطبق على الأراضي الروسية ينطبق عليها والهجوم عليها، يشكل اعتداءً على الأراضي الروسية، ويمكن استخدام السلاح النووي للدفاع عنها، وإن التهديدات السابقة، لم تمنع الغرب من تسريع وتيرة المساعدات لأوكرانيا ولم يوقف مدها بأسلحة متطورة بشكل متصاعد ما أدى لاستمرار وتصعيد المعركة. وأن مؤشرات الموقف الغربي من التهديدات الروسية تبدو غامضة.
رد الفعل الغربي بدا وكأنه لا يأبه ولا يقيم وزنًا ولا يبدي حتى انزعاجًا من التهديدات الروسية !
لقد ركزت الدول الغربية تعليقاتها وردود فعلها، للتأكيد على أن التهديد الروسي يأتي بسبب الشعور باليأس بعد الهجوم الأوكراني على خاركيف!
هل أراد الغرب عدم حدوث حالة هلع في مجتمعاته؟ أم إن هذا هو تقديره الفعلي لتلك التهديدات؟ أم إن هناك شيئًا آخر غير معلن؟
أيام قلائل ويتضح ما يجري بأبعاده الكاملة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى