أخبار الرافدين
د. فارس الخطاب

ما الجديد في تقرير بلاسخارت؟

في الرابع من الشهر الجاري، قدمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت إحاطتها لمجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في البلاد. ولعل المفردات التي استخدمتها بلاسخارت في نص إحاطتها هي التي شكلت الفارق الوحيد بين هذه الإحاطة والإحاطات السابقة؛ فقد كانت بعض كلماتها وتوصيفاتها شديدة المباشرة والوضوح لكنها من جهة أخرى كرست مفهوم الأمر الواقع فيما يخص حصر الحلول بيد أرباب العملية السياسية في تناقض واضح مع نصوص أخرى بذات الإحاطة تؤكد فيها فقدان ثقة الشعب العراقي كافة بكل الطيف السياسي القائم.
وبالرغم من كل ما قيل عن تقرير الإحاطة الأخير لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة نقدًا أو استخفافًا؛ فإنه من زاوية أخرى يشكل تطورًا ملحوظًا في طريقة طرح قضية العراق ليس لمجلس الأمن الدولي فحسب، بل للعالم بأجمعه، فنسبة لا يستهان بها من هذا العالم تغيب عنهم حقيقة الأوضاع في العراق، بل إن بعضهم يرى أن العملية السياسية في العراق هي نتاج “الديمقراطية الجديدة” في هذا البلد، وناقدوها هم من الذين يريدون عودة الدكتاتورية أو ممن هم متعاطفون مع تنظيمات إرهابية كتنظيم داعش الإرهابي ومن قبله تنظيم القاعدة الإرهابي وغيرها من القناعات المتأثرة بماكنة الإعلام الأميركي، إضافة إلى بعض أبناء شعبنا الذين تأثروا وبحدود متفاوتة بالمخاوف الطائفية بشكل ممنهج من قوى بعينها في العملية السياسية وبتنسيق مع إيران.
إن العالم، وحتى المتوافق مع أرباب العملية السياسية، قد توقف طويلًا أمام نصوص شديدة الوضوح في تقرير بلاسخارت، وعلى سبيل المثال قولها “لا جدال في أن هذه التطورات المأساوية هي نتيجة لعدم قدرة الطبقة السياسية في العراق على اتخاذ إجراءات فعالة… وبتعبير آخر: لقد أخفقت الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول. لقد تركوا البلد في مأزق طويل الأمد، ما زاد من تصاعد الغضب المتأجِّج أصلًا.” والنتيجة هي بقاء “الوضع شديد التقلب” وأيضًا قولها إن “خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه. ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذا سوى إلى تفاقم مشاكل العراق”.
هذه النصوص وسواها أعطت رسائل واضحة عن قناعات الشعب العراقي بالطبقة السياسية الحاكمة.
ربما يكون من اللافت للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبقية الأعضاء المشاركين ضمن دورته الحالية أن يسمعوا عن العراق ببعض التفصيل والوضوح ما تسترت عليه واشنطن ولندن وباريس وسواهم طيلة عشرين عامًا؛ حكومات متعاقبة نتاج عملية سياسية رهينة قرارات أمريكية- إيرانية قالت عنهم بلاسخارت “إن النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي ويمثل الفساد المستشري سببًا جذريًا رئيسًا للاختلال الوظيفي في العراق”، كما نقلت صورة عن ثورة تشرين 2019 صورة مركزة أكثر منها إنشائية، صورة فيها ضحايا وتركت لأعضاء مجلس الأمن تصور أي سياسيين يقودون العراق وأي حكومة تطلق العنان لمليشيات لكي تقتل شعبها “المظاهرات شكلت حراكًا على مستوى لم يسبق له مثيل، وتحولت إلى مأساة. لقي عدة مئات من العراقيين حتفهم، وأصيب عدد أكبر بجروح خطيرة، أو اختطفوا، أو تعرضوا للتهديد أو الترهيب”.
وفي موضوع لم تجرؤ الحكومات العراقية الهزيلة على طرحه بقوة سواء داخل أروقة مجلس الأمن أو جامعة الدول العربية، وهو موضوع الاعتداءات والتجاوزات التي تنتهك سيادة العراق من بعض دول الجوار، فقد كانت بلاسخارت حازمة في توصيفها بالقول “إن القصف في شمال العراق يمضي لأن يصبح الوضع الطبيعي الجديد”. وعن الهجمات الإيرانية تحديدًا، قالت “يجب أن تتوقف هذه الأفعال الطائشة ولا ينبغي لأي جارٍ أن يتعامل مع العراق وكأنه باحته الخلفية”.
صحيح أن إحاطات بلاسخارت طيلة فترة عملها في العراق كانت مجرد “هواء في شبك” وربما كانت من الضعف وعدم التصويب ما جعل الكثير من العراقيين يشككون في صدقية ونزاهة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، لكن ما يهمنا الآن أن الإحاطة الأخيرة كانت نقطة ضوء في مسيرة هذه السيدة خلال عملها في العراق وأن الكثير من الباحثين والكتاب والمنظمات ستعتمد بعض فقرات تقريرها للاستدلال على فساد وتبعية وجرمية القائمين على العملية السياسية في العراق والمشاركين فيها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى