أخبار الرافدين
طلعت رميح

الصاروخ الضال.. يكشف المستور

جاء سقوط صاروخ مجهول الهوية في الأراضي البولندية، ليكشف عن طبيعة وحدود مواقف مختلف الأطراف المشتبكة في الصراع والحرب في أوكرانيا.
بات واضحًا الآن أن روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، في غاية الحرص على إبقاء خطوط تواصل دائمة بينهما، لمنع اندلاع الحرب نتيجة حادث عرضي غير مقصود. كما كشفت أزمة الصاروخ جانبًا مما يجري خلف الكواليس لتهيئة الأجواء لبدء مفاوضات إنهاء النزاع أو لوقف القتال على الأقل. ويمكن القول، إن ما صدر من مواقف أوكرانية خلال أزمة الصاروخ، قد خلق فجوة سياسية لتدفق الضغوط الأمريكية والأوروبية على أوكرانيا، لدفعها للتفاوض مع روسيا.
لقد أوضحت أزمة الصاروخ الضال، دقة رسم معادلات الصراع وشدة ضبطها، بين روسيا والناتو، وربما دقة إدراك الغرب لجدية تهديد بوتن بالسلاح النووي.
وفى القصة أن صاروخًا، وقيل صاروخين، سقط على أراضي بولندا قرب الحدود مع أوكرانيا، وهي عضو في حلف الناتو، الذي قال بايدن مرارًا وتكرارًا إن بلاده ستدافع عن كل شبر من أراضي أعضائه وأن العالم وجه فوريًا برواية موحدة من كل من بولندا وأوكرانيا وانضمت لهما دول البلطيق، تتهم روسيا بالقصف المتعمد، وتلح على ضرورة الرد.
أطلق الرئيس الأوكراني اتهامات فورية وقاطعة ضد روسيا بالقصف العمد. وبادرت وزارة الخارجية البولندية باتهام روسيا، واستدعت السفير الروسي في وارسو. كما أعلنت بولندا رفع درجة التأهب في وحداتها العسكرية.
لقد تحركت بولندا بفزع وشطط متصاعد، إذ أعلنت حكومتها أنها تنظر في تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو التي تتيح لأي دولة عضوه طلب إجراء مشاورات طارئة في حالة تعرضها للتهديد.
وسرعان ما تحدث الإعلام الأوكراني عن ضرورة تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تنص على أن أي هجوم على طرف في الحلف، هو هجوم على جميع الأعضاء. حبس العالم أنفاسه. ولم يوقف هذا التصاعد سوى خروج الرئيس الأمريكي المشارك في قمة العشرين، ليقول إن التقديرات الأولية تشير إلى أن الصاروخ أوكراني.
كان واضحًا في نفى رواية أوكرانيا وبولندا.
وجاءت رواية أمين حلف الناتو مطابقة للرواية الأمريكية. وهكذا أجمع الناتو وروسيا، على رواية واحدة، إذ كانت وزارة الدفاع الروسية، قد نفت شن ضربات صاروخية على الأراضي البولندية.
تراجعت بولندا فورًا وانحازت للرواية الأمريكية. وقال الرئيس البولندي إنه لا يوجد أي دليل على أن حادث سقوط الصاروخ أو الصاروخين على الأراضي البولندية، كان هجومًا متعمدًا ولا أدلة على أنه أطلق من قبل روسيا.
وعاد العالم للتنفس، لكن بقلق، إذ ظل الرئيس الأوكراني مصرًا على روايته. قال ليس لدي أدنى شك أنه ليس صاروخنا، لكنه نسب التقدير إلى تقارير قيادة القوات المسلحة والقوات الجوية الأوكرانية، ما استدعى خروج الرئيس الأمريكي مجددًا، ليشد أذنه علنا. قال بايدن لا دليل على أن الصاروخ الذي سقط في بولندا ليس أوكرانيًا. وظهر وزير الدفاع الأمريكي ورئيس هيئة الأركان ليؤكدا أن الصاروخ أوكراني وليس روسيًا.
كان العالم على بعد خطوة من الدخول في المجهول لكن الحدث كان إيجابيًا بقدر ما كان كاشفًا.
لقد ظهر جليًا ضبط الأطلنطي لنفسه، وكذا روسيا. وظهرت إشارات على وجود تواصل إستراتيجي بين العسكريين في روسيا والحلف، وهو ما تأكد من امتناع أمين عام حلف الناتو عن الإجابة عن سؤال صحفي بهذا الشأن.
كما أظهرت الأزمة أن الولايات المتحدة وروسيا أقرب في رؤيتهما، على اختلاف الأسباب، لضرورة وقف إطلاق النار في أوكرانيا، على الأقل في هذه المرحلة.
رئيس هيئة الأركان الأمريكية شرح الأمر بوضوح في وجود وزير الدفاع، حين تحدث عن أن الجيش الأوكراني لن يستطيع تحقيق أكثر مما حققه في الوقت الراهن وأن الظرف مناسب للحل السياسي، بعدما تمكن الجيش الأوكراني من طرد القوات الروسية من خاركيف ومن نحو 30 بالمائة من أراضي مقاطعة خيرسون.
وإذ أظهرت الأزمة وجود تباين في النوايا داخل الناتو، فقد أظهرت توازنًا بين أطرافه، إذ حذرت تركيا وألمانيا وفرنسا على الفور من التسرع، في مواجهة دفع بولندا ودول البلطيق –في البداية- لحرب روسيا.
وألقت الأزمة وتفاعلاتها ظلالًا حول الموقف الأمريكي من الحكم في أوكرانيا أو هي زادت من مساحة الظلال التي كانت قد ظهرت للعلن حين تحدث الرئيس الأمريكي علانية بأن بلاده لن تمنح أوكرانيا نوعيات الأسلحة التي طلبها الرئيس الأوكراني. وقد تحدث الإعلام الأمريكي عن تجاهل الرئيس الأمريكي الرد على اتصالات الرئيس الأوكراني.
واتضحت الفجوة أكثر برفض بولندا إشراك أوكرانيا في التحقيقات الأمريكية البولندية الخاصة بالصاروخ.
كما كشفت عن بوادر خلافات بين الرئيس الأوكراني وقيادة جيشه، وأنه ليس قادرًا على أخذ الموقف السياسي التفاوضي المطلوب منه أمريكيًا وأوروبيًا، لوجود صقور في الجيش الأوكراني، لكن المخاطر تزايدت في الوقت نفسه.
فحين تتحدث بعض الدول الغربية عن منح أوكرانيا أجهزة تشويش على الصواريخ الروسية، فذلك يعني أن صواريخ أكثر ستضل طريقها مجددًا، باتجاه دول الناتو المجاورة لأوكرانيا، ولذلك لا حل لكل تلك التعقيدات، سوى بوقف القتال.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى