أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الدكتور رأفت المصري: طلب العلم مسلك النخب التي تريد أن تُغّير المجتمعات

مجلس الخميس في هيئة علماء المسلمين يستضيف المشرف العام على مؤسسة "مدارج" في محاضرة عن تدبّر القرآن الكريم ووقفات مع سورة العلق.

عمان- الرافدين
شدد المشرف العام على مؤسسة “مدارج” في الأردن الدكتور رأفت محمد المصري على أن الإنسان لا يزال يتعلم من كتاب الله تعالى وكلامه شيئًا فشيئًا، إلى أن يلقى ربّه؛ لأن طلب العلم مهمة عُمُرية، لا تتوقف متى ما كان للإنسان نفس، مستشهدًا بمقولة الإمام أحمد بن حنبل حينا سُئل عن المحبرة التي كان يحملها معه دائمًا، فقال “مع المحبرة إلى المقبرة”.
ولفت المصري الباحث في التفسير والدراسات الإسلامية والفكرية، في محاضرة بعنوان “وقفات مع سورة العلق” بمجلس الخميس في ديوان هيئة علماء المسلمين في العراق، إلى أن هذا مسلك العقلاء، والعلماء، والمثقفين، والنخب التي تريد أن تُغّير في المجتمعات وتقودها نحو الحياة الأفضل.
وتحدث المشرف العام على مؤسسة “مدارج” في مستهل محاضرته التي ألقاها مساء الخميس الثاني والعشرين من كانون الأول في مقر الهيئة في العاصمة الأردنية عمان، عن بدء الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث نزلت الآيات الأولى من سورة العلق، مستشهدًا بالحديث الذي رواه الإمام البخاري في باب بدء الوحي في صحيحه، ومعلقًا عليه بالبيان والشرح والاستدلال.
واهتمت المحاضرة ببيان بلاغة القرآن الكريم التي تضمنت وجوهًا بديعة، حيث اتصف كلام الله تعالى ببلاغة جعلت من هذه الآيات نوعًا آخر من الكلام لا يعرفه البشر.
وأشار المحاضر في هذا السياق إلى أن العرب في ذلك الوقت على قوة ما أوتوه من مَلَكة لغوية؛ استصغروا أنفسهم أمام هذا الكلام، ولم يسجل التاريخ أن أحدًا حاول معارضة القرآن الكريم، أي أن يأتي بمثله ونجح، رغم أن القرآن الكريم تحدى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بسورة من مثله؛ فلم يستطيعوا؛ لأنهم أدركوا أن هناك فرقًا كبيرًا بين الكلام الذي يتكلمون به وبين مستوى القرآن الكريم.
وبيّن الدكتور رأفت المصري أن النص القرآني في سورة العلق ولا سيما الآيات الخمس الأولى منه، مليء بالعجائب، وبالمعاني، موضحًا أن هذا النص عبّر عن القراءة والعلم وأدواتهما، وأن هذه الآيات هي بمثابة عنوان لرسالة النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” إذ إن هذه الرسالة الإسلامية التي جعلها الله تعالى خاتم رسالاته إلى البشر، هي رسالة علمية مبنية على القراءة وعلى القلم وعلى الاستزادة من العلم، مشيرًا إلى أن من لطائف الأقوال في هذا المقام إن الله عز وجل لم يأمر عبادة بأن يسألوه الاستكثار من شيء إلا من العلم، وذلك في قوله تعالى “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”.
وأكّد على أن الإنسان إذا ازداد علمًا ازداد من كل خير، حيث تأتي بعد العلم كل من العبادة والعمل، والتقوى، والجهاد في سبيل الله، والنفقة وغير ذلك؛ منوهًا بأن أدوات تحصيل العلم التي نصت عليها آيات سورة العلق؛ هي القراءة، والقلم، وهما المفتاح الذي يستدل به الإنسان إلى العلم بوصفه غاية تؤدي إلى غاية أكبر منها، وهي معرفة الله تعالى وخشيته، ولذلك قال الله تعالى “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ”، وقال في أعقاب الحديث عن هذه الجزئية “إن الإنسان إذا تعلم حق التعلّم، وصل إلى خشية الله تعالى، ووقع في قلبه قَدْر الله عز وجل، وأن مَن عرف الله وتعلّم قَدْره؛ لا شك أنه سيخشاه ويُجلّه، ويحبه؛ فيعبده حق عبادته، ويضحي ويبذل لأجله، وهذه معادلة منطقية جدًا”.
وتناولت محاضرة أمسية مجلس الخميس، جوانب لغوية في آيات سورة العلق؛ ومنها ما أشار إليه الدكتور رأفت المصري بقوله إن الفعل “اقرأ” الذي استُفتح به القرآن الكريم أول النزول؛ فعل متعدٍ يحتاج إلى مفعول به، ولكن الملاحظ في هذه الآيات أن المفعول محذوف؛ والسر في ذلك؛ لنقدّر ما ينبغي أن نقرأه، ولا شك أن أول ما ينبغي أن يُقرأ أو أن يقدر مقروءًا هو القرآن الكريم.
وتناول المحاضر جملة من المقاصد التي اشتملت عليها السورة الكريمة، والاستنباطات العملية التي يتضمنها السياق؛ وتقود إلى إصلاح الإنسان نفسه، سواء بقراءة القرآن التي هي في حقيقتها شيء مختلف عن مجرد تحريك اللسان أو التزام الورد اليومي، أو بالعلم الذي يقود إلى معرفة من شأنها أن تُنجي الكثير من المسلمين في هذا العصر من مشكلتهم في التعامل مع القرآن الكريم والاقتصار معه على القراءة فقط، دون التدبر والفهم والعلم بدلالته والعمل بمقتضاه.
وعن مهارة التدبر والتفكير في آيات القرآن الكريم؛ أكّد الدكتور رأفت المصري، على أنها حَرِيّة بكل مسلم أن يعرفها ويتقنها ويتعامل معها، مستدلاً على ذلك بقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود (رض) “من أراد العلم فليُثَوّر القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين”، مضيفًا بأن القراءة التدبرية تعين على التفكر والنظر في الكون بما يقود إلى معرفة الله تعالى، ومحذرًا من طغيان الإنسان، حينما يشعر أنه غير محتاج إلى الله ومستغنٍ عنه، لأن هذا المرض يردي الإنسان إلى حيز الشقاء والسقوط.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى