أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل تكون حرب تايوان محدودة كما حرب أوكرانيا؟

يقف العالم على حافة الهاوية، تتواصل الحرب في أوكرانيا، تحت سيف التهديد النووي وتدق طبول الحرب حول تايوان، فيما تشير الوقائع الجارية، إلى مأزق يصعب الوصول إلى حل له، إلا بوقوع حرب، والأخطر أن احتمالات ضبط حدود تلك الحرب عند حدود الحرب المصغرة، وفق النموذج الأوكراني صعبة للغاية.
في أوكرانيا أصبحت المعادلة واضحة. المعادلة التي رسمت للصراع لم يتجاوزها الطرفان. لم تخرج وقائع الحرب كثيرًا عن الحدود التي رسمتها روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف الناتو وأوروبا من جهة أخرى، لا اشتباك مباشرًا.
كانت الخطوط الحمراء محددة منذ البداية، وحين جرى الاقتراب منها بخطوة من هنا أو هناك، كان تجري العودة إلى تلك الخطوط ومنع تمدد الحرب. وذلك لا يعني بطبيعة الحال انتفاء خطر اندلاع حرب كبرى، إذ الحرب هي الحرب.
لقد بات مؤكدًا أن أوكرانيا حرب مصغرة لتحقيق أهداف دولية كبرى، إذ يجري من خلالها تغيير التوازنات وتغيير نمط العلاقات بين روسيا والناتو وبين روسيا وأوروبا وبين الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا.
لكن الوضع في حال اندلاع حرب تايوان يصعب أن يكون كذلك.
السؤال الاستراتيجي المقلق بشأن معركة تايوان، هو ما إذا كان ممكنًا أن تجري وفق معادلة الحرب الأوكرانية إذ تتوفر عوامل ومعطيات تدفع للانزلاق والخروج عن السيطرة والتحول إلى حرب كبرى.
ما يمكن استخلاصه من تجربة حرب أوكرانيا، أن الدول الكبرى تدير الأمور بطريقة تتفادى وقوع حرب كبرى. بل يمكن القول بإن الدول الكبرى قد حددت إستراتيجياتها على أساس منع وقوع حرب كبرى.
وفي ذلك يمكن القول بإن العالم يعيش وقائع تجربة إستراتيجية نوعية. تجربة حرب صغرى بأفق أهداف حرب كبرى، تغير التوازنات الدولية.
فهل نكون أمام إدارة حربين صغيرتين متحكم فيهما، لتحقيق أهداف لا تتحقق إلا بحرب عالمية؟ هل تكون الحربان في أوكرانيا وتايوان بديلًا لحرب عالمية؟
الأمر بشأن تايوان معقد ويصعب التنبؤ بحدوده. والمعادلة التي جرى رسمها في أوكرانيا سيتوقف احتمال ضبطها في تايوان على وقوع حرب، لا تصل فيها الصواريخ إلى أراضي الصين حتى لا ترد الصين بقصف الأراضي الأمريكية واليابانية والكورية الجنوبية. فهل هذا ممكن؟
في تايوان توجد الولايات المتحدة في وضع مختلف إذ التصريحات الأمريكية تؤكد على حماية تايوان حال غزو الصين لها. في أوكرانيا كان وضع الولايات المتحدة والناتو واضحًا ولا يحمل اللبس. أوكرانيا ليست منضوية في حلف الناتو، وليس بينها وبين أي دولة من دول الناتو اتفاقية دفاع مشترك بل هي ليست عضو حتى في الاتحاد الأوروبي.
وضع اليابان في تلك المعادلة مختلف إذ ترى في تايوان جزءًا منها وسيطرة الصين عليها يعنى سيطرتها على أهم طرق التجارة بين اليابان والعالم الخارجي. ويتعقد المشهد أكثر بفعل الأهمية الاقتصادية لتايوان، بسبب الصراع والحرب التي لم تنته رسميًا بين الكوريتين.
في الأيام الماضية شهد الصراع تناميًا باتجاه الحرب. لقد طورت اليابان وضعها الإستراتيجي سواءً بالإعلان عن إستراتيجية جديدة للأمن القومي وتطوير جيشها على أساس أن الصين مهدد إستراتيجي خطير لليابان، كما وقعت اتفاقيات مع بريطانيا لوجود قوات كل بلد على أرض البلد الآخر.
وصار هناك ترقب لتصرف الصين خلال حركة صفقات السلاح الأمريكية لتايوان، فيما الصين تكاد تحاصر الدخول والخروج لتايوان. وهناك زيادة في طلعات الطيران الحربي الصيني في أجواء تايوان. ويزيد من تعقيدات الأمر، المناورات العسكرية المشتركة بين الصين وروسيا، ووقائع التحرش العسكري بين القوات الصينية والأمريكية، كما حدث من اقتراب طائرة عسكرية صينية من طائره عسكرية أمريكية إلى درجة الاصطدام، وفي قيام القوات الصينية بمرافقة مرور قطعة حربية عسكرية أمريكية للخط البحري الفاصل بين تايوان والصين، إذ تعتبر الصين تلك المياه خطًا يفصل بين ضفتين من الأراضي الصينية.
في تايوان يمكن أن تجري حرب مصغرة، تحقق من خلالها الولايات المتحدة قطع الطريق على تنامي قوة الصين، عبر إنهاء العلاقات الاقتصادية بين الصين من جهة واليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من جهة أخرى. وباندلاع مثل تلك الحرب تحقق الولايات المتحدة تعبئة شاملة في آسيا ضد الصين وتعمل على تحويل الشراكة بين الصين وأوروبا إلى وضع القطيعة على الأقل. وهي أهداف أهم لدى الولايات المتحدة من خسارة تايوان ذاتها.
ولذلك تسعى الولايات المتحدة للتبكير بالحشد والتعبئة العسكرية، وتعمل ما في وسعها لتصعيد الصدام.
وفي المقابل تسعى الصين لإحداث تغيير سياسي وشعبي في تايوان، وتعتمد إستراتيجية صبر إستراتيجي تقوم على عدم الإنجرار لمواجهة عسكرية مبكرة، الأخطر فيها تأثيراتها الاستراتيجية على قوة الصين ودورها الدولي، حيث تسعى بكين للوصول إلى لحظة إستراتيجية تجعل الولايات المتحدة مجبرة على إعادة حساباتها حتى في حال قيامها بغزو واحتلال تايوان.
لكن ماذا لو ضغطت الولايات المتحدة ونجحت في جر الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى حالة الحرب؟
هل نكون أمام تجربة حرب متحكم فيها كما حرب أوكرانيا وسط كل هذا التعقيدات؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى