أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين يندد بالصمت الدولي حيال تصفية المغيبين في العراق

حكومة محمد شياع السوداني لا يمكنها الخروج عن مسار الحكومات السابقة للاستمرار في إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب.

عمان- الرافدين
ندد تقرير خاص لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ بالصمت الدولي حيال اعتراف السلطات الحكومية في بغداد بتصفية المغيبين قسرا.
وذكر التقرير الذي صدر الخميس الثاني من شهر شباط، أنه في العراق الجديد لم تكتفِ الحكومات بارتكاب الانتهاكات المروعة بل راحت شخصيات بارزة مشاركة بالعملية السياسية تعترف بها علنًا ورسميًا من دون خجل ولا وجل.
وأكد على أن حكومة محمد شياع السوداني لا يمكنها الخروج عن مسار الحكومات السابقة، وبالتالي سوف تتفاقم ظاهرة إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب في العراق.
وأوضح “تقف السلطات الحكومية مكتوفة الأيدي تجاه هذا الملف، ولاسيما بعد أن أصدر رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي توجيهًا صريحًا نهاية العام 2020 لوزارة الداخلية بالكشف عن مصير المغيبين والمختطفين، الذي نُقل عنه قوله بهذا الشأن في أحد مجالس الوزراء (انسوا المغيبين)”.
وطالب قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين بضرورة مساعدة عشرات الآلاف من أهالي المغيبين قسراً في العراق، الذين ما يزالون ينشرون صورا لأقاربهم الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية ضد ما يعرف بتنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017 ويتحدثون عن معاناة أمهات وزوجات اعتقل أزواجهن وأبناؤهن، ولا يعرفون مصيرهم منذ ذلك الحين.
ولم يتم الكشف عن مصير أي مغيب في العراق، ولم تفلح اللجان المشكلة سابقا في الوصول إلى أي معتقل أو مكان يشتبه في أنه يحوي معتقلين أو مغيبين، لأن هناك معلومة غير معلنة لا يجرؤ أحد على البوح بها، وظل مصير المغيبين مبهمًا حتى قال رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي في مقابلة تلفزيونية بشأن عمليات التغييب القسري “يجب أن نُصارح الناس بحقيقتهم ونغير اسمهم أولاً إلى المغدورين وليس المغيبين: مغدورين فارقوا الحياة”.
وأضاف الحلبوسي في اعتراف رسمي صريح بأن جهات سياسية وميليشيات مسلحة معروفة قامت بتصفية المغيبين جسديًا “لأكون أكثر جرأة مع الناس الذين خسروا ذويهم وأبناءهم لا ينبغي أن يُستخدم الملف للقدح السياسي ومنح أهلهم أملاً بعودتهم، فهذا غير صحيح”.
وما تزال منظومة القضاء في العراق متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولين عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية.
ويحوي العراق أكبر عدد من الحالات الموثقة للاختفاء القسري في العالم، من دون أي تحرك رسمي يذكر لمعالجة هذا الملف المعلق منذ سنين طوال، وسط إهمال السلطات المعنية لأي شيء يمكنه ملاحقة ومحاسبة الجناة.
وتشير التقارير غير الرسمية إلى أن أعداد حالات الاختفاء القسري التي حدثت بعد 2014 تجاوزت 55 ألف حالة من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى ومناطق حزام بغداد وشمال بابل، ولكن لم تبلغ سوى 11 ألف عائلة عن فقدان ذويها خلال سبع سنوات، وتشير تلك التقارير إلى أن الكثير من الضحايا تمت تصفيتهم.


الدكتور مثنى حارث الضاري: تصريح الحلبوسي يمثل اعترافًا صريحًا بأن النظام السياسي القائم من قام بجريمة قتل المغيبين ومن سكت عنها ومن غطى عليها

ومنذ العام 2014؛ تلقى قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، مئات الشكاوى من عائلات المختفين قسرا بشأن تعرضهم لعمليات ابتزاز كبيرة، وبعض تلك العائلات أنفقت آلاف الدولارات مقابل وعود بصورة أو علامة تدل على أن أبناءهم لا يزالون على قيد الحياة، وأن من بين هذه الحالات امرأة دفعت 20 ألف دولار لقاء الحصول على صورة لابنها لتتأكد من أنه على قيد الحياة.
وخلال المدة الواقعة بين كانون الأول 2014 ونيسان 2017؛ وثق قسم حقوق الإنسان في الهيئة تغييب الآلاف من أبناء محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى ومناطق حزام بغداد وشمال بابل، بعد أن اعتقلتهم مليشيات الحشد ولاسيما مليشيات كتائب حزب الله والعصائب والخراساني، وجميع ضحايا الحالات الموثقة هم عرب سُنَّة، يعتقد ذووهم أن الإخفاء جرى بسبب هويتهم الدينية والعشائرية، التي تستخدمها الميليشيات الولائية في العراق للانتقام من أهالي المحافظات المستهدفة بذريعة مكافحة الإرهاب.
وسبق أن سلّط مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين الدكتور مثنى حارث الضاري الضوء على المسؤولية السياسية والقانونية التي يتحملها السياسيون ولاسيما رئيس مجلس النوّاب الحالي محمد الحلبوسي بشأن مقتل المغيبين على أيدي الميليشيات وأحزاب السلطة.
وقال الدكتور الضاري “تصريح الحلبوسي يمثل اعترافًا واضحًا وصريحًا بأن النظام السياسي القائم بكل أطرافه من قام بالجريمة ومن سكت عنها ومن غطى عليها طوال سنوات، بأنهم الميليشيات قد قتلوا أكثر من سبعة آلاف عراقي بدم بارد”.
وأكد على أن كلام الحلبوسي هو تصريح مسؤول لأن الشخص نفسه هو المسؤول عن هذا الملف، هو ومن معه كانوا يدّعون طوال السنوات الماضية، ولاسيما في حملات الانتخابات، أنهم يدافعون عن حقوق المغيبين وأنهم يسعون إلى إظهار حقيقة ما جرى لهم.
وطالب مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين الدكتور أيمن العاني باتباع الطرق القانونية لتجاوز المشكلات التي يواجهها الباحثون والحقوقيون للكشف عن مصير المغيبين.


الدكتور أيمن العاني: الأمم المتحدة تواصل التزام الصمت وتقف مكتوفة الأيدي لتحديد ومحاسبة الجهات المتورطة باغتيال المغيبين قسرا

وقال “هنا يقع العبء الأكبر على منظمة الأمم المتحدة وتحديدا اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، وهي هيئة يفترض أنها تتألّف من خبراء مستقلين، ولديها مهام وواجبات معروفة، ولاسيما أنها قد زارت العراق مرتين الأولى في عام 2015 والثانية في 2022؛ وقد أثبتت الزيارة الثانية عدم توفر حسن النية لدى الحكومات المتعاقبة، مع تأكيد استمرار وقوع الانتهاكات وعدم اتخاذ السلطات الإجراءات المناسبة لمحاسبة المرتكبين، والتأكيد أيضًا على عدم تشريع قانون واضح لتجريم هذا الانتهاك في القانون الوطني”.
وأضاف الدكتور العاني “على الرغم من تكرار الأمم المتحدة اهتمامها المعلن في تسليط الضوء على ملف المغيبين في العراق بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري من كل عام، ودعواتها المعلنة في كل مناسبة إلى إجراء تحقيقات مستقلة وفعالة لتحديد مصير الآلاف من المغيبين والمخفيين العراقيين، إلا أن المنظمة تواصل التزام الصمت وتقف مكتوفة الأيدي دون اتخاذ أي خطوة لتحديد ومحاسبة الجهات المتورطة باغتيالهم، بعد هذا الاعتراف الصريح بتصفية جميع المغيبين جسديًا”.
واختتم تقرير قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين بالإشارة إلى أنه بعد مرور أكثر من مائة يوم على تشكيل حكومة محمد شياع السوداني لم يسجل أي تقدم بأي ملف من ملفات حقوق الإنسان، ولاسيما ملف المغيبين والمخفيين العراقيين.
ويتبين للجميع أن تفاقم الواقع المرير لحقوق الإنسان في العراق يكذب كل هذه الوعود والتعهدات، التي لا تختلف عن وعود وتعهدات الحكومات السابقة التي تتحمل مسؤولية ما آل إليه الواقع الحقوقي في البلاد من خلال منحها الجهات المتورطة بالجرائم ولا سيما الميليشيات؛ نفوذًا وحصانة وقوّة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى