أخبار الرافدين
طلعت رميح

لماذا تتحرك الصين تجاه أزمة أوكرانيا الآن؟

أعلنت الصين اعتزامها طرح مبادرة لحل أزمة أوكرانيا. وهو تطور قد يمنع توسع حرب روسيا على أوكرانيا ويخفف من التخوفات باندلاع حرب نووية. وسواءً كان ما ستطرحه الصين الآن، هو “ورقة تحديد موقف” لإضعاف الهجوم والاتهام الأمريكي لها بمساندة روسيا أو ورقة تقدير موقف ومبادرة لقياس مواقف الأطراف المشتبكة، استعدادًا لتحرك تال، أو مجرد مبادرة تحريك للأحداث باتجاه آخر غير الحرب، فالتحرك الصيني يحمل حزمة واسعة من الأهداف متعددة الاتجاهات، بعضها يتعلق بمصالحها الاقتصادية وبعضها يرتبط بالعلاقات مع روسيا وأخرى تتعلق بتغيير التوازنات الدولية للأزمة.
تحرك الصين، يأتي بعد عام على غزو روسيا لأوكرانيا، اتضحت خلاله مختلف المواقف وظهرت حقيقة التوازنات. ويأتي بعد أن استعادت القوات الروسية زخم تقدمها، وتحقيقها سيطرة متنامية على مناطق شرقي أوكرانيا التي ضمتها روسيا لأراضيها. ويأتي فيما أطراف الحرب في مرحلة الإعداد لتصعيد كبير، ليس ظاهرًا فقط في إعلانات الطرفين بالاستعداد لهجوم كبير في الربيع، بل أيضًا بسبب تقديم الناتو أسلحة هجومية لأوكرانيا يمكنها أن تحدث تغييرًا في مجريات الحرب وتوسيع رقعتها الجغرافية. وكذا يأتي التحرك فيما الصين واقعة تحت ضغط إعلامي غربي كثيف يتهمها بالاستعداد لإرسال أسلحة لروسيا، وهو تهديد بالتعامل معها بصفتها طرفًا مشاركًا رسميًا في الحرب.
والصين تدخل باب حضورها الدولي بهذا التحرك وتسجل خروجها من شرنقة الصمت والابتعاد عن الانغماس المباشر في الصراعات الدولية للتركيز على تطورها الاقتصادي والتقني والعسكري.
الصين تبدأ التحرك كقطب دولي فاعل، إذ تطرح حلًا لأزمة تشتبك فيها بقية القوى الدولية الرئيسة في العالم، وهي تتدخل لمنع وقوع صدام مباشر بين روسيا والولايات المتحدة وأوروبا، وهي تتدخل بالحلول في صدام يجري بشأن إعادة بناء النظام الدولي القائم والانتقال من الهيمنة الغربية إلى فكرة وحالة تعدد الأقطاب.
كانت الصين تكتفي من قبل بإعلان مواقف دون انخراط مباشر في حل الأزمات والحروب، وهو ما تابعه العالم خلال العدوان الأمريكي على أفغانستان “على حدودها مباشرة” والعراق وخلال حروب الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية
تسجل الصين تحولًا في سياستها الخارجية، وهي لا تستهدف الحضور الدولي والظهور بمظهر القطب الدولي الفاعل فقط، بل تأخذ موقفًا هجوميًا وتقفز فوق أسوار المشكلات التي تحيطها بها الولايات المتحدة عبر أزمات تايوان واليابان والهند والفلبين. هي تحضر الآن في قلب أزمة تماس مباشر مع حلف الناتو، ردًا على زحفه بالتصريحات والحركة إلى محيط الصين، وهي خطوة أخرى بعد الحضور في منطقة النفوذ الأمريكي بالشرق الأوسط.
والصين تطور دورها بالانتقال من المقاعد الخلفية الداعمة والمساندة للقوة الروسية التي تلعب دور القوة المتقدمة في المواجهة مع الغرب، إلى لعب دور متقدم سياسيًا في المواجهة. هي تستهدف تطوير علاقتها مع روسيا التي صار وضعها على مفترق طرق، ويمكن القول إنها تتقدم خطوة باتجاه روسيا على ذات الطريق الذي سلكته الولايات المتحدة في علاقتها مع أوروبا مؤخرًا.
وتتحرك الصين لإنهاء الحرب بهدف استعادة حركة سلاسل توريدها التي انقطعت بفعل الحرب، وهي ضرورة بعدما تعافى اقتصادها وعاد للدوران بعد انتهاء أزمة كورونا ورفع حالة الإغلاق.
لكن على من تراهن الصين في تحركها؟ ومن تقصد الصين بمبادرتها حين تتحدث عن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والدخول في تسوية؟
لا يبدو منطقيًا القول، إن التحرك الصيني يراهن على تغيير الموقف الأمريكي فالولايات المتحدة لا تزال تواصل تصعيد الحرب ولم تستوف أهدافها الكلية بعد.
كما ليس لأحد أن يتوقع ترحيب الولايات المتحدة بدور صيني يجعل لروسيا حليفًا أو مساندًا متفاعلًا، وهي التي صممت إستراتيجيتها على عزل روسيا. كما أن الولايات المتحدة لا تريد للصين دورًا دوليًا ينافس دورها ويعيق أهدافها، وكذا، فإن العلاقات الصينية الأمريكية تتزايد المشكلات التي تواجهها يومًا بعد يوم وتتعدد ملفات خلافاتها. وقبل كل ذلك فالولايات المتحدة تتحرك منذ فترة طويلة لتعكير مياه العلاقات الصينية الأوروبية، فيما تتحرك المبادرة بالاتجاه العكسي.
إن كان هناك احتمال لرهان صيني على إمكانية الوصول مع الولايات المتحدة لنقطة التقاء لإيقاف المدافع في أوكرانيا، فليس هناك سوى احتمال أن يكون لدى الصين تقدير بشعور الولايات المتحدة بالإنهاك، أو أن بداية التحضير للانتخابات الأمريكية العام القادم، يفتح مساحة للتأثير على مواقف بايدن بسبب حظوظه المتراجعة.
وما هو مؤكد، أن بكين تراهن على مواقف أوروبا. الصين تحاول فتح مساحة حركة أمام أوروبا للتحرر من الضغط الأمريكي وتوفر فرصة لحركة من يتخوفون من انزلاق الأوضاع إلى حرب عالمية. وتراهن الصين على فتح مساحة أمام الاقتصاد الأوروبي للتنفس خارج الغرف الأمريكية، تريد الاستثمار في الخلاف الأمريكي الأوروبي بعد حزمة الدعم الحكومية للشركات الأمريكية التي وصفت بالكارثية على أوروبا، لتغيير اتجاهات حركة أوروبا بعيدًا عن المواقف الأمريكية. وهنا تأتي أهمية الإعلان عن موافقة 80 دولة على مبادرة الصين ودلالات ترحيب ألمانيا بدور صيني.
فهل تلتقط أوروبا الخيط الصيني؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى