أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

بروفسور عراقي لـ “الرافدين”: كلام الحسناوي عن أطباء فائضين عن الحاجة ينم عن جهل

رقي الخدمات الصحية في البلدان يقاس بعدد الأطباء مقابل نسبة المرضى الذين يخضعون للمعاينة السريرية يوميًا. فكلما قل عدد المرضى للطبيب الواحد كلما ارتفعت جودة الخدمة الطبية.

بغداد- الرافدين
وصف بروفسور عراقي تصريحات وزير الصحة في حكومة الإطار التنسيقي صالح الحسناوي بشأن العدد الفائض عن الحاجة من الأطباء، بانها تنم عن جهل مريع تصل إلى حد الحماقة وتمنح صورة سوداوية عن الواقع الصحي في العراق.
وقال البروفسور العراقي الذي يقيم في بريطانيا منذ سبعينات القرن الماضي وسبق وأن قلده الملك تشارلز، وساماً برتبة قائد في الإمبراطورية البريطانية، تكريمًا لجهوده الطبية، لا توجد في مفاهيم الصحة العالمية معادلة “أطباء فائضون عن الحاجة” لأن الهدف الأسمى هو الوصول إلى نسبة مقبولة من عدد المرضى لكل طبيب. فكلما قل عدد المرضى الذي يعاينهم الطبيب كلما ارتقى منسوب الخدمات الصحية.
وتساءل البروفسور في تصريحات لقناة “الرافدين” مفضلا عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية عمله الاستشاري في المستشفيات البريطانية، “هل يمتلك السيد الحسناوي نسبة لعدد الأطباء في العراق مقابل عدد المرضى”.
وعبر عن شكوكه بأن من يقود وزارة الصحة في العراق يجهل هذه المعادلة التي تعمل كل دول العالم للوصول إليها من أجل صحة شعوبها.
وأشار البروفسور إلى أن في بريطانيا التي تعرف من بين الدول المتقدمة في النظام الصحي، فأن هناك 47 طبيباً لكل 100 ألف مريض، وإذا عكسنا هذه النسبة على الواقع الصحي في العراق فسنصل إلى ما يمكن أن نسميه بالكارثة الصحية وهزالة تفكير الوزير الحسناوي.
وعادة ما يقاس رقي الخدمات الصحية في البلدان بزيادة عدد الأطباء مقابل نسبة المرضى الذين يخضعون للمعاينة السريرية يوميًا. فكلما زاد عدد الأطباء وقل عدد المرضى للطبيب الواحد كلما ارتفعت جودة الخدمة الطبية.
وتقاس جودة الخدمات الصحية بالمواعيد التي يحصل عليها المرضى فكلما كان الموعد قريبًا زمنيًا كلما تم السيطرة على الأمراض وانتشارها. وهذا يعتمد على تزايد عدد الأطباء.
وكان وزير الصحة في حكومة الإطار التنسيقي صالح الحسناوي، قد ذكر في تصريحات تلفزيونية بوجود فائض في عدد الأطباء والصيادلة يصل الى 50 بالمائة من العدد الإجمالي، مبينًا أن 55 بالمائة من الموازنة تذهب لصالح رواتب الموظفين.
وقال الحسناوي إن انتكاسة الوزارة في القطاع خلال العام الماضي كانت بسبب صرف أغلب الأموال التشغيلية لصالح الرواتب بسبب النقص ودفع رواتب الموظفين الجدد، مضيفًا أن المؤسسة الصحية بحاحة إلى عشرة آلاف ومثلهم أطباء أسنان إلا أن عدد الصيادلة تجاوز الـ 25 ألفًا فضلًا عن وجود 20 ألف طبيب أسنان.
يأتي ذلك في وقت تجمع التقارير الرسمية الحكومية والإعلامية على تردي نظام الرعاية الصحية في العراق.
وكشف تقرير لصحيفة واشنطن بوست أن العراقيين أصبحوا ضحية لنظام رعاية صحية مليء بالفساد والإهمال.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عراقيين سابقين وحاليين قولهم إنه “بعد عقود من الحروب والعقوبات الدولية التي ضربت القطاع الطبي، يقوم اليوم جيش من المحتالين بسرقة تطلعات العراقيين إلى حياة صحية”.
ولا تعاني وزارة الصحة نقصًا في المال. وبحسب ميزانية العراق لعام 2021، فقد تم تخصيص 1.3 مليار دولار على الأقل في السنوات الأخيرة لبناء المستشفيات. لكن لصوص الدولة وقادة الميليشيات يستحوذون على النسبة الأعلى من تلك التخصيصات.
وقال مسؤولون حاليون وسابقون، تحدثوا لواشنطن بوست، شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام، إن الفساد مستشر وإن “الأموال المخصصة لكل شيء، بدءًا من شراء الأدوية إلى بناء المستشفيات، يتم إهدارها من قبل مسؤولين ورجال أعمال، وأفراد من جماعات سياسية أخرى”.
ونقلت الصحيفة عن عاملين حاليين وسابقين في مستشفى سرطان الأطفال في البصرة قولهم إن الفساد المالي يحول دون شراء أدوية السرطان وصيانة الأجهزة الطبية الحيوية.
وقال موظفو المستشفى السابقون إن بعضًا من السياسيين “راقبوا عملية الشراء وسعوا لتأمين عقود لحلفائهم. وعندما حاول موظفو المستشفى خفض تكاليف العقد، تم الإبلاغ عن ذلك لممثلي الشخصيات السياسية القوية”.
وقال مسؤول سابق بالمستشفى “شعرت أنني كنت بين نارين. كنت أرغب في خدمة هؤلاء الأطفال، ولكن من ناحية أخرى، كنت أحارب الأشخاص الفاسدين الذين يريدون سرقة أموالهم وحياتهم”.
وأعرب عدد من المصابين بمرض السرطان في مقاطع مصورة أن “المشكلة الرئيسة عدم توفر العلاجات والأجهزة الحديثة مشيرين إلى غياب الدعم الحكومي بكافة أشكاله”.
وأكدوا أنه “لا توجد مستشفيات جيدة تستقبل المرضى ويتم إهدار الأوقات بإجراء التحاليل لأخذ العلاج، ولكن المفاجأة تكون عند وصول الموعد المحدد لنا عدم وجود الجرعة ويتم إخبارنا بوجوب شرائها من خارج المشفى”.
ولفتوا أن “سعر الجرعة خارج المستشفى بلغ مليون ومئتي ألف دينار عراقي إن وجدت وفي أغلب الأحيان يضطر المريض لشراء الجرعات العلاجية من الهند لعدم توفرها في البلاد”.
ويرى مراقبون أن “أمراض السرطان تنتشر في مختلف المحافظات العراقية بشكل كبير ولا توجد مستشفيات متخصصة كافية لذلك يضطر الكثيرون إلى مغادرة البلاد بحثًا عن العلاج”.
ويتساءل عراقيون عن أي فائض طبي يتحدث الحسناوي، عندما تتحول المستشفيات إلى مجازر وليس أماكن للعلاج.

صحيفة واشنطن بوست: العراقيون أصبحوا ضحية لنظام رعاية صحية مليء بالفساد والإهمال
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة الحالية عن وجود أكثر من 61 مشروعا متلكئًا يخص بناء المستشفيات منذ سنوات موزعة على أنحاء متفرقة من العراق.
وعلى الرغم من التصريحات المتكررة للوزارة الحالية والوزارات السابقة حول إتمام بناء وتجهيز المستشفيات إلا أن هذه المشاريع بقيت متلكئة في وقت يعاني فيه قطاع الصحة في العراق من نقص في المستشفيات والمعدات والطواقم الطبية التي فضل معظمها الهجرة خارج العراق بسبب تعرضهم للهجمات والتهديدات.
وكشفت هيئة النزاهة في العراق، عن تورّط وزارة الصحة الحالية في ارتكاب جرائم فساد بملف استيراد الأجهزة الطبية للدوائر التابعة لها في محافظتي النجف ونينوى عبر شرائها الأجهزة بأضعاف سعرها الحقيقي.
وأضافت هيئة النزاهة أن الأموال التي حددتها وزارة الصحة لتلك الأجهزة بلغت نحو 5 مليارات دينار، وأن الوزارة لم ترسل مبالغ الاستقطاعات الضريبية، لافتة إلى أن وزارة الصحة التي ينخرها الفساد ارتكبت مخالفات أخرى رافقت إبرام عقود شراء الأجهزة.
وتكاد الوعود الحكومية بإصلاح القطاع الصحي لا تجد لها أي صدى على أرض الواقع، فبعد تصريحات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني التي أطلقها بعد استلامه للسلطة بخصوص إصلاح الواقع الصحي المتردي في العراق، لم يتحقق أي تقدم.
وقال الدكتور وليد بريسم إن “ما يخصص من أموال للقطاع الصحي في العراق لا يصل ولا يستخدم بشكل صحيح للنهوض بالواقع الصحي المتردي في البلاد”.
وأضاف بريسم في تصريح لقناة “الرافدين” أن “بغداد فقط تحتاج إلى 71 مستشفى بحسب منظمة التطوير والتنمية الأمريكية الذي يؤكد أنه بسبب الفساد بات القطاع الصحي في العراق ينافس نظراءه في إفريقيا الفقيرة بعد أن كان قبلة الشرق الأوسط”.
ويؤكد الدكتور عرفان يونس الشمري أخصائي طب الطوارئ أن “المستشفيات الحكومية في العراق تحتضر بسبب نظام المحاصصة الذي تسبب بشلل مؤسسات الدولة وانعدام التنمية”.
وأشار الشمري في حديثه لقناة “الرافدين” بأن “تراجع الخدمات الطبية المستمر بالعراق حتى وصل من بين الأسوأ عالميًا جعلت العديد من العراقيين يختارون العلاج خارج البلاد بعد أن انعدمت ثقتهم بالنظام الصحي داخل العراق”.
وأضاف بأن “نحو 62 ألف مريض عراقي تعالج في مستشفيات الهند في عام 2022 فقط بسبب انعدام الرعاية الصحية والطبية داخل البلد”.
وشدد على أن “معظم المبالغ المخصصة للنهوض بالواقع الصحي أو لاستيراد الأودية تذهب لجيوب الفاسدين بسبب صفقات الفساد واستيراد أدوية غير نافعة أو ذات جودة أقل”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى