أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

سرطان الدم يقتل عراقيين بسبب الإهمال الحكومي وجشع شركة النفط البريطانية

حقل الرميلة في محافظة البصرة الذي تديره شركة "بريتيش بتروليوم" يقوم بحرق الغاز السام أكثر من أي حقل نفطي آخر في العالم.

البصرة- الرافدين

توفي الشاب العراقي علي حسين جلود البالغ من العمر 21 عامًا، بسرطان الدم في أول أيام عيد الفطر وقبل يوم واحد فقط من توجيهه سؤالاً عبر المنصات الرقمية إلى الاجتماع السنوي للمساهمين في شركة “بريتيش بتروليوم” المشرفة على حقل الرميلة النفطي في محافظة البصرة.
وكان علي يتحدى في سؤاله الرئيس التنفيذي للشركة البريطانية حول سبب استمرار شركته في تسميم مدينته بالتلوث، لدرجة أن السرطان منتشر بين الأهالي مثل الأنفلونزا. إلا أن إدارة الشركة لم تجد غير تقديم تعازيها لأسرة علي بعد وفاته.
ويعيش علي مع أسرته في منطقة تبعد بضع كيلو مترات عن حقل الرميلة النفطي، حيث يعاني السكان من اختناق دائم بسبب الغاز المنبعث من الحقول، الأمر الذي نشر أمراض السرطان بين المئات من الأهالي، وسط تجاهل وإهمال حكومي عراقي ولا مبالاة من قبل الشركة البريطانية المستثمرة للحقل.
وتساءل والد علي الذي توفي بسبب سرطان الدم المرتبط بالمواد الكيميائية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري “لماذا لم تستخدم شركة بريتيش بتروليوم أرباحها الهائلة للمساعدة في إنقاذ حياة ولدي”.
ووثق علي حسين جلود حياته في تحقيق مصور أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” والذي وجد مستويات عالية من الملوثات المرتبطة بالسرطان في حقل الرميلة النفطي المستثمر من قبل شركة “بريتيش بتروليوم”.
وقال الأب حسين جلود لهيئة الإذاعة البريطانية “إن حياة ابنه تمت التضحية بها بسبب الإهمال الحكومي ومن أجل أرباح الشركة الهائلة”.
وقال طبيب علي “من المحتمل أن يكون سرطان الدم ناتجًا عن مستويات عالية من التلوث في المنطقة التي يعيش فيها علي مع أسرته”.
وكشف التحقيق التلفزيوني أن المجتمعات العراقية التي تعيش بالقرب من حقول النفط، حيث يتم حرق الغاز في الهواء الطلق، معرضة بشكل كبير لخطر الإصابة بسرطان الدم.
وكشفت بيانات الأقمار الصناعية، أن حقل الرميلة في البصرة، هو أسوأ حقل نفطي من ناحية معدلات الانبعاثات الناتجة عن غاز الشعلة في العالم كله. وغاز الشعلة ليس فقط مصدر مهم لانبعاثات الغازات التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري، بل إنه مسؤول عن انبعاثات البنزين النفطي الذي يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان خاصة سرطان الدم عند الأطفال.
وأكد عشرات الأشخاص الذين يعيشون في تجمعات مختلفة بالقرب من حقول نفط، مثل حقل الرميلة، أن لديهم قريبًا أو صديقًا يعاني من مرض السرطان وغالبا سرطان الدم.
ووجد تحقيق سابق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية أن تسعة ملايين شخص يموتون سنويًا نتيجة تلوث الهواء المنبعث من حقول النفط.
وحرق الغاز الروتيني هو طاقة مهدرة تطلق غازات تلوث الهواء الخطير. بينما يمكن، استثمار هذا الغاز كطاقة لتوليد الكهرباء وحماية الناس من الانبعاثات الخطيرة.
غير أن الفشل الحكومي منذ عام 2003 إلى اليوم وعدم الاهتمام، بموازاة لامبالاة شركة “بريتيش بتروليوم” ساهما في عدم العمل على بنية تحتية لاستغلال الغاز المهدور.
وعبرت شركة “بريتيش بتروليوم” عن قلقها من القضايا التي أثارها تحقيق “بي بي سي” عن أمراض السرطان المنتشرة في البصرة، وفي تناقض وجشع مريع أعلنت في الوقت نفسه عن زيادة أرباحها في الوقت الذي تم عرض التحقيق على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية.
واستخرجت شركة “بريتيش بتروليوم” نفطًا بقيمة 15.4 مليار جنيه إسترليني من العراق.

حسين جلود: تم التضحية بحياة ابني في أول أيام عيد الفطر بسبب الإهمال الحكومي وزيادة أرباح شركة بريتيش بتروليوم

وتم تشخيص علي، وهو لاعب كرة قدم موهوب، بسرطان الدم في سن الخامسة عشرة. وكان عليه ترك المدرسة وفريق كرة القدم الخاص به، والشروع في عامين مؤلمين من العلاج.
واضطرت عائلته إلى بيع أثاث بيتها وجمع تبرعات لدفع ثمن العلاج.
وقال علي في التحقيق التلفزيوني “في بعض الأحيان كنت أتمنى أن أموت حتى أتمكن من التوقف عن تعذيب والدي”.
وأضاف “خلال مرحلة الطفولة عندما كنا نلعب كرة القدم كنا نهرول مسرعين الى الداخل بسبب سحب الدخان التي كانت تخنقنا والنفط الذي كانت السماء تمطره علينا”.
وأوضح “عندما أخبرت الطبيب في مستشفى البصرة لسرطان الأطفال بأنني أعيش في هذه المنطقة قال لي إن هذا هو السبب الرئيسي لمرضك”.
وكتب آخر تدوينة له قبل وفاته في الحادي والعشرين من نيسان 2023 على إنستغرام، مطالبًا شركات النفط بوقف حرق الغاز و”إنقاذ شباب البلاد من الفشل الكلوي والسرطان”.
وينص القانون في العراق، على أن حرق الغاز لا ينبغي أن يكون على بعد أكثر من 10 كيلومترات من منازل الناس. غير أن شركات النفط تتجاهل هذا القانون، فيما لا تبالي الحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق عام 2003 بتطبيقه، حيث تحيط الحقول النفطية بمجمعات سكينة في محافظة البصرة.
واعترف وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار في حكومة مصطفى الكاظمي بالصلة بين تلوث الهواء وصناعة النفط والمشاكل الصحية للسكان المحليين.
وقال ديفيد بويد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة، إن ما يحدث في العراق “مثال حقيقي للتضحية التجارية، حيث يتم وضع الربح فوق حياة الإنسان والبيئة”.
وبعد وفاة علي حسين جلود لا تزال شركات النفط في العراق مثل شركة “بريتيش بتروليوم” تخرق القانون من خلال حرق الغاز بشكل غير قانوني بالقرب من منازل الناس.

البلاد القاتلة لأهلها
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى