أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

دماء مراقة وحقائق مغيبة وانتهاكات مستمرة لحرية الصحافة في العراق

العراق يخسر أكثر من 500 صحفي بظروف مختلفة منذ الاحتلال وحتى يومنا هذا وسط مخاوف من ارتفاع الأرقام جراء عدم الاكتراث الحكومي بالصحفيين ومهنتهم.

بغداد- الرافدين
يحتفي صحفيو العراق باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يمر عليهم وهم يواجهون مصاعب كبيرة تتمثل بالقمع المتواصل من قبل السلطة وأحزابها، ومخاطر الاعتقال والخطف والاغتيال من الأطراف التي لا تريد للصحافة الحرة أن تؤدي دورها في العراق.
ويواجه العاملون في مجال الصحافة العراقية عمليات ترهيب ومطاردة من قبل جهات وقوى سياسية تمتلك ميليشيات مسلحة، خصوصًا ما بعد ثورة تشرين خريف 2019، التي راح ضحيتها آلاف الشهداء بينهم عدد كبير من الصحفيين.
وجاء العراق في المرتبة 167 من بين 180 دولة في حرية الصحافة لعام 2023 في تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، حول حرية الصحافة العالمية، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، ما يعني أن بينه وبين ذيل القائمة 13 دولة فقط.
ويستند التقرير السنوي لحرية الصحافة الذي تضعه “مراسلون بلا حدود” إلى “مسح كمّي للانتهاكات المرتكبة ضد الصحافيين” من جهة، و ”دراسة نوعية” من جهة أخرى.
وترتكز الدراسة النوعية على “إجابات مئات الخبراء في حرية الصحافة (صحافيون وأكاديميون ومدافعون عن حقوق الإنسان) على مائة سؤال”.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 الثالث من أيار من كل عام يومًا عالميٍا لحرية الصحافة، ليكون فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييمها في كل أنحاء العالم، والدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها، والإشادة بالصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في أثناء أداء واجبهم.
بدورها قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، في بيان صادر بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إن “إسكات الخطاب العام أو عرقلته أو إبعاده أو تقويضه يحقق تشويه صورة الدولة وتقويض ثقة الجمهور، فضلًا عن إحداث تأثير مضاعف، مما يعيق إجراء حوار مفتوح وعام.
وطالبت بلاسخارت المتهمة بمجاملة الحكومات والقفز على هموم العراقيين لاسيما الصحفيين منهم، بضمان أن يتمكن أي شخص من التعبير عن نفسه بحرية وبدون خوف من الانتقام، وهذا يشمل ضمان أن الإطار القانوني يحمي الكلام بدلًا من تقييده دونما مبرر، وحينما تستخدم القوانين للإسكات، توضع حرية التعبير تحت تهديد خطير، مما يقوض إحدى اللبنات الأساسية في بناء مجتمع ديمقراطي.

مرور عام ونصف العام على اعتقال وتغيبب الصحفي باسم الزعاك على يد ميليشيا الحشد

وتزامنًا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة وثقت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق”PFAA”، “345 حالة بين اعتقال واحتجاز وتهديد وعرقلة تغطيات وضرب وإهانات قصدية، فضلًا عن دعاوى قضائية وإجراءات حكومية أسهمت بالتضييق والمنع”.
وأشارت الجمعية إلى عدم خلو أية محافظة عراقية من تسجيل انتهاكات بحق الصحفيين بما فيهم الإناث والمؤسسات الإعلامية، حيث جاءت بغداد بالمرتبة الأولى بأكثر المدن تسجيلا للانتهاكات بواقع (85) حالة، وأربيل ثانيا بتسجيل (74) حالة، تليها كركوك (30) حالة، والسليمانية (29)، والبصرة  (27)
وتتنوع وسائل قمع الصحفين في العراق بين مصادرة المعدات، والمنع من التغطية، وتحطيم معداتهم كالكاميرات، وأخذ أشرطة الفيديو، والتمييز بين مؤسسة وأخرى، والإبعاد عن العمل بطريقة تعسفية، والتأخر في دفع الرواتب، والامتناع عن تسديد مستحقاتهم المالية، والتمييز بين الموظفين والتنمر عليهم.
وعن أبرز معوقات العمل الصحفي في العراق يقول المرصد العراقي للحريات الصحفية، إن الصحفي العراقي يواجه جملة من التحديات منذ العام 2003 وحتى اللحظة، وكانت هناك مراحل صعبة للغاية وصلت إلى التصفية الجسدية، حيث فقد ما يزيد على 500 صحفي منذ عام 2003 في ظروف مختلفة بسبب العديد من الانتهاكات الحكومية وانتهاكات القوات الأجنبية عدا عن تهديدات الميليشيات، وتحولت الأمور لاحقا إلى ملاحقات قضائية وتهديدات وترهيب.
بدوره أكد نقيب الصحفيين الحالي مؤيد اللامي وصول عدد ضحايا الصحفيين في العراق إلى “500 شهيد” خلال كلمة له بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الأربعاء.
وأضاف اللامي الذي يشكك الكثير من الصحفيين بفوزه المتكرر في أكثر من دورة انتخابية أن “العراق ساهم بإطلاق سراح العديد من الصحفيين الذين اعتقلوا تعسفًا حول العالم”، مبينًا أن “العراق لا يوجد به سجين على قضية رأي او نشر”.
وعلى الرغم من نفي اللامي المتهم بتقديم الخدمات الدعائية للحكومات المتعاقبة، وجود معتقلين إلا أن مصادر مطلعة تؤكد اعتقال وتغيبب ما يعرف بجهاز أمن الحشد للصحفي باسم الزعاك منذ نحو عام ونصف العام بعد تصويره لخيام اعتصام الميليشيات احتجاجًا على نتائج الانتخابات الأخيرة في بغداد.
وتعزو العديد من المراكز والمنظمات المهتمة بحقوق الصحفيين سبب استمرار تصاعد الانتهاكات ضد حرية الصحافة في العراق، إلى شكل النظام السياسي غير الواضح، وتعدد قوى النفوذ، والانفلات الأمني والكيفية التي تتعامل بها السلطات مع وسائل الإعلام.

سارة صنبر: السلطات العراقية تنظر إلى وسائل الإعلام على أنها خصم يجب احتوائه والسيطرة عليه، بدل اعتبارها جزءًا أساسيًا من المجتمع العراقي

وقالت سارة صنبر المتخصصة بشؤون العراق، في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “السلطات العراقية تنظر إلى وسائل الإعلام على أنها خصم يجب احتوائه والسيطرة عليه، بدل اعتبارها جزءًا أساسيا من المجتمع العراقي.
وأضافت أن “السلطات وحكومة كردستان العراق تستغلان حاليُا القوانين المصاغة بشكل غامض وسيء، لتوجيه اتهامات جنائية للمنتقدين في وقت تستخدم فيه تلك السلطات أحيانًا الملاحقات القضائية وفق هذه القوانين لترهيب وإسكات الصحفيين والنشطاء وغيرهم من الأصوات المعارضة.
وطالبت في مقال نشرته المنظمة والمعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” السلطات العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق بإنهاء الترهيب والمضايقة والاعتقال والاعتداء على الصحفيين وغيرهم بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير بغية حماية حرية التعبير وتمكين الصحافة الحرة من الازدهار.
ويتفق أستاذ الإعلام الدكتور عدنان الجياشي، مع ما ذهبت إليه الباحثة سارة صنبر بالقول إنه “ليس هناك واقع محدد يمكن تقييمه في العراق، كونه لا يتسم بالنظام، ويعد فوضويًا عشوائيًا، لأن الخارطة الإعلامية مقسمة حسب أجندات واتجاهات سياسية”.
ورهن الجياشي، “تضييع الفرصة على الدخلاء الذين يؤثرون على مهنة الصحافة، بدعم جامعات وكليات الإعلام بأدوات ووسائل تعزز من مخرجاتها بصورة ترتقي للواقع”.
ولم يكن الإعلام بمعزل عن الفوضى التي ضربت البلاد، حيث تزايدت أعداد المحطات الفضائية بشكل غير عادي، ليصبح العراق أكثر دولة تضم قنوات تلفزيونية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وفق ما تؤكده هيئة الإعلام والاتصالات.
ففي العراق حاليًا تبث نحو 60 قناة تلفزيونية عراقية مرخصة، إضافة إلى 152 وسيلة إذاعية، وأكثر من 60 مكتبًا خارجيًا لقنوات موجهة إلى العراق، بحسب هيئة الإعلام والاتصالات، وتنقسم بين مملوك للأحزاب، أو رجال أعمال.
وغالبًا ما يدار خطاب هذه القنوات من قبل اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الذي تديره إيران، حيث يصدر التوجيهات لمديري المحطات عبر مجاميع الواتساب ومن ثم تعمم، ويعتمد الخطاب على الترويج لزعماء الميليشيات وأجنحتهم السياسية، لتكريس أجندة طهران الطائفية في العراق وفقًا لمختصين”.
وتروج تلك المحطات خدماتها الإعلامية مدفوعة الأجر في مدح الحكومات لاسيما حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني الذي حرص على الظهور الإعلامي المتكرر منذ تسنمه المنصب قبل 6 أشهر.

انتقادات للسوداني بعد الظهور الإعلامي المتكرر على المحطات الفضائية

ويرى المحلل السياسي محمد علي الحكيم أن كلام رئيس الوزراء الحالي بات مكررًا في أغلب اللقاءات والتي تجاوزت أكثر من 10 لقاءات خاصة في الفترة التي أعقبت توليه منصب رئاسة الوزراء.
وأضاف أن “المسؤول التنفيذي الأول سواء كان رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في أي بلد لا يجري إلا لقاءًا حصريًا واحدًا فقط في كل عام، ويتم اختيار القناة التي تحضى بأهمية خاصة وتتميز بمشاهدات عالية من قبل الشعب التزاما منه بالبروتكول الإعلامي.
ويرى في تكرار الظهور الإعلامي لرئيس الوزراء الحالي وتكرار المواضيع المطروحة ضعفًا في المكتب الأعلامي لرئيس الوزراء الذي وصلت معدل لقاءاته إلى لقاء في كل أسبوعين.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة له بسبب سوء التوظيف الإعلامي وتصاعد وتيرة الانتهاكات ضد الصحفيين سارع السوداني إلى التهنئة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة دون العمل على وضع حلول جذرية للحد من تلك الأخطاء والانتهاكات كما يؤكد مراقبون.
ووجه السوداني تحية لم يراع فيها حجم المخاطر المحدقة بالعمل الصحفي كما علق عليها متابعون، لجميع الصحفيين والإعلاميين، الذين يخدمون ما وصفه بـ “الحقيقة” في اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وكتب في تغريدة مثيرة للجدل له على حسابه بتويتر “نجدد التزامنا بحماية الحريات الصحفية، على وفق مبادئ القانون والدستور؛ لأنها عماد الديمقراطية الراسخة وجدارها الحصين”.
وأضاف “بهذه المناسبة، نجدّد تأكيدنا بأنّ الصحافة المهنية أفضل شريك لنا في تأدية ما علينا من استحقاقات وطنية خدمة لشعبنا الكريم”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى