أخبار الرافدين
محمد الجميلي

الانتخابات التركية والنفاق الغربي

لم تحظ انتخابات برلمانية ورئاسية باهتمام غربي كما يحصل الآن في الانتخابات التركية المرتقبة في الرابع عشر من أيار الجاري، ولم يحظ زعيم لبلد جاء عبر صناديق الاقتراع، من انتقاد لاذع وهجوم كاسح من وسائل الإعلام الكبرى في الغرب وصل حد وصفه بالديكتاتور والمستبد، كما يحدث للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حين لم تنبس هذه الأجهزة ومن يقف خلفها ببنت شفة وهي ترى زعماء يتحكمون بشعوبهم بأساليب وحشية بعد أن وصلوا للحكم بانقلابات دموية، ومع ذلك فلا مقالات لاذعة الانتقاد ضدهم، ولا صور ساخرة بحقهم، ولا عناوين إخبارية صارخة تحذر وتنذر، كما تفعل مع هذا الرجل الذي حكم تركيا عبر انتخابات ديمقراطية وفق أسسها التي وضعوها هم ويمارسونها في بلدانهم التي يفاخرون بأنها أم الديمقراطية.
إن ازدواجية الغرب التي بدت فاقعة النفاق في الصحافة الغربية، مثل دير شبيغل، وفورين بوليسي، وإيكونوميست، وواشنطن بوست، ولوبوا الفرنسية، يظهر لنا جليًا ونحن نقارن موقفهم هذا من أردوغان، مع ما يسمى بالعملية السياسية في العراق، فكم مرة احتفى هذا الغرب المنافق بما يسميها ديمقراطية الصناديق، مع أنها مسرحيات هزلية، لا تحمل مما يسمى الديمقراطية إلا اسمها الأجوف، بل ويلمعون بمخرجاتها من النظام الطائفي الفاسد، ومؤسساته الفاشلة، ويعدون ذلك منجزًا من منجزات احتلال العراق وتدميره.
أليس مما يثير السخرية أن ينتقد الغرب الرئيس أردوغان ويصفه بالديكتاتور والمستبد، وهو الذي ينافس معارضين شرسين له، في انتخابات تدار أمام أعين العالم، وتخرج نتائجها بعد ساعات فقط من انتهاء عملية الاقتراع، بينما نرى الغرب نفسه يهلل لانتخابات أقل ما يقال عنها مهزلة، قاطعها العراقيون بنسبة كبيرة، وجرت أصلا على مقاسات الكتل السياسية الحاكمة، ويتصدرها في كل مرة الأحزاب ذاتها التي جلبها الاحتلال معه، ومن يفكر بمنافستها، أو العمل على تمثيل حقيقي لناخبيه، يجري اجتثاثه بتهم ملفقة، أو ينهى أمره بشتى الطرق ومنها القتل، ومع ذلك يحظى هذا النظام الطائفي المحاصصي، بالدعم والتأييد والتلميع، ويثنى على ديمقراطيته الزائفة المضحكة، فأي نفاق هذا الذي يخرج من عواصم الغرب.
والعجيب أن النفاق الغربي الفاقع الذي يصف رئيسًا منتخبًا بطريقة ديمقراطية بالديكتاتور والمستبد، وصل حد رسمه بصورة سجان يمسك بسيفه وقد أغلق باب السجن الحديدي على شعبه، كما فعلت جريدة البريد الدولي الفرنسية، هو الغرب المنافق نفسه، الذي يجلس مع زعماء ميليشيات إرهابية، ارتكبت جرائم حرب فضيعة بحق العراقيين، ويعترف بقيادتهم لحكومة الإطار التنسيقي التي شكلها بنفسه وبرعاية إيرانية، وهو الفريق الخاسر بالانتخابات الأخيرة، بعد أن جرى إزاحة الفائز، كما فعلوا الشيء ذاته في انتخابات عام 2010 حين أقسم قاسم سليماني على عدم السماح لإياد علاوي بتشكيل الحكومة وكان تحالفه هو الفائز بتلك الانتخابات، ونقل عن سليماني حينها قوله: على جثتي.
فكيف لمن يدعي حرصه على الديمقراطية أن يعترف بحكومة شكلها الخاسر بالانتخابات، ثم إن الذي شكلها زعماء ميليشيات وضعت أسماؤهم في قوائم الإرهاب، فكيف ينسجم الجلوس مع إرهابيين قتلة، وأصول ديمقراطيتهم إذن، ثم إن أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من الشعب العراقي قاطع تلك المهزلة باعتراف قادة الأحزاب الحاكمة، فكيف تعد انتخابات ديمقراطية يعترف بها، ويجري الترويج لساستها وإظهارهم بمظهر القادة الديمقراطيين، وهم الذين يتزعمون ميليشيات إرهابية، بينما يلطمون الخدود ويشقون الجيوب وهم يرون التجمعات المليونية المساندة للرئيس التركي أردوغان وحزبه الحاكم.
يلطم الغرب خدوده ويشق جيوبه ويسمع عويله في كبريات صحفه على الديمقراطية في تركيا، ويصف أردوغان بالسجان الذي يسجن شعبه، بينما يروج لميليشيات إرهابية تحكم العراق ويتبادل التهاني معهم بما يسميه الانتخابات الديمقراطية، وهي المزيفة بشهادة أصحابها الذين ساموا العراقيين سوء العذاب فقتلوا فئامًا منهم، وسجنوا آخرين ظلمًا وعدوانًا، وهجروا الملايين من بيوتهم وقراهم، وقتلوا المتظاهرين السلميين أمام عدسات الكاميرات، ولكن الغرب كله يتسابق للاعتراف بنظامهم الطائفي المحاصصي الفاسد، فهل يخجل هذا الغرب من نفاقه، وهل يتمعر وجهه من هذه الازدواجية الفاقعة، أنى له ذلك.
إذا أدركت الشعوب حقيقة نفاق الغرب، وعلمت ما يكاد لها، وتيقنت من عظيم قوتها ومكانتها، وأبصرت مصالحها وما ينفعها في حاضرها ومستقبلها، عندها ستتمسك بثوابتها ولن تزيدها خطط أعدائها إلا ثباتًا وصلابة في موقفها، وهذا ما فعله حزب العدالة وجماهيره منذ عقدين من الزمان، وهم اليوم على أعتاب مرحلة حاسمة في مسيرتهم، ينافحون عن صحة منهجهم بعظيم منجزاتهم، ويصرون على مجابهة التحديات بقوة تجمعاتهم وحسن ظنهم بأنفسهم وناخبيهم، ويوقنون بأن الله معهم ولن يترهم أعمالهم، والساعات القادمات ستثبت صدق حساباتهم، وإنا لمنتظرون.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى