أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

أربعة ملايين عراقي يعيشون تحت بؤس خمسة آلاف تجمع عشوائي

منظمات وهيئات دولية تحذر من قيام ميليشيات وأحزاب سياسية بإدارة العشوائيات، بعد استيلائها على أراض تابعة للدولة.

بغداد ــ الرافدين
حذرت منظمات محلية ودولية من تفاقم ظاهرة انتشار المناطق العشوائية في المدن العراقية دون إيجاد حلول ملموسة من قبل الجهات المعنية من أجل إنهاء أزمة السكن بالبلاد.
وتتسع ظاهرة التجمعات العشوائية في المحافظات العراقية بسبب غياب الإرادة السياسية للحد من هذه الظاهرة، والتي تعكس أزمة السكن الخطيرة في البلاد وما تفرزه من مشاكل خدمية واجتماعية كبيرة، فيما تكتفي حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بإطلاق الوعود الزائفة بمعالجات أزمة السكن العشوائي في العراق.
وتتصدر العاصمة بغداد في عدد التجمعات العشوائية، حيث تنتشر آلاف المنازل المبنية بالطوب والطين أو الصفيح عند مداخل المدن أو في ساحاتها عامة، والأراضي المملوكة للدولة.
وأكدت وزارة التخطيط في العراق أن تفاقم ظاهرة السكن العشوائي تنذر بمخاطر كبيرة على المستوى المعاشي والصحي، وتشكل بؤرة للفقر وانتشار الأمراض في البلاد لاسيما مع تخطي أعداد السكان فيها حاجز 3 ملايين و725 ألف نسمة بحسب نتائج تحديث مسح تثبيت مواقع تجمعات السكن العشوائي في البلاد.
وقال وكيل الوزارة للشؤون الفنية ماهر جوهان، إن محافظة بغداد تأتي أولًا بوجود أكثر من 1000 تجمع سكني عشوائي ما نسبته 23 بالمائة من مجموع التجمعات السكنية العشوائية البالغة 4679 تجمعًا، تليها البصرة بواقع 715 تجمعًا عشوائيًا، والنجف بـ 89 تجمعًا عشوائيًا.
وحذرت تقارير إعلامية لمنظمات دولية ومؤسسات معنية بشؤون المستوطنات البشرية، من وجود آلاف التجمعات العشوائية في العراق.
وحذرت برامج منظمات دولية عاملة في العراق من استغلال أحزاب وميليشيات سكان هذه العشوائيات، مشيرة إلى أن أشخاص متنفذون استولوا على أراض تابعة للدولة وقاموا بإنشاء معظم هذه الاحياء العشوائية ومن ثم بيعها مجددًا.
وأعرب خبراء اقتصاديون عن قلقهم من الأرقام المفزعة حول عدد مناطق السكن العشوائية البالغ نحو 5 آلاف تجمع، يسكنه قرابة 4 ملايين نسمة، تشكل ناقوس خطر يستدعي إقرار معالجات جذرية وعاجلة لهذا الملف النازف.
وحمل الخبراء الحكومات المتعاقبة مسؤولية ارتفاع أعداد التجمعات العشوائية في العراق مرجعين ذلك لسوء التخطيط والإدارة والفساد في المؤسسات الحكومية.

العشوائيات ظاهرة دخيلة على المجتمع العراقي

وتعد مشكلة المجمعات السكنية العشوائية في العراق مع ما تتسبب فيه من مشاكل أمنية وخدمية واجتماعية عديدة، من الظواهر التي لم يعرفها العراقيون قبل الغزو الأمريكي لبلادهم عام 2003.
وتتنامى هذه الظاهرة بالتزامن مع أزمة سكن خانقة تمر بها البلاد مما اضطر العديد من المواطنين للذهاب إلى التجاوزات أو العشوائيات المبنية على أراض زراعية أو حكومية مخصصة لمشاريع عامة أو كمساحات خضراء.
وقال مسؤول في وزارة الداخلية فضل عدم الإفصاح عن هويته، إن أغلب المجمعات العشوائية في العراق هي مناطق هشة ورخوة أمنيًا، ومستغلة من قبل الجماعات المسلحة وعصابات التسول، فضلًا عن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات داخل هذه المجمعات.
وعزا المصدر سبب عدم السيطرة أمنيًا على هذه المناطق إلى إشغال هذه المناطق من قبل عائلات معظمها من محافظات أخرى والمناطق الشعبية المكتظة بالسكان، مبينًا أن الجهات المعنية بالملف الأمني لهذه المناطق لا تملك معلومات كافية عن أهالي تلك المجمعات نتيجة لتنقلاتهم المستمرة من مكان لآخر.
وأشار مراقبون إلى أن أبرز عوامل نشوء هذا الكم الكبير من العشوائيات هو ضعف الدولة عقب 2003، وتفشي الفقر والبطالة والفساد والهجرات من الريف للمدينة، علاوة على غياب التخطيط الحكومي.
وتستغل الميليشيات وجود هذه العشوائيات لتجارة المخدرات والممنوعات في ظل غياب تطبيق القانون.
وطالب مراقبون بالتدخل العاجل لإيقاف توسع رقعة العشوائيات أكثر والذهاب لمعالجة هذا الملف من خلال توزيع قطع أراضي وسلف بناء لسكانها لتعويضهم ومساعدتهم على شق طريقهم وإيجاد بدائل مناسبة لهم.
وقال مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين، إن نتائج سوء التخطيط والفساد والفوضى في تلبية متطلبات واستحقاقات النمو السكاني أدت إلى انتشار المدن العشوائية في العراق، وسط غياب الرقابة حول معايير السكن اللائق، ما شجع الناس وخاصة من الوافدين للمدن من الأرياف على الإقبال على السكن العشوائي، والذي يضم أكثر من 10 بالمائة من سكان العراق بواقع نحو 4 ملايين نسمة، موزعين في بغداد وكركوك والبصرة والنجف وغيرها.

غازي فيصل حسين: سوء التخطيط والفساد والفوضى في تلبية متطلبات واستحقاقات النمو السكاني أدت إلى انتشار المدن العشوائية في العراق

وأضاف أن هذه العشوائيات لا تليق بالسكن وهي لا توفر الخدمات والشروط الصحية والأمنية والإنسانية الواجبة لعيش الإنسان، وبالتالي تتفشى فيها ظواهر الفقر والبؤس والبطالة والجريمة، وهو ما يشكل تهديدًا لأمن وسلامة كبريات المدن العراقية واستقرارها الاجتماعي.
وانتقد العجز الحكومي بمعاجلة هذه الأزمة المزمنة والآخذة في الاستفحال، نتيجة غياب المشاريع التي تستهدف ملف العشوائيات.
وسلط برنامج “مع الناس” الذي تبثه قناة “الرافدين” الضوء على معاناة سكان العشوائيات في حي الرسالة بالعاصمة بغداد.
وتحدث الأهالي عن ظروفهم المعيشية الصعبة منذ سنوات في ظل التهديد الحكومي بتهجيرهم دون إيجاد البدائل السكنية المناسبة لهم.
وانتقدوا الوعود الزائفة ببناء المجمعات السكنية وتوزيع قطع الأراضي من قبل الحكومات المتعاقبة وآخرها حكومة السوداني التي وعدتهم بإنشاء مجمع سكني دون أي إنجاز على أرض الواقع.
وقال أحد المواطنين إن تداعيات التدهور الاقتصادي في البلاد تحول دون قدرتهم على الانتقال لمساكن تليق بهم.
ووثقت كاميرا “مع الناس” الواقع المزري للمنازل التي يقطنها أهالي حي الرسالة والتي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الانسانية.
وتفاعل مدونون على منصات التواصل الاجتماعي مع معاناة أهالي العشوائيات، وطالبوا بتوزيع قطع الأراضي لهم بدلًا من سن قوانين تجبر قاطني العشوائيات على دفع الإيجار للحكومة أو إخلاء مساكنهم.
وتستثمر الأحزاب السياسية في ملف العشوائيات والتجاوزات منذ سنوات ولا تسمح بالاقتراب منه رغم المشاكل البيئية والاجتماعية والأمنية التي تتسبب بها، وتنظر غالبية تلك القوى إلى المتجاوزين وسكان العشوائيات باعتبارهم أصواتًا انتخابية مضمونة للوصول إلى السلطة.

د. هلال الدليمي: حديث السياسيين عن قانون العشوائيات هو دعاية انتخابية ولا يصب في مصلحة الساكنين في تلك العشوائيات.

ووصف الباحث السياسي الدكتور هلال الدليمي حديث السياسيين عن قانون العشوائيات بالدعاية الانتخابية وإنه لا يخدم المواطن ولا يصب في مصلحة الساكنين في تلك العشوائيات بقدر ما يهدف الى تحسين صورة بعض السياسيين.
وأكد الدليمي في تصريح لقناة “الرافدين” على أن الحكومة ليس لديها نية حقيقية للإصلاح وأن السياسيين جاؤوا من أجل التخريب وليس الإعمار، وإلا كان من الأولى بهم إنشاء مجمعات سكنية وحل أزمة السكن.
ويجمع العراقيون على أن الفساد الحكومي وانعدام الخطط الاستراتيجية للعناية بالعاصمة من قبل الحكومات منذ عام 2003، وراء التدهور المعماري والخدمي الذي تعيشه مدن العراق.
ويعرب عراقيون عن أسفهم لما آلت إليه الأوضاع في مدينتهم، من خراب وتشويه لمعالم المدن العراقية وخصوصًا العاصمة بغداد، حيث أسهم الإهمال والتدهور الخدمي بالإضافة إلى انهيار البنى التحتية إلى انتشار العشوائيات والتجاوزات، مما جعلها واحدة من أسوأ عواصم العالم، بحسب تصنيف مؤسسة ميرسر العالمية للاستشارات.

وعود حكومية بحل أزمة السكن ليس لها وجود على أرض الواقع
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى