أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تأهيل المستشفيات.. وعود زائفة تفضحها الأبنية المتهالكة والخدمات المتدنية

مراقبون: الواقع الصحي منهار على الرغم من الموازنات الانفجارية، والحكومة تمارس البهرجة الإعلامية فيما يتعلق بالقطاع الصحي.

بغداد – الرافدين
أثارت تصريحات وزير الصحة الحالي صالح الحسناوي بشأن إعادة تأهيل 8 مستشفيات في بغداد وبناء مركز تأهيل نفسي واجتماعي لضحايا المخدرات في ميسان، استهجان وسخرية العراقيين الذين سبق وأن سمعوا لعشرات المرات مثل هذه التصريحات والوعود الكاذبة؛ والذين يعانون منذ  20 عامًا من سوء الخدمات الطبية وتهالك المستشفيات والمراكز الصحية وعدم الاهتمام التام بصحة المواطنين وتقديم ما يعينهم على مواجهة الأمراض والأوبئة.
فالقطاع الصحي في العراق ومنذ 20 عامًا غارق في مستنقع الفوضى والإهمال، معتمدًا على بعض المستشفيات والمراكز الطبية التي سبق وأن أنشأت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي والتي باتت متهالكة لا تصلح لأداء الوظيفة التي أقيمت لأجلها، خاصة في ظل الفساد الذي استشرى في مفاصلها وجعلها عاجزة عن تقديم أي خدمات للمواطنين.
وعلى الرغم من التصريحات المتكررة للحكومة الحالية والسابقة حول تأهيل المستشفيات وتوفير المستلزمات الطبية الحديثة فيها، إلا أن السمة الأبرز في هذه المشاريع التلكؤ في إنجازها وسرقة الأموال المخصصة لها في وقت يعاني فيه قطاع الصحة من نقص في المستشفيات.
وأعلنت وزارة الصحة الحالية في وقت سابق عن وجود أكثر من 61 مشروعًا متلكئًا يخص بناء المستشفيات منذ سنوات موزعة على أنحاء متفرقة من العراق.
وقال المتحدث باسم الوزارة سيف البدر، في تصريح صحفي، إن “الوزارة ملتزمة بإتمام مشاريع المستشفيات المتلكئة منذ سنوات والتي يصل عددها إلى أكثر من 61 مشروعًا”.
وأضاف أنه “من ضمن هذه المشاريع مستشفيات ذات الـ 492 سريرًا وهي التركية والألمانية والأسترالية، إضافة إلى مشاريع مستشفيات عملاقة وأخرى ذات الـ 100 والـ 200 والـ 300 سرير، فضلاً عن مراكز تخصصية ورعاية صحية”.
وطالب أحد الناشطين في قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار بإكمال وافتتاح مستشفى الحوراء الذي سيساعد أهالي القضاء ويخفف معاناتهم لاسيما مع اضطرار أهالي القضاء للذهاب للمستشفيات الأهلية والتي استنزفت أموال المواطنين.
الكثير من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي تداولت مقاطع مصورة تكشف انعدام الخدمات داخل المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية المتهالكة في ظل غياب أي دور للجهات الرقابية وعدم محاسبة المقصرين.
مواطن من محافظة ذي قار شكا من قلة المستلزمات الطبية والأدوية في مركز الامام علي الصحي في قضاء كرمة بني سعيد مطالبًا الجهات المختصة بالنظر للمراكز الصحية في الأقضية والنواحي والاهتمام بها وعدم إهمالها وإهمال أرواح الناس الذين يعيشون فيها.
وفي محافظة البصرة وثقت مشاهد أخرى لمعاناة المواطنين واضطرارهم لنقل مرضاهم بالأيدي نتيجة تعطل مصعد مستشفى البصرة وعلى الرغم من كثرة المناشدات لإصلاحه لم تتم الاستجابة لتلك المطالبات ليتطوع عدد من الشباب لإصلاح الخلل.
ومن جانب آخر عد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب ماجد شنكالي، انقطاع الخدمات وترديها في الأبنية الصحية من مستشفيات ومراكز صحية ولاسيما الكهرباء، تسبب خطرًا على الأجهزة الطبية وبالتالي حياة المرضى.
وقال شنكالي إن هذه الحالات تدل على تهالك البنية التحتية، مؤكدًا أن أي انقطاع للكهرباء يهدد حياة المرضى على الرغم من وجود مولدات لكنها هي الأخرى معرضة للأعطال ونقص الوقود وعدم انتظام الفولتية الذي يؤثر على الأجهزة الطبية ما يعني ضرورة إبقاء الكهرباء مستمرة في جميع المؤسسات.
وأظهرت صور متداولة من إحدى المستشفيات لجوء ذوي المرضى إلى توفير الهواء لمرضاهم من خلال ألواح كارتونية في محاولة منهم لتخفيف وطأة الحر عليهم في ظل انقطاع الكهرباء وتوقف عمل منظومة التكييف المركزية في درجات حرارة مرتفعة تتجاوز نصف درجة الغليان خلال هذه الفترة من السنة.
وكتب مدونون على وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من معاناتهم حيث أشار أحد المواطنين إلى تعطل أجهزة المفراس الحلزوني في قسم الأورام وقسم التمريض الخاص في مدينة الطب بغداد.
وأكد آخرون من محافظة البصرة خلو مستشفى الموانئ من المغذيات ودواء “البراسيتول”.
ويجمع مراقبون على أن الواقع الصحي في العراق منهار على الرغم من الموازنات الانفجارية التي يقرها العراق وتخصيص المبالغ الطائلة لوزارة الصحة، مؤكدين تحول حقيبة وزارة الصحة إلى مغنم يتنافس عليه السياسيون بشراسة للفوز بها بهدف اختلاس الأموال من العقود الصحية الأمر الذي جعل من الواقع الصحي العراقي في الحضيض.
وأشاروا أن “هناك الكثير من المقاولات المخصصة لصيانة المستشفيات وتأهيلها توضع لها مبالغ تصل إلى أضعاف قيمتها الحقيقية الأمر الذي يؤشر لمدى الفساد المتغلغل في هذه الوزارة”.
وأكدوا أن المواطن لا يلمس أي تحسن في القطاع الصحي، في ظل المعاناة التي يتكبدها عند وصوله للمستشفى، والحكومة تمارس البهرجة الإعلامية فيما يتعلق بالقطاع الصحي في محاولة بائسة لتحسين سمعتها.
وحلت بغداد في المرتبة الأخيرة بمؤشر الرعاية الصحية لمدن العالم خلال العام الحالي 2023 بحسب موقع نومبيو المختص في الأبحاث وتصنيف الدول.
ويعدّ مؤشر الرعاية الصحية، تحليلاً إحصائيًا للجودة الشاملة لنظام الرعاية الصحية، ويستند إلى تقييم 89 دولة، بناءًا على خمسة متغيرات صحية مختلفة، ومنها البنية التحتية للرعاية الصحية، واختصاصيوا الرعاية الصحية، من أطباء وموظفي التمريض، وغيرهم من العاملين الصحيين والكفاءات، وتوافر الأدوية الجيدة، والاستعداد الحكومي.
وقال الدكتور عرفان يونس الشمري أخصائي طب الطوارئ خلال مداخلة له على قناة الرافدين أن “المستشفيات الحكومية في العراق تحتضر بسبب نظام المحاصصة الذي تسبب بشلل مؤسسات الدولة وانعدام التنمية”.
وأشار الشمري بأن “تراجع الخدمات الطبية المستمر بالعراق حتى وصل من بين الأسوأ عالميًا جعلت العديد من العراقيين يختارون العلاج خارج البلاد بعد أن انعدمت ثقتهم بالنظام الصحي داخل العراق”.
ويرى عضو الهيئة العمومية لجمعية الهلال الأحمر عقيل الشويلي إن “الوضع الصحي في العراق مترد، ويعد فقيرًا نسبيًا بسبب النقص في مستلزمات الأدوية والأجهزة الطبية، فضلًا عن البنى التحتية التي بحاجة إلى تطوير”.
ولفت الشويلي، إلى أن “حلول وزارة الصحة تعد ترقيعية، ولم تعالج نقص الخدمات الذي يزداد سوءًا”.
ويتفق نقيب الأطباء العراقيين الدكتور جاسم العزاوي إلى ما ذهب إليه عقيل الشويلي في أن “الأزمة العاصفة بالقطاع الصحي العراقي هي نتاج تراكمات السنين، فالمستشفيات قديمة ولا تطوير لها وحتى المستشفيات الجديدة التي تم إنشاؤها لم يدخل إلا عدد قليل جدًا منها إلى الخدمة.
وتابع العزاوي أن “ما يحتاجه القطاع الصحي العراقي الإصلاح والتطوير بشكل جذري تؤطره خطة علمية شاملة ومدروسة يضعها أهل الاختصاص والخبراء لتذليل التحديات التي تجابه قطاع الطبابة والصحة بالعراق”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى