أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

فاجعة الحمدانية ستتكرر بوجود حكومات ترعى الميليشيات والفساد

مراقبون: أغلب الأبنية في العراق تشوبها صفقات فاسدة وتخلو من شروط السلامة والأمان بسبب فوضى البناء غير القانوني وغياب المحاسبة.

نينوى – الرافدين
أجمع ناشطون في مجال حقوق الإنسان إن “مهام الحكومة مقتصرة على الإحصاء فقط، ولا معالجات على أرض الواقع، وهذا هو سبب تكرار الفواجع، وبينوا أنه “بعد كل حادث حريق أو انهيار مبنى أو غرق عبارة وسقوط مئات الضحايا، تجري الجهات المسؤولة عمليات جرد وإحصاء للمباني المخالفة وعددها بالآلاف، إلا أن أي خطوات عملية لم تتخذ سواء لإخلاء تلك المباني أو إعادة ترميمها أو هدمها إذا كانت غير صالحة كليًا، وأن هذا الإهمال يهدد حياة العراقيين ويستوجب وضع ضوابط وشروط صارمة، والحكومة تتحمل مسؤولية هذا الملف الخطير”.
وفي إجراء يراد منه ذر الرماد في العيون ومحاولة إلهاء الناس وإسكات أصواتهم التي تدين الحكومة وميليشياتها الفاسدة التي أدت إلى فاجعة الحمدانية أعلن الدفاع المدني في العراق رصده 7 آلاف مشروع مخالف لشروط السلامة بينها قاعات للمناسبات وفنادق ومطاعم.
كما أكد الدفاع المدني أن هناك الكثير من الأبنية بنيت بشكل خاطئ ووفق معايير مخالفة لشروط السلامة والأمان ما يجعلها عرضة للحوادث، وأوضح الدفاع المدني إن تعديل قانون الدفاع المدني خاص بإلزام وتطبيق شروط السلامة والأمان في الأبنية ما زال حبيس مجلس النواب منذ عام 2013.
وقال رئيس لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي إن 90% من المرافق العامة في العراق غير ملتزمة بإجراءات السلامة .
وأضاف شنكالي أن أصحاب المرافق العامة يوظفون نفوذهم وسيطرتهم على أجهزة التفتيش لمنع تنفيذ القانون والالتزام بمتطلبات السلامة في هذه المرافق ومنها أبواب ومخارج الطوارئ.
وتؤكد عضو لجنة الخدمات النيابية السابق النائبة منار عبد المطلب أن “بناء قاعات بمواد سريعة الاشتعال هي صفقة قرن فاسدة أخرى في العراق عمرها 20 سنة ولاتزال مستمرة في ظل فساد مطبق يمنع فتح هذا الملف للأسف من أجل إيقاف مسلسل المجازر البشعة التي تصيب الأبرياء”.
وشددت منار عبد المطلب على “ضرورة أن يكون هناك قرار حكومي بشأن إعادة النظر بملف شروط السلامة وأن يتم إغلاق أي مبان وقاعات لا تطبق شروط السلامة ومحاسبة من أعطوا الإجازات وغضوا النظر عن معايير السلامة”.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن تكرار الحرائق في العراق أدى لحالة غضب عارمة في الشارع العراقي بسبب فوضى البناء غير القانوني وغياب المحاسبة.
وأشارت الصحيفة إلى حريق الحمدانية مؤكدة أن العراق شهد مأساة بكل المقاييس بعدما التهمت النار قاعة أفراح فتحول العرس إلى مأتم وتصدرت مشاهد التشييع الجماعي لأكثر من 100 قتيل.
وأضافت واشنطن بوست أن الحرائق في العراق تتكرر وتمتد حتى للمستشفيات بسبب عدم الالتزام بتعليمات السلامة، كما أنّ البنى التحتية متداعية نتيجة عقود من النزاعات، وانشغال الأحزاب السياسية بإبرام العقود الفاسدة لنهب المزيد من أموال العراق.
وقال الخبير في الشأن الأمني عدنان الكناني إن “غالبية الأبنية في العراق سواء الحكومية أو الأهلية تخلو من شروط السلامة والأمان، وهذا بسبب ضعف الرقابة على تلك الأبنية من قبل اللجان المتخصصة من الدفاع المدني وغيرها، لافتًا إلى أن ذلك تسبب بوقوع كوارث جراء اندلاع بعض الحرائق كما حصل في السنوات السابقة، أو كما حصل في قاعة الأعراس أخيرًا”.
وبين الكناني أن “تلك الأبنية تخلو من منظومات الإطفاء المركزية، وتخلو من ممرات ومخارج الطوارئ، وما حصل في الحمدانية يمكن تكراره في قاعات وأبنية أخرى في المدن، فأغلب الأبنية تخلو من شروط السلامة والأمان”، داعيًا إلى تفعيل “إجراءات حازمة وتطبيق شروط السلامة والأمان بكافة الأبنية الأهلية والحكومية”.
وأضاف أن “هناك سيطرة لبعض الجهات المتنفذة السياسية والمسلحة على الكثير من الأبنية التي تبني بشكل غير قانوني، خصوصًا أن أرض القاعة التي احترقت في الحمدانية هي أرض تابعة للدولة والقاعة بنيت عليها بشكل غير قانوني وهذا ما أكدته كل المعلومات”، لافتًا إلى أن ذلك يشير إلى أن الفساد هو “السبب الرئيس لكل كارثة إنسانية تحصل بأي محافظة كانت”.
من جهتها قالت النائبة في البرلمان الحالي أحلام الكاكائي إن “هناك فسادًا في تشييد المباني، والحصول على تراخيص بنائها، وخير مثال على ذلك، هو السماح ببناء قاعة الحمدانية تحت خط كهرباء توتر عالي، مؤكدة أن “الفساد واضح، كيف أعطت مديرية الكهرباء الإذن ببناء مثل هذه القاعة؟!”.
ويرى باحثون في قضايا الفساد أن “شبهات الفساد تبدأ في إجازة أي مبنى من دون خضوعه لشروط السلامة من الحرائق، ناهيك عن شروط السلامة العامة، مؤكدين أنه ما دام الفساد السياسي ينتج الفساد الإداري والمالي، فإن الآمال المرتقبة في تفادي مثل هذه الكوارث تبقى من الآمال البعيدة، لأن أسباب وجودها متوفرة”.
ولفتوا إلى أن “ما يجري نتيجة طبيعية لفشل وإخفاق المنظومة السياسية، التي تركت حياة العراقيين مهددة بسبب مصالحهم التي تتسبب بكوارث لا تنتهي”.
وفي سياق متصل، قال الناشط المدني علي الجنابي إن “الحكومة والجهات المسؤولة لم تحاسب المسؤولين عن الحرائق التي وقعت في السنوات الأخيرة في عدد من المؤسسات والمباني الحكومية، على الرغم من أن لجان التحقيق التي تابعت الملفات كشفت إهمالاً كبيرًا في تنفيذ شروط السلامة”.
ويرى الجنابي أن “عدم محاسبة المقصرين قضائيًا تسبّب في استمرار التقصير والإهمال في معظم المباني التي لا تتوفر فيها شروط السلامة، الأمر الذي أدّى إلى تكرر الحرائق”.
ويؤكد مهندس في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، رفض الكشف عن اسمه أن غالبية المباني التي شيدت بعد عام 2003 لم تكن مطابقة لشروط السلامة العامة، وأن “تلك المخالفات تنسحب على القطاعين الخاص والحكومي، إلا أنها أكبر في القطاع الخاص”.
وبين أن “غالبية المباني في القطاع الخاص لا تستخدم مواد البناء المطابقة للشروط، وتشيد من قبل مقاولين لا يعتمدون على مهندسين متخصصين، ولا يعلمون أي شيء عن شروط السلامة، فما يهمهم هو تحقيق المكاسب المالية وتقليل كلف البناء”.
وأشار إلى أن “هؤلاء استغلوا الفساد وعدم وجود رقابة صارمة ومتابعة لأعمالهم، وشيدوا مئات المباني تخالف شروط السلامة العامة، في ظل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والسعي إلى تحقيق الأرباح”.
وأكدت هيئة علماء المسلمين في العراق في بيان أصدرته بشأن فاجعة الحمدانية يوم الأربعاء الموافق 27 أيلول على أن من بين أسباب الكوارث التي تحل بالعراقيين؛ هو الفساد المستشري في وزارات ومؤسسات وأجهزة حكومات الاحتلال المتعاقبة، ومنها مأساة حريق قاعة المناسبات في قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى.
وأشارت إلى أن مأساة حريق (الحمدانية) تعيد إلى الأذهان حوادث مؤلمة مشابهة، ومنها حادثة الحريق في (مستشفى ابن الخطيب) في بغداد في نيسان2021، وقبلها  حادثة غرق العبارة في نهر دجلة بمدينة الموصل في آذار/2019، التي كان أحد أسبابها الرئيسة هي المكاتب الاقتصادية التابعة لميليشيات الحشد المهيمنة على محافظة نينوى، التي تعبث بأمن وحياة المواطنين هناك، وتتخذ من فسادها وسيلة للتحكم بالناس وأنماط معيشتهم.
ودعت العراقيين كافة إلى أن تكون  كلمتهم قوية، ومواقفهم موحدة؛ في مواجهة الراقصين على جراحهم، والمستثمرين  في مآسيهم، من أحزاب العملية السياسية، وتحالفاتها، وميليشياتها، الذين لا  يفرق فسادهم المستشري وفواجعه بين عراقي وآخر؛ حيث طالت (حرائق) فسادهم  العراقيين من كل الأطياف، ومازالوا على حالهم لا يلقون بالًا لفاجعة  أليمة، ولا تهمهم أرواح بريئة، ولا يعملون على إنهاء مسبباتها أو يعالجون  آثارها وتداعياتها بما يحفظ أرواح العراقيين ويوقف سيل دمائهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى