أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ميليشيا العتبات تمارس انتهاكات تحت جنح الظلام في كربلاء

اعتقالات وإطلاق رصاص حي ومحاولات لمصادرة الأراضي بالقوة ومداهمات في ساعات متأخرة تطال منازل متظاهرين رفضوا ممارسات العتبتين الحسينية والعباسية في منطقة الدواجن الزراعية بكربلاء.

كربلاء – الرافدين
طالب سكان منطقة الدواجن في كربلاء بالكشف عن مصير نحو عشرين شخصًا جرى اعتقالهم الأربعاء على يد ميليشيات تابعة للعتبات بعد مشاركتهم في تظاهرات منددة ببمارسات تلك العتبات ومحاولاتها الاستحواذ على أراضيهم وتهجيرهم منها بقوة السلاح.
وأكد سكان المنطقة تنفيذ الميليشيات المرتبطة بالعتبتين الحسينية والعباسية حملة مداهمات لإسكات الأصوات المطالبة بكف يد مرجعية النجف وممثليها ووضع حد لها عقب محاولات مصادرة الأراضي التي يمتلكونها أو تلك التي يستصلحونها زراعيًا عبر عقود طويلة الأمد مع الدولة العراقية منذ تسعينات القرن الماضي.
وأظهرت صور عرضتها قناة “الرافدين” الفضائية في برنامج “صوتكم” آثار تحطيم أبواب أحد المنازل والعبث بأثاثه بعد مداهمته من قبل قوة تتبع لممثل مرجعية النجف في كربلاء عبد المهدي الكربلائي يرتدي أفرادها الزي الرسمي الحكومي وفقًا لصاحب المنزل.
وبينت صور أخرى لحظة تفريق ميليشيات العتبة والقوات الحكومية لمئات المتظاهرين بالرصاص الحي عقب ترديدهم هتافات اتهمت مرجعية النجف وممثليها بالفساد.

وتسعى العتبات في كربلاء وفقًا لأبناء منطقة الدواجن ذات الطابع القروي والزراعي إلى تهجير نحو 5000 مواطن من أبناء المنطقة ممن يمثلون نحو 1000 أسرة تقطن فيها منذ نحو 40 عامًا لاستثمار أراضيهم وزراعة محصول الحنطة فيها فضلًا عن منح بعض الأراضي لشركات إيرانية لإنتاج الأجبان والحليب ومشتقاته.
ويشير أبناء المنطقة التي تشهد حراكًا مستمرًا منذ نحو 4 أيام وسط تكتيم إعلامي حكومي إلى سعي محموم للعتبات الدينية في تشغيل عناصر من ميليشيا الحشد الشعبي الذي يدين لمرجعية النجف بالولاء في تلك الاستثمارات على حساب الطبقة الفقيرة العاملة بمجال الزراعة.
وكشفت محاولات العتبتين العباسية والحسينية وسعيهما في تهجير أكثر من ألف عائله وتجريف مزارعهم في منطقة الدواجن بكربلاء التي تحوي مرقد الإمام الحسين حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم سطوة المرجعية السياسية والاقتصادية بوصفها “دولة موازية”.
ويجمع عراقيون تفاعلوا مع قضية منطقة الدواجن على أن مرجعية النجف صارت تمثل دولة متكاملة بأموالها وقواتها القتالية داخل الدولة العراقية، لا يمكن أن تخضع للمحاسبة المالية ولقوانين الدولة وسلطتها.
وتساءل العراقيون عبر منشورات نشروها تعليقًا على الصور الواردة من كربلاء عن فائدة وجود وزارات في الحكومة العراقية طالما تقوم العتبات الدينية بتنفيذ مشاريع الدولة والقطاع العام وسط مطالبات متهكمة بإغلاق الوزارات وتوفير أموال الرواتب والمخصصات.

ووجه عدد من أبناء كربلاء انتقادات لاذعة لعبد المهدي الكربلائي ممثل السيستاني في المدينة التي تنشط فيها السياحة الدينية متهمين إياه بالوقوف وراء محاولات طردهم من أرضهم.
ولم يستغرب ناشط من كربلاء من استخدام القوة المفرطة في قمع المحتجين في منطقة الدواجن معللًا ذلك بحالة التخبط الذي تعيشه المرجعية التي يتحكم بمشاريعها محمد رضا نجل السيستاني وممثليها عبد المهدي الكربلائي وأحمد الصافي.
وأشار الناشط والصحفي الذي رفض الكشف عن أسمه لدواع أمنية إلى “وجود حالة من الخوف داخل كيان المرجعية بعد تسريب مقاطع التقطت من كاميرا مراقبة مزروعة داخل منزل السيستاني تضمنت لقطات لارتداء محمد رضا نجل السيستاني قناعا لوجه والده خلال استقباله الممثلة الأممية جينين بلاسخارت”.
وتابع الناشط “أن هذه اللقطات المسربة أحدثت خللا في تعاطي القائمين على المرجعية مع المستجدات على الأرض ما أدى إلى حركات انفعالية ترجمت على شكل استخدام خشن للقوة تجاه المتظاهرين من أبناء منطقة الدواجن”.
وأضاف “أن الصمت المريب وعدم نفي مكتب السيستاني لما جاء في هذه اللقطات والصمت المطبق حيال الموضوع يشي بمستقبل مجهول لهالة السيستاني نفسه وبالتالي مزيد من التخبط على الأرض في ظل أجواء مشحونة تهدد نفوذ الدائرة الضيقة المتسترة خلف عنوان المرجعية ممن تتحكم باستثماراتها الاقتصادية”.
وتدير مرجعية النجف ممتلكات اقتصادية ومشاريع تجارية وأضرحة وعتبات تتمتع بقوة وموارد لا تضاهى، وأنه منذ العام 2003، لم تشهد أي جهة تغييرًا في سلطتها ونفوذها أكثر من السلطات الطائفية في العراق لاسيما المرجعية.
وأعادت مجريات الأحداث في منطقة الدواجن الحديث مجددًا عن الاستثمارات التي تنفذها العتبات الدينية التابعة لمرجعية النجف التي حولت الأراضي المملوكة للدولة والمواطنين إلى أملاك خاصة تتصرف بها بما يخدم مشاريعها الاقتصادية خصوصًا في محافظات الفرات الأوسط والجنوب.
وكان مزارعون في كربلاء قد طالبوا في شهر تشرين الثاني من العام الماضي الجهات المعنية بالتدخّل العاجل ووضع حد للجهات التي تقف وراء عمليات الاستحواذ على أراضيهم والحيلولة دون استحواذهم عليها بعد تخريبها.
وبين نبأ الاستيلاء على أراضي المواطنين في محافظة كربلاء وقتها حجم الفساد الذي تمارسه الجهات المتنفذة حينما أقدم مقربون من العتبات الدينية التي يشرف عليها الكربلائي بوضع يدهم على نحو 1500 دونم بالقوة وتخريب المزروعات فيها.
ونظم الأهالي وقفة احتجاجية رفعوا فيها لافتات تحمل الكربلائي مسؤولية الوقوف وراء محاولات الاستحواذ على أراضيهم متوعدين إياه بالملاحقة العشائرية فيما طالب آخرون الجهات المعنية بالتدخّل وكشف الجهات التي تقف وراء عمليات الإستحواذ.
ويجمع أبناء كربلاء على وصف الكربلائي بأنه أغنى “رجل أعمال في العراق” يدير امبراطورية مالية هائلة يستثمرها باسم مرجعية النجف ولا تخضع لأي قانون ضرائب أو تدخل حكومي.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لم تسلم المصانع العراقية من سيطرة الأحزاب والميليشيات المتنفذة، بعد أن استحوذت على أراضي المصانع واستملكتها بصورة غير قانونية وكان للعتبتين دور مماثل لما أقدمت عليه الأحزاب ومكاتب الميليشيات الاقتصادية كما حصل مع مصنع تعليب كربلاء الذي استحوذت عليه العتبة الحسينية مطلع العام الجاري.

واستحوذت العتبة الحسينية من قبل على مشروع إنشاء مطار كربلاء وأوكلته إلى شركة غير معروفة وليس لها أي خبرة أو عمل سابق في المطارات، ويفضح المشروع أوجه الفساد الإداري في إحالة المشاريع الاستراتيجية إلى جهات غير مؤهلة.
وسبق أن أكد محافظ كربلاء المقال عقيل الطريحي في مقابلة تلفزيونية له على فساد مشروع مطار كربلاء والذي جرى الاتفاق على إنشائه دون موافقات الوزارات المختصة ومنها وزارة النقل، مما يدل على عمل العتبة خارج السياقات القانونية وتصرفها كدولة مستقلة.
وكشف الطريحي خفايا ملف مطار كربلاء الدولي وكيف نقل إلى العتبة الحسينية وكلفت به شركة “خيرات السبطين” التابعة لها والتي لا علاقة لها ببناء المطارات وأخذته كمشروع استثماري تعود إليها أرباحه.
ويقول مختصون إن دوافع إنشاء المطار تنافسية إلى حد ما، نظرا لرغبة كربلاء في الحصول على مطار على غرار ذلك الذي تملكه مدينة النجف، التي تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب.
ولا يفصل بين الموقع الحالي لمطار كربلاء وموقع مطار النجف إلا نحو 50 كلم، وهي مسافة قصيرة للغاية في الحسابات الهندسية ويمكن قطعها في نصف ساعة فقط في السيارة فضلا عن إمكانية تسببها بتداخل في المسارات الجوية.
وتحت الضغط، أقر مكتب السيستاني خطة تنفيذ مطار كربلاء، لكن وسطاء سهلوا حصول شركة مشبوهة على العقد.
وذكرت مصادر إعلامية أن “4 رجال أعمال عراقيين أسسوا شركة باسم (البعد الرابع)، ثم شركة أخرى في لندن، ليدخلوا بهما المنافسة على عقد إنشاء مطار كربلاء، وحصلوا عليه بالتواطؤ مع شخصيات من أحزاب طائفية مؤثرة، أبرزهم عبد الحليم الزهيري، القيادي في حزب الدعوة، بعد أن حصلوا على تسهيلات كبيرة من الحكومة آنذاك”.
وأضافت أن “ائتلاف الشركات، الذي حصل على عقد التنفيذ، تسلم 40 مليون دولار نقدا من الجهة الممولة لتغطية مرحلة إعداد التصاميم، التي تبين أنها تصاميم محلية لا تلبي الاحتياجات الأساسية التي دعت إلى إنشاء المطار”.
وبعد مماطلة وشد وجذب، تدخل مكتب السيستاني مطالبا بإلغاء العقد مع الشركات المنفذة، وهو ما حدث فعلا في وقت لاحق.

وتتحكم مرجعية السيستاني في استثمارات مرتبطة بالفنادق والعقارات والمستشفيات الخاصة والجامعات والمصانع والبساتين، بالإضافة لمطاري كربلاء والنجف وعوائد السياحة الدينية المتمثلة بالعتبات في كربلاء والنجف.
وتمتلك هذه المرجعية سلطة عسكرية تسمّى حشد المرجعية، أو حشد العتبات المكون من فرقة “الإمام علي القتالية” وفرقة “العباس القتالية” ولواء “علي الأكبر” ولواء “أنصار المرجعية” وتضم حوالي عشرين ألف عنصر ترفع شعار “حاضنة الفتوى وبناة الدولة”. في إشارة إلى سطوتها السياسية والاقتصادية.
وبحسب المعلومات المتوفرة من مصادر في الحكومة العراقية، فإنه خلال السنوات الست الأخيرة، بلغت مشاريع العتبات الدينية في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والسياحة والثروة الحيوانية والصناعة، قرابة الـ300 مشروع في عموم مدن البلاد، كثير منها ربحية.
وتقوم الحكومة بتسجيل تلك المشاريع باسم العتبة الدينية التي تتولى تنفيذها أما الأراضي الممنوحة لها، والتي تكون إما عن طريق الدولة، أو بشرائها من أصحابها، فيتم تسجيلها على أنها وقف دائم، ما يجعله غير قابل للتصرف لاحقًا.
ويصف الكاتب علاء اللامي تلك المشاريع والمؤسسات المشرفة عليها بأنها “مؤسسات ربحية على الأرض، لكنها على الورق وفي أنظمتها الداخلية مؤسسات معنوية مستقلة غير ربحية لا تدفع ضرائب أو رسوما جمركية للدولة وتتمتع بالأولوية والأفضلية في المعاملات والمقاولات، ولا تخضع للمراقبة والتفتيش المباشرين من طرف دائرة الرقابة المالية والضريبية، ولكنها كما تزعم تدقق حساباتها بنفسها بمشاركة مدقق خارجي (من خارج وزارة المالية) تختاره هي، كما أنها تُسَخِّر أجهزة وآليات وإمكانيات دوائر الدولة لمصلحتها”.
وأضاف اللامي “هذا ما يجعل هذه العتبات أشبه بالدويلات المتضخمة داخل الدولة وعلى حساب الثروة الوطنية والمال العام، بل إنَّ بعضا منها أصبح محميّاً بميليشيات مسلحة تابعة لها عقائدياً، تضم آلاف المقاتلين”.
وتابع “منذ انطلاق العملية السياسية الأمريكية القائمة على المحاصصة المكوناتية بعد احتلال العراق، وخلال عشرين عاماً، تحوّل بعض هذه المؤسسات والمشاريع التابعة للعتبات الدينية إلى نوع من جُزُر اقتصادية إقطاعية شبيه بالاقتصاد الكنسي الذي كان سائداً في أوروبا خلال القرون الوسطى”.
وقال “المتظاهرون السلميون لطالما هتفوا حتى قبل ثورة تشرين 2019، بشعار أغضب المؤسسة الدينية والأحزاب التي تستظل بعباءتها بهتافهم باسم الدين باقونا (سرقونا) الحرامية حيث بلغت ممتلكات واستثمارات الأوقاف والعتبات الدينية في العراق مليارات الدولارات، لا يعرف أحد كيف تدار وأين تذهب وتشمل تلك الممتلكات والاستثمارات مصانع ومزارع شاسعة ومؤسسات خدمية من المستشفيات والجامعات والمطارات وشركات استيراد وأرصفة مستقلة في الموانئ…”.
وسبق أن وصفت دراسة نشرها معهد “المجلس الأطلسي” الأمريكي، مرجعية النجف بزعامة علي السيستاني بأنها “دولة” طائفية كاملة الأركان الاقتصادية والسياسية والميليشياوية وتتمتع باستقلالية عن كل ما يتعلق بالدولة العراقية.
وأكدت الدراسة التي كتبها الباحث المختص بشؤون المرجعية مهيار كاظم بأن التغيرات التي شهدتها سلطات مرجعية النجف منذ عام 2003 تفوق ما شهده العراق منذ الاحتلال الأمريكي، وباتت تتمتع بقوة وموارد لا مثيل لها.
وزعمت الدراسة أن مرجعية النجف بسلطاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، صارت بمثابة “البديل الثقافي” الذي يواجه الفكر الغربي، مشبهًا إياها بـ “فاتيكان الشيعة”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى