أخبار الرافدين
طلعت رميح

خطة الصهاينة دليل انهيار قدرتهم

تحدث قادة الكيان الصهيوني عن حرب، قد تمتد لعدة سنوات، وهو ما يمثل تغييرا في إستراتيجياتهم، إذ كانوا يتحدثون ويعملون دوما، منذ نشأة الكيان، وفق إستراتيجية الحرب الخاطفة ونقل المعركة لأرض الخصم.
وهم يفصحون عن نوايا واضحة، بأنهم ذاهبون لصناعة نكبة جديدة للفلسطينيين بطردهم مما تبقى لهم من أراض في الضفة وغزه، وهو ما يعنى أنهم بصدد إنهاء الفكرة التي لا يزال بعض قادة الغرب يتشدقون بها لتحقيق توازن إعلامي، وأنهم يقفزون الآن لإنهاء ما خططوا له من هدم المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم من جهة، وأنهم ذاهبون في الجهة الأخرى إلى صراع مع كل من مصر والأردن ولبنان.
ويخوض القادة الصهاينة حربهم تلك على الصعيد السياسي والدبلوماسي الدولي، تحت شعار محاربة الإرهاب، وتساندهم في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، بما يعنى إعادة تفعيل الإستراتيجية الأمريكية والغربية التي جرى على أساسها غزو واحتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003. وهو ما يعنى أن الغرب ذاهب لممارسة ضغوط رهيبة على الدول العربية والإسلامية التي قبلت الدخول في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، إذ كثير منها له موقف مختلف بشأن حماس والمقاومة الفلسطينية بل بشأن قضية الشعب الفلسطيني.
وواقع الحال أن طرح القادة الصهاينة لتلك الخطوط العامة لأهدافهم من العدوان وحرب الإبادة الجارية على غزه، هو إعلان بإفلاس قدرة العقل الصهيوني على التخطيط، وهو تأكيد جديد على ما أثبتته معركة طوفان الأقصى من تراجع وانحدار القدرة الصهيونية.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الطرف المهزوم، تلك الهزيمة الاستراتيجية من جماعة مقاومة “مهما بلغت قوتها فهي أضعف منه” لا يمكن له التحول بين ليلة وضحاها لاعتماد إستراتيجية دولية وإقليمية بمثل هذا الاتساع، وبشكل خاص لأن الحكومة المهزومة هي نفسها المستمرة في الحكم وهي حكومة مشكلة من متطرفين لا يفهمون في إدارة الإستراتيجيات والسياسات وفق الكتاب والساسة الصهاينة، بما أدى لوقوع هزيمة مذلة وغير مسبوقة.
والأهم، أن الكيان الصهيوني نفسه صار أضعف على صعيد توازنات القوة بالمعنى الشامل، سواء على صعيد الأرض الفلسطينية أو على صعيد التوازنات الإقليمية. فعلى الصعيد الفلسطيني- الصهيوني، رأينا ما حدث في السابع من تشرين الأول، وقد أظهر أن السوس نخر قدرات الجيش والأجهزة الأمنية، بل حتى المجتمع والنخب الصهيونية.
وعلى الصعيد الإقليمي، فقد رأينا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث بلغة قاطعة سواء بالإعلان عن أن حماس حركة تحرير وليست حركه إرهابية، أو بالإشارة لإمكانية التحرك العسكري، إذا تمادى الكيان الصهيوني في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني في غزه. كما تابع الجميع مدى الرفض العربي وخاصة من دول الجوار لأي تهجير فلسطيني، وما صدر من تصريحات وإشارات واضحة بأن مثل هذا المخطط يشكل تهديد للأمن القومي لتلك الدول.
وعلى الصعيد الدولي، فإن الطرف الغربي الذي بنيت تلك الاستراتيجية الصهيونية بالمراهنة عليه، لم يعد قويا كما كان أو هو أضعف مما كان حين لم يستطع هذا الكيان تمرير تلك الإستراتيجية المخزنة في الأدراج الصهيونية منذ سنوات طويلة. والأهم أن الغرب بات منهكا الآن ومنشغلا بصراعات أخرى شديدة التأثير المستقبلي على هيمنته الدولية، كما هو حال الصراع مع الصين والحرب مع روسيا في أوكرانيا.
والأغرب في تبني الكيان الصهيوني تلك الإستراتيجية، هو أن الكيان بدا خارج سياق فهم التغييرات التي جرت في المجتمع الإنساني أو على صعيد الرأي العام الدولي الذي هو أساسي في إنجاح تلك الاستراتيجية. وسبب الغرابة أن الكيان واللوبيات الصهيونية، قد تعرضت لهزيمة خطيرة بعد زلزال السابع من تشرين الأول، ولا يمكن لأي خبير أن يبني إستراتيجية لمكافحة الإرهاب، وهو معزول على صعيد الرأي العام الدولي.
لقد كان أبلغ مظاهر تلك الهزيمة وضوحًا، أن المظاهرات الحاشدة وغير المسبوقة قد تفجرت في أعتى الدول مساندة للكيان الصهيوني والواقعة شعوبها تحت ضغط سيطرة الإعلام المتصهين، وأن لعبة دعم الكيان الصهيوني، قد انقلبت الآن لصالح القضية الفلسطينية إعلاميًا، فضلا عن أن الهزيمة على صعيد الرأي العام، قد بدأت من داخل الكيان نفسه عبر المواطنين الذين أسرتهم المقاومة وأفرجت عنهم تاليًا.
وتبلغ شدة الغرابة مداها حين تقدم وتعتمد النخب والساسة الصهاينة مثل تلك الخطة، فيما الكيان الصهيوني يعيش صراعًا عميقًا في داخله –بل حتى في داخل الجيش ومؤسسات الدولة- إلى درجة الاختلاف حول عملية الغزو البري لغزة.
وإذ يبدو في المشهد الإعلامي أن الانقسام يجري بين من يرى ضرورة عقد صفقة لتبادل الأسرى قبل الذهاب للحرب البرية، ومن يطالب بالغزو البري فورا، فأغلبية الخبراء الصهاينة يطرحون رؤية أخرى، تقول بأن نتنياهو ذاهب لإطالة الحرب لحساب مصالحه هو، إذ لو هدأت الأوضاع لذهب للمحاكمة والسجن.
وهكذا فخطة الصهاينة مهلهلة وتعبر عن استمرار حالة الصدمة التي تعرض لها الكيان جراء طوفان الأقصى.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى