أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مراجعة دوائر الدولة في العراق تبدأ بالإرهاق ولا تنتهي بالابتزاز

الابتزاز في مؤسسات الدولة تحول إلى ظاهرة فاقمت من معاناة المواطنين، من دون أي رادع حكومي لمعاقبة المبتزين وتطبيق القانون على المتنفذين المدعومين من جهات سياسية.

بغداد – الرافدين
ينتظر عبد الكريم (64 عامًا) دوره بطابور طويل في دائرة هيئة التقاعد العامة وسط بغداد لإنجاز معاملة التقاعد دون وسيط، أو دفع مبالغ للموظفين ما يعني أنها ستستغرق نحو عام كامل، نتيجة الفساد الحكومي، وابتزاز الموظفين لمراجعي دوائر الدولة من أجل تمشية المعاملات.
وعلى الرغم من الروتين الخانق واستمرار العمل بالمعاملات الورقية في الدوائر الحكومية، والذي يحمل العراقيين عبئًا إضافيًا وهدرًا في الوقت والمال. يعاني علي قاسم (32 عامًا) هو الآخر من ابتزاز بعض موظفي دوائر الدولة، لإكمال معاملته المتوقفة منذ شهور، نتيجة رفضه إعطاء مبالغ مالية لبعض الموظفين من أجل تمشية معاملته.
ولا تزال حوادث ابتزاز المراجعين تتكرر في الدوائر الحكومية في العراق، وطلب بعض الموظفين الذين يكونون على الأغلب من النافذين أو المدراء مبالغ مالية من أجل استكمال أوراق أو معاملات المراجعين، نتيجة الفساد الحكومي وغياب الرقابة وسلطة القانون.
وانتقد، عراقيون على منصات التواصل الاجتماعي، استغلال السماسرة في دوائر الدولة، ممن يحصلون على مبالغ مالية مقابل تسهيل إنجاز المعاملات، للمراجعين جراء الروتين المعتاد والذي أنهك كاهل المواطنين، محملين الحكومة مسؤولية الفساد الذي نخر دوائر الدولة.
وما زالت أغلب الوزارات ودوائر الدولة في العراق، تعتمد على حلقات العمل المتعددة في إنجاز المعاملات، ما يفرض على المواطن تنقلات بين دوائر المؤسسة الواحدة والتي يكون “أغلبها بمناطق متفرقة”، لإنجاز معاملته، الأمر الذي جعل من المعاملات “كابوسًا” يقض مضجع العراقيين.
ويفرض هذا الواقع على العراقيين اللجوء إلى ما يسمى بالوسيط أو السمسار والذي يكون على ارتباط مباشر بمتنفذين داخل دوائر الدولة من أجل الإسراع بإنجاز المعاملات، مقابل مبالغ مالية يتم الاتفاق عليها مسبقًا
وفي هذا السياق يقول القاضي رحيم العكيلي “حينما يشعر الناس بالعجز إزاء تلك الممارسات -بسبب عدم اكتراث الدولة بمعالجتها وردع الفاسدين- يضطرون إلى دفع الإتاوات والرشاوى لإنجاز معاملاتهم ولو كانت قانونية بالمطلق”.
وبين، أن الموظف المبتز لا يوقف -غالبًا- معاملات المواطنين بسبب مخالفتها للقانون، بل سيجد أي مبرر لتعطيل المعاملات القانونية وجعل المواطن يدور في حلقة مفرغة من المراجعات الورقية والمكاتبات الطويلة ليضطره لدفع الرشاوى.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة وبعض وزاراتها تشكيل لجان تحقيقية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق من يثبت تورطه بالابتزاز، إلا أنها لا تعدو عن كونها بيانات استعراضية لذر الرماد في العيون، بحسب مراقبين.
وتؤكد مصادر برلمانية، أن الابتزاز في مؤسسات الدولة تحول إلى ظاهرة فاقمت من معاناة المواطنين، ولا بد من تحقيق تقدم فيها على مستوى معاقبة المبتزين وتطبيق القانون على المتنفذين المدعومين من جهات سياسية.
وقال عضو لجنة النزاهة في البرلمان الحالي، هادي السلامي إن “هذا الأمر زاد من عمليات الفساد في الدوائر بشكل خطير، نتيجة الروتين في المعاملات الورقية”، مبينًا أن العراق يعدّ من الدول المتأخرة جدًا في الحوكمة الإلكترونية.
وشدد على ضرورة اعتماد الحوكمة والرقمنة وأتمتة المعاملات اليومية في دوائر الدولة، لأنه سيقضي تمامًا على ابتزاز المواطن ويحد من الفساد في أغلب الدوائر.
ولا يقف الابتزاز عند طلب مبالغ مالية مقابل إنجاز المعاملات، بل تعداه إلى ابتزاز النساء اللائي يراجعن من أجل إنجاز معاملاتهن، الأمر الذي يراه خبراء قانونيون بأنه كارثي.
إلى ذلك، أكدت سيدة عراقية -رفضت الكشف عن هويتها لأسباب اجتماعية- تعرضها لعملية ابتزاز من أحد موظفي دائرة التقاعد العامة ببغداد من أجل استكمال معاملة التقاعد الخاصة بوالدها المتوفي، وتحويل راتبه باسمها.
وأوضحت السيدة، أن الموظف طلب الخروج معها إلا أنها رفضت، ليهددها بإيقاف المعاملة وإلغاء الراتب التقاعدي بذريعة زواجها من ضابط، على الرغم من عدم زواجها، واستحقاقها للراتب.
ولفتت السيدة في حديثها لمصادر صحفية محلية، إلى أنها لجأت إلى الشعبة القانونية في دائرة التقاعد وتقديم شكوى بحق الموظف، بعنوان الابتزاز والتحرش. ليبلغوها بعد أيام باكتمال المعاملة، إلا أن الموظف لم يعاقب، ولا يزال مستمرًا بعمله.
وحذرت الباحثة في شؤون المرأة والمحامية رواء الموسوي، من أن سكوت المرأة التي تتعرض لهذه الحالات، يدفع الموظفين من المتحرشين والمبتزين إلى الاستمرار بهذا السلوك، لأن القانون العراقي يضمن للمرأة حماية من هذه التصرفات”.
وبينت، أن الإجراءات الروتينية المتبعة في المحاكم والدوائر القانونية في البلاد، تقف عائقًا أمام تفعيل الشكاوى ضد المتنفذين، لذلك، لا بد من تسهيل هذه الإجراءات لوضع حد لهذه التصرفات السيئة.
ويرى مراقبون للشأن العراقي، أنه في ظل غياب الرقابة والمتابعة المستمرة وضعف تطبيق القانون والوقوف على دقة تنفيذ الواجبات الموكلة لبعض العناصر التي تعمل بالدولة تتفاقم الأخطاء وتنتشر حالة الفساد التي أصبحت تشكل الأزمة الخطيرة في المجتمع.
وعلى الرغم من المطالبات المستمرة بالقضاء على الفساد، والحد منه، تنخر هذه الظاهرة الخطيرة هياكل الكثير من دوائر الدولة المهمة التي لها تماس مباشر بحياة المواطن اليومية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى