أخبار الرافدين
تشكيل الحكومة العراقية أزمات متعاقبةتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

القضاء في العراق أداة أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي لتصفية الخصوم

يمتلك القضاء في العراق تحت حكم الأحزاب تاريخًا طويلًا من المواقف المتناقضة والمثيرة للجدل، ما جعله أداة مؤثرة تحكمه قوى سياسية مسلحة لا تنصاع لقوانين الدولة.

بغداد – الرافدين
لم يثر اعتراف مجلس القضاء الأعلى في العراق، الخميس، من أن آفة الفساد تزيد معدلات الفقر والبطالة وتقوض فرص التنمية وتعرقل عمل المؤسسات الديمقراطية، استغرابًا لدى الشارع العراقي، في ظل تحول القضاء إلى أداة تستخدم في الصراعات السياسية وأنه شريك وفاعل في كل ما جرى للعراق منذ عشرين عامًا.
وكان ممثل مجلس القضاء الأعلى القاضي إياد محسن ضمد، أكد على أن “الفساد يؤثر سلبًا على جميع مفاصل الحياة ويصيب الضرر مؤسسات الدولة كافة وأغلب شرائح المجتمع”، وذلك في كلمة ألقاها نيابة عن رئيس مجلس القضاء فائق زيدان خلال احتفالية أقامتها بعثة الاتحاد الأوروبي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد.
وشدد في كلمته على أهمية إصلاح منظومة التشريعات القانونية ذات الصلة بمكافحة الفساد، مضيفًا، أن “الفساد يقلل من فرص تمكين المرأة وحرية التعبير عن الرأي من خلال غياب المساواة والشفافية، ويعرقل جهود فرض سيادة القانون، وهو التحدي الأهم والأخطر الذي تواجهه الدولة العراقية”.
واعتبر عراقيون أن تصريحات ممثل مجلس القضاء الأعلى دليل على تناقض مواقف القضاء في العراق الذي تستخدمه القوى الحاكمة في بغداد لإصدار قرارات وقتية بناء على نوعية الصراع السياسي القائم والحصول على مكاسب حين لا تستطيع الحصول عليها بالطرق القانونية والسياسية والديمقراطية المتاحة.
وأكدوا على أن القضاء في العراق تحوّل إلى أداة فاعلة لتصفية الحسابات واستبعاد الخصوم نتيجة لتكرار إصدار المحكمة الاتحادية لقرارات في أوقات معينة، وتناسُق تلك القرارات مع توجّهات سياسية دون أخرى.
ولفتوا إلى أن القضاء العراقي طالما شنق العدالة عندما أخرج المجرمين من السجون مثل نور زهير لص سرقة القرن والميليشياوي أحمد الكناني قاتل هشام الهاشمي الذي أعيدت محاكمته لتسهيل تبرئته.
وأبدى العراقيون امتعاضهم، حول صمت القضاء تجاه ملفات تمس جوهر العدالة في العراق، مثل ملف المغيبين قسرًا وإفلات الجناة من العقاب وتسييس القضاء وجعله هامشًا للأحزاب السياسية الحاكمة.
ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 يتم استخدام القضاء كأداة للانتقام الطائفي وتلفيق التهم للخصوم السياسيين، كما حصل في قرار المحكمة عام 2010 بشأن الكتلة البرلمانية الأكبر، وقرارها بشأن نفط إقليم كردستان العراق، وتشكيل الحكومة، وصولًا إلى إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه مؤخرًا والتي لن تكون الأخيرة بحسب مراقبين وخبراء في القانون.
وأجمع المراقبون على، أن تلك المحكمة أصبحت جزءًا من أزمة النظام السياسي في العراق، وأسهمت في رسم أو تغيير خارطة المشهد السياسي في البلاد، بإصدارها قرارات وأحكام بما يتناسب مع مصالح القوى الحاكمة.
ويكشف قرار المحكمة الاتحادية الأخير بإقالة الحلبوسي، انهيار آخر حصن في مفهوم الدولة متمثلًا بالقضاء، عندما أصبح أداة بيد القوى والأحزاب السياسية لتنفيذ مآربها في قرارات قضائية.
ويتساءل الشارع العراق إذا كان قرار إنهاء عضوية الحلبوسي بناء على دعوى تزوير تقدم بها أحد النواب، فهل يستطيع القضاء تزكية أي من لصوص الدولة والمزورين الكبار الذين يقودون العملية السياسية.
ويجمع العراقيون على أن الجميع في سدة الحكم شركاء في عمليات التزوير وسرقة الدولة وانهيار مؤسساتها وتبرئة اللصوص والقتلة في صفقة سياسية مكشوفة بين أحزاب وميليشيات ائتلاف إدارة الدولة.
ويعزون إقالة الحلبوسي إلى سياسة الانتقام الطائفية الكامنة بين القوى والأحزاب السياسية، وأن تعبير “ائتلاف إدارة الدولة” الذي شكل حكومة محمد شياع السوداني، مجرد تسمية زائفة لصراع على مغانم الدولة بين أحزاب وميليشيات اختطفت السلطة في زمن شاذ من تاريخ العراق السياسي.
ويرى باحثون وسياسيون أن القضاء في العراق في ظل العملية السياسية القائمة وأحزابها يمتلك تاريخًا طويلًا من المواقف المتناقضة والمثيرة للجدل والشبهات في آن واحد، ما جعله أداة مؤثرة في القرار السياسي في العراق تحكمه قوى سياسية مسلحة لا تنصاع لقوانين الدولة.
وقال الباحث السياسي مجاشع التميمي: “إن المهمة في العراق تبدو أكثر تعقيدًا”، مطالبًا بضرورة رفع أي ضغط سياسي عن القضاء، وتركه يمارس مهامه بحرّية دون أي حرج.
وأضاف “المحكمة الاتحادية تمارس مهامها في ظل حكم قوى سياسية أغلبها مسلح، ولا تخضع لإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وهذا ما أعلنه عدد من قيادات العملية السياسية”.
من جانبه، قال وزير الخارجية الأسبق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري إن “الوقت حان لتشريع قانون جديد لتشكيل المحكمة الاتحادية وفق ما جاء في الدستور”، في دعوة منه إلى تشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية من أجل منع التأثيرات السياسية على قراراتها.
وأكد زيباري في تغريدة على منصة “إكس” على أن المحكمة الاتحادية غير دستورية، وتسيس قراراتها لتصفية حسابات سياسية داخلية وخارجية باسم القضاء والعدالة، خلال بيانه تعليقًا على قرار إقالة الحلبوسي، مشيرًا إلى تسييس القضاء خدمة لمصالح سياسية.
بينما وصف النائب في البرلمان الحالي باسم خشان، قانون الأحزاب بـ”المعطل منذ تشريعه”.
واتهم خشان، أحزاب السلطة، التي تهمين بشكل كامل على عمل البرلمان والحكومة وعموم الدولة العراقية، بتعطيل هذا القانون من أجل ضمان استمرار عملها السياسي.
وأضاف أن “غالبية تلك الكتل والأحزاب مجهولة التمويل، ولها هيئات اقتصادية تسيطر على عمل مؤسسات الدولة التجارية، ومنها من يملك أجنحة مسلحة، ولها تحركات خارج إطار الدولة والقانون بهذا السلاح المنفلت، وتطبيق هذا القانون بشكل حقيقي يعني حرمانها من العمل السياسي وفقًا لما جاء بفقرات القانون، الذي لم ينفذ بشكل حقيقي منذ تشريعه وحتى الآن”.
وسبق أن تداول عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي لقاءًا سابقًا مع زعيم ميليشيا بدر، هادي العامري أقر فيه بتهديد القضاء للسيطرة على مركز القرار في العراق، وإصدار أحكام بما يتناسب ومصالح أحزابهم في البلاد، دون أن تتم محاسبته أو أن يخضع للمساءلة.
ويمثل مجلس القضاء الأعلى الذي تم تشكيله بموجب قرار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، واجهة لتمرير قرارات غير شرعية والتواطؤ مع عمليات فساد كبرى وإفلات الجناة من العقاب، وتفسير فقرات القانون وفق مصالح الأحزاب والميليشيات المتحكمة بالسلطة.
ويعكس مجلس القضاء الأعلى صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القرارات وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.
ومع أن ديباجة مجلس القضاء تؤكد على استقلاله، إلا أن هذا الكلام لا يمثل إلا نفسه على الورق فمجلس القضاء الأعلى مجرد أداة قانونية لتمرير قرارات غير عادلة بحق العراقيين وتسويغ عمليات فساد كبرى في الاستيلاء على ثروة البلد منذ عام 2003، وإطلاق جناة ثبت بالدليل دورهم في تصفية وقتل العراقيين على الهوية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى