أخبار الرافدين
طلعت رميح

ورقة الحسم المخفية في حرب غزة

تجرى اللعبة باحترافية في المجالات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية. يمكن وصف ما يجري من تركيز شامل على الهدنة وعمليات الإفراج عن الأسرى، بلعبة تضخيم الأنف حتى لا يرى أحد أبعد من وجهه، فلا يرى ورقة الحسم الاستراتيجي في حركة الصراع.
كل الأحاديث والتصريحات والمفاوضات تجري تحت عنوان ملف الأسرى، تصنيفاتهم وأعمارهم ومراحل الإفراج عنهم وارتباط عمليات الإفراج بوقف مؤقت لإطلاق النار لتسهيل تنفيذ الصفقات، ولإدخال الغذاء والدواء والطاقة إلى غزة شمالًا أو جنوبًا…
جرى تضخيم هذا الملف حتى لا تكاد تسمع عن شيء آخر، اللهم إلا الدمار والقتل والمذابح التي جرت والتهديدات بعودة الجيش الصهيوني إلى ممارسة حرب الإبادة مجددًا. وإن كان هناك شيء آخر يظهر على الشاشات، فهو يتعلق بتكرار أحاديث أمريكية باردة عن حل الدولتين وضرورة اغتنام الفرصة للسير بهذا الطريق.
وهكذا فلا كلمه ولا تصريح ولا نقاش، حول انسحاب القوات الصهيونية من غزة. وكأن هناك من يرسل رسالة أو كأن هناك توافقًا على أن غزة كانت محتلة دون قوات ولا جديد إن دخلتها أو عادت إليها قوات الاحتلال.
وهو أمر لا يجري دون هدف. ولا يجري لمجرد التعامل العفوي مع قضية إنسانية. وسيظهر هدف ما يجري حين يحين وقت الحسم الإستراتيجي للمعركة.
في اللعبة الجارية كيف ولم تم هذا التركيز، هناك عدة اتجاهات متناقضة، وفي تناقضها سر نجاحها.
هناك من دفع باتجاه التركيز على ملف الأسرى والهدن المتجددة يومًا بعد يوم، بهدف اغتنام الوقت والفرصة لا نزال نتنياهو من فوق النخلة التي اعتلاها، وأن ما يجري يمهد الطريق لإطفاء النيران المشتعلة في رؤوس الصهاينة ونتنياهو والحاخاميين بشكل خاص، إذ يخوضون حربًا إنتقامية بالدرجة الأولى. هناك من دفع لهذا التركيز لمنح نتنياهو الفرصة للقول بأنه أنجز شيئًا كبيرًا من خلال العملية العسكرية، كخطوة لاستعادة شعبيته المنهارة. ويتضح ذلك من نصوص تصريحات نتنياهو إذ روج لفكرة أن لولا العملية العسكرية والتوغل البري في غزة ما وافقت حماس على الإفراج عن الأسرى، وأن الإفراج عن الأسرى الصهاينة هو إحدى نتائج العملية العسكرية ويمثل عنوانًا لنجاحها.
وفى ذلك، بدى لافتًا أن تحدث الناطق العسكري باسم الجيش الصهيوني، بأن هدفي العملية العسكرية من وجهه نظر الجيش- وقد شدد على ذلك- تتمثل في إطلاق سراح الأسرى بالقوة وبالطرق الأخرى وتفكيك حماس. وهنا لاحظ الجميع أنه لم يشر إلى القضاء على حماس ولا عن أي أهداف أخرى من تلك التي لاكها لسان نتنياهو وتحالفه الحكومي عند إطلاق عملية القصف والتدمير وإعادة احتلال غزة.
وهناك من دفع للتركيز على هذا الملف لتحقيق هدف معاكس، إذ رآها طريقه لتوفير مناخ مناسب لإطاحة نتنياهو الذي يرقص في حلبة النار، حتى لا تهدأ، فإن هدأت يكون مصيره العزل.
وهناك من يرى بالمقابل، أن حماس قبلت بتلك اللعبة اختيارًا لا إجبارًا، بل هي من هندستها لأهداف عديدة بعضها يعود لاستثمار الوقت لتحقيق وضع أفضل للمقاومة وللشعب الفلسطيني وأن وقف إطلاق النار أو وقف عمليات الإبادة يمنح مواطني غزة وقتًا وفرصة لمواصلة الصمود وأنها رأت في تقديم وتضخيم الاهتمام بهذا الملف، يحقق هدف خلخلة الإجماع الصهيوني على العملية العسكرية ويمنح الفرصة لتفكيك الحكومة القائمة ووقتًا لممارسة تأثير إيجابي على الرأي العام الدولي.
لكن الأهم الذي يجب الانتباه له –ومن الآن- أن هذا التضخيم الأمريكي والصهيوني في موضوع الأسرى والهدنة، يجرى وفق بعد إستراتيجي سينتفض في وجه الجميع في لحظة الحسم. هذا التضخيم يجرى للتغطية على ملف وجود القوات الصهيونية في غزة، ولإبعاد واستبعاد الحديث من الآن عن انسحابها.
في كل ما يجري لا يتطرق أحد لفكرة انسحاب القوات الصهيونية.
وفي لحظة ما ستكون ورقه وجود القوات الصهيونية في غزة ومسألة بقائها أو انسحابها، الورقة التي سيجري حولها كل الحديث والنقاش والتفاوض والصراع.
الولايات المتحدة والكيان الصهيوني- وربما أطراف عربيه أيضًا- سيعلنون أن لا انسحاب لتلك القوات إلا في مقابل إنهاء سيطرة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة. وهي الورقة الإستراتيجية في اللعبة.
وهذا هو سر التأكيد الأمريكي الدائم على عدم بقاء القوات الصهيونية في غزة. هو فتح لباب المساومة الإستراتيجية في ختام المعركة.
سيقال جاهزون للضغط على إسرائيل لسحب قواتها حال الاتفاق على الوضع النهائي لغزة. وسيقال إن بقاء سيطرة حماس على غزة يعني احتمال العودة لتكرار ما حدث في السابع من تشرين الأول، وأن بقاء القوات الصهيونية في غزة هو لضمان عدم تكرار الهجمات على إسرائيل. ستكون المساومة كالتالي: يمكن سحب القوات الصهيونية ضمن إطار وضع جديد لغزة.
لذلك يجب الانتباه إلى ضرورة كشف اللعبة من الآن. بل ربط مسألة الإفراج عن الأسرى العسكريين تحديدا بانسحاب القوات الصهيونية من غزة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى