أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مافيات الفساد تتاجر بصحة العراقيين في أدوية مزيفة وغير مطابقة للمواصفات

ضبط عشرات الشاحنات المحملة بأدوية غير صالحة للاستهلاك البشري في محافظة ديالى المحاذية للحدود مع إيران.

ديالى – الرافدين
أثار ضبط دائرة صحة محافظة ديالى كمية كبيرة من الأدوية المهربة خلال الأشهر الأربعة الماضية. تساؤلات بشأن مافيات الفساد التي تتاجر بصحة المواطنين، مع تواطؤ جهات حكومية معها مقابل الحصول على نسبتها من أموال هذه التجارة اللا أخلاقية.
وقال مدير إعلام صحة ديالى، فارس العزاوي، إن الفرق التفتيشية صادرت 21 سيارة محملة بالأدوية منتهية الصلاحية.
وترتبط محافظة ديالى بحدود مفتوحة مع إيران تسيطر عليها ميليشيات منضوية في الحشد الشعبي في مقدمتها ميليشيا بدر بزعامة هادي العامري.
وأضاف مدير صحة ديالى، أن هذه الأدوية غير مفحوصة وتذهب إلى مستشفيات ومذاخر أهلية، مؤكدًا أنه لا يمكن استخدامها في المستشفيات الحكومية لمجهولية المصدر والصلاحية.
وأشار إلى إغلاق أكثر من 61 مذخرًا يحوي أدوية منتهية الصلاحية في الأسابيع الماضية.
وسبق أن أعلنت دائرة صحة ديالى ضبط 6 أطنان من الأدوية، نصفها مجهول المصدر، خلال عام 2023.
وتعد قضية الرقابة الصحية والأمنية على المواد الداخلة إلى العراق من المشكلات الكبيرة، إذ تسبب إهمالها في السنوات السابقة بدخول كميات كبيرة من الأدوية غير الصالحة للاستخدام إلى البلاد، وهو ما شكل مخاطر صحية كبيرة على المواطنين.

معهد “تشاثام هاوس” البريطاني: 30 بالمائة فقط من الأدوية الموجودة في الصيدليات صالحة طبيًا، أما الأدوية الأخرى فهي على الأغلب مزيفة أو منتهية الصلاحية

وانتشر هذا النوع من الجرائم بالعراق في ظل الفساد المتفشي، وسطوة نفوذ مراكز قوى حزبية، مستغلين غياب الرقابة والفوضى الإدارية، وإغلاق مصانع الأدوية التي كانت تغطي أغلب احتياجات المستشفيات والصيدليات بسبب الفساد، فاتجهوا إلى عمليات تهريب أدوية غير مرخصة داخل منافذ الحدود، وأصبحت هناك مافيات مختصة بالإجرام الدوائي من ساسة إلى سماسرة ومكاتب ومذاخر وصيادلة وأطباء وكمركيون.
وتدخل آلاف الأطنان من الأدوية سنويًا عبر المنافذ الحدودية من دون رقابة أو فحص.
وسبق أن سلط معهد “تشاثام هاوس” البريطاني الضوء على فساد القطاع الطبي في العراق، والفساد غير المسبوق في قطاع الأدوية، مشيرًا إلى أن 30 بالمائة فقط من الأدوية الموجودة في الصيدليات صالحة طبيًا، أما الأدوية الأخرى فهي على الأغلب مزيفة أو منتهية الصلاحية.
وذكر تقرير للمعهد أن منظومة الفساد تحقق أرباحًا سنوية تعادل 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق وتقدر بنحو 7 مليارات دولار، بحسب معلومات حصل عليها المعهد من مسؤولين حكوميين.
وأشار إلى مشاركة وزارات النقل والداخلية والمالية والتخطيط في عمولات عقود وتراخيص بالنيابة عن الأحزاب وصفقات توريد أدوية من شركات غير مسجلة أو استيراد أدوية غير مرخصة من قبل وزارة الصحة التي بدورها تضم موظفين تابعين لأحزاب سياسية متنفذة وميليشيات مسلحة، يسهلون عملية إدخال الأدوية الفاسدة إلى العراق.

ماجد شنكالي: الحكومة عاجزة عن الوقوف بوجه مافيات استيراد وتهريب الأدوية

وسبق أن اتهم رئيس لجنة الصحة البرلمانية ماجد شنكالي، الحكومة بالعجز أمام من سماهم مافيات تهريب الأدوية والتي تعمل على استيراد الأدوية لتحقيق أرباح أكثر على حساب المصانع المحلية.
وأضاف شنكالي أن هذه المافيات أضرت بصناعة الأدوية المحلية ودفعت لاستيراد 85 بالمائة من الاحتياجات الدوائية بعد 2003.
وكان جواد الموسوي عضو لجنة الصحة النيابية السابق قد أشار إلى أن استيراد الأدوية أو صناعتها تتم من خلال بعض الشركات أو المعامل الخاصة التابعة لجهات سياسية وأحزاب متنفذة.
وبرر عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية باسم الغرابي، دخول الأدوية المهربة بسوء التنظيم ووجود ثغرات في عملية الاستيراد من قبل وزارة الصحة، واستغلالها من قبل متنفذين. من دون الإشارة إلى مافيات الفساد وعلاقتها مع جهات حزبية وحكومية.
وقال الغرابي إن “الحل يكمن في الإرادة الحقيقية لتفعيل التسعيرة الدوائية الموحدة وتطبيق قانون الضمان الصحي كمرحلة أولى حتى تكون الأدوية تحت سيطرة الجهات المخولة من الدولة، وإن طبق ذلك فيمكن السيطرة على 70 بالمائة من تهريب الأدوية”.
وحملت نقابة الصيادلة العراقيين في أوقات سابقة، وزارة الصحة مسؤولية إهمال ملف الأدوية الداخلة إلى البلاد، مؤكدة أن “وزارة الصحة تهمل الجانب الرقابي على الأدوية الداخلة، والتي تشكل نسب التهريب كميات كبيرة منها”.
وقالت النقابة إن “المذاخر الطبية زاخرة بتلك الأدوية، وأن الكثير من المواطنين يجبرون على شرائها بسبب الفارق الكبير بين أسعارها وأسعار الأدوية ذات المناشئ الرصينة والموثوقة”.
وشددت على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع التعامل بها من قبل أصحاب المذاخر والصيدليات، فضلاً عن المراكز الصحية الحكومية والعيادات الشعبية التي يجرى فيها استبدال الأدوية الرصينة بغير الرصينة من قبل جهات فاسدة.
ويرى نقيب الصيادلة العراقيين، مصطفى الهيتي أن السوق الدوائية في العراق تعاني من مشكلة قيام مافيات كبيرة مدعومة من أطراف سياسية بإدخال الأدوية بالطرق غير القانونية، وأن نسبة 50 بالمائة من الأدوية المستوردة تقريبًا تدخل خارج الضوابط الرسمية ويتم تهريبها عن طريق منافذ حدودية غير رسمية من دون الخضوع للفحوصات اللازمة.

نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي: السوق الدوائية في العراق تعاني من مشكلة قيام مافيات كبيرة مدعومة من أطراف سياسية بإدخال الأدوية بالطرق غير القانونية

وأوضح أن “القطاع يحتاج إلى توفير مختبرات الرقابة الدوائية، ومنح إجازات استيراد قانونية، وتسجيل الأدوية من قبل وزارة الصحة حسب الضوابط المعتمدة من أجل تأمين أدوية فعالة وآمنة وبأسعار مقبولة للمواطن”.
وحمل عضو نقابة الصيادلة العراقيين حسن الفيلي وزارة الصحة مسؤولية إهمال ملف الأدوية الداخلة إلى البلاد، والتي تسبب مخاوف لدى المرضى، فضلًا عن مخاطرها الصحية، مؤكدا أن “الوزارة تهمل الجانب الرقابي على الأدوية الداخلة، والتي تشكل نسب التهريب كميات كبيرة منها”.
وأكد مختصون في القطاع الصحي أن عمليات تهريب الأدوية في العراق؛ زادت بشكل لافت جراء الانفلات الأمني وغياب الدور الحكومي، لافتين إلى أن عمليات تهريب الأدوية الإيرانية إلى العراق تقوم بها جهات سياسية تحت حماية الميليشيات المسلحة، مشيرين إلى أن أغلب الأدوية التي يتم إدخالها غير مطابقة للشروط، وبعضها منتهي الصلاحية، ويتم تزوير تاريخ الصنع والصلاحية.
وأجمع مختصون على أن ضعف القانون أدى إلى الفساد الذي طال الغذاء والدواء، واصفين انتشار الدواء الفاسد بـ “إرهاب صحي لقتل المواطن العراقي”.
وأكدوا على أن الدواء الداخل إلى العراق بدون فحص من سيطرة رقابية متخصصة، كفيل بقتل المواطن، وهذا دليل آخر على أن حيتان الفساد في العراق همهم الوحيد هو الحصول على الأموال، ولو كانت على حساب أرواح المواطنين.
وعزوا سبب تزايد معدل هذه الجريمة في العراق إلى افتقار البلاد لأجهزة وطنية كفوءة ومدربة قادرة على الوصول إلى منع وكشف هذه الجرائم ولا تملك مهارات في التحقيق بجريمة الأدوية، وتكنولوجيا المعلومات والتتبع، وجمع الأدلة، وإعداد دعوى قضائية تخص الدواء.
ويرى مواطنون أنه “من الطبيعي وجود دواء فاسد في العراق، لأن الفساد اليوم أصبح طبيعيًا في ظل هذه الأجواء السلبية، حتى الطابوق القديم يطحن ويباع على أنه علاج للحشرات، فالموازين مقلوبة والعراق ليس كما عهدناه”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى