أخبار الرافدين
داود الفرحان

الوجه الأسود للفوسفور “الإسرائيلي” الأبيض

مسلّة داود الفرحان: أنا لا أخترع مهنة جديدة. إبتكر كثيرون مدونات وبرامج وقنوات مختلفة نجحت معظمها في محاورة القراء، والكتّاب في آن واحد. لكني لا أزعم إنني سأمشي على القمر مثلما فعل نيل آرمسترونغ رائد الفضاء الأمريكي والطيار العسكري والأستاذ الجامعي الأمريكي. فهو أول رجل في التاريخ وطأت قدماه سطح القمر في مهمة لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” في عام 1966 حين قاد المركبة الفضائية أبولو 11 وهي فاتحة أول مهمة فضائية الى القمر.
ولا أستطيع تقليد مسلّة جدّ جدودنا حمورابي في مسلته التي يتفاخر بها العراقيون مع إنها ترقد في إحدى زوايا متحف اللوفر الفرنسي بعد أن سرقها الفرنسيون مثلما سرق المغول والأمريكيون والإيرانيون وغيرهم كل خيرات وأموال وثقافات وآداب وأخلاق العراقيين الأباة ذوي الشرف الرفيع والشجاعة الموروثة.
وعلى هذا الطريق استأنف ما عرفني به القراء والمشاهدون من حوارات وسطور تفضح العملاء والفاسدين والقتلة والطائفيين والعقول الفارغة.

———————–


سلامٌ لأرض خُلقت للسلام.. وما رأت يومًا سلاما

لم تعد “إسرائيل” تخشى أحدًا في العالم، فهي ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة بقذائف الفوسفور الأبيض الذي يسلخ الجلد واللحم عن عظام الجسد ببشاعة رهيبة لا يتحملها أي إنسان.
لقد فتحت الولايات المتحدة الأمريكية الباب أمام الجزار الصهيوني نتنياهو لقصف العمارات السكنية والمستشفيات في غزة وغيرها بكل أنواع الأسلحة. وكانت إتفاقية جنيف عام 1980 حرّمت إستخدام هذا الفوسفور ضد السكان المدنيين، ويعتبر إستخدامه جريمة حرب. لكن تل أبيب لم تأبه بأي إنذارات أو تهديدات، فقد فتحت الولايات المتحدة أبواب سلاح الفوسفور الأبيض في حرب طاحنة على سواتر مطار صدام الدولي بين اللواء 26 من الحرس الجمهوري العراقي والدروع الأمريكية في محاولة لتطويق أحد قصور صدام في ضواحي المطار، إلا أن الرئيس لم يكن هناك لأنه هدف مكشوف ولا يصلح لمعركة مصيرية قد تكون حاسمة.
كانت المرة الأولى التي إستخدمت فيها الولايات المتحدة الفوسفور الأبيض في العراق، وذكر الأطباء العراقيون أن هذا السلاح يؤدي إلى حرق الجلد إلى حد نزع اللحم عن أصابع اليدين. ولم نكن نعرف في العراق في تلك الفترة الحاسمة أي تفاصيل عن ذلك السلاح أو أي دفاعات رادعة. حتى المفتشون الدوليون عن ما سُمي بأسلحة الدمار الشامل المزعومة لم تكن بينها ما عُرف بعد ذلك بالفوسفور الأبيض. لكن “إسرائيل” اليوم تستخدم هذا السلاح في المدن الفلسطينية والسواحل البحرية بلا أي تردد أو تنديد أو ردع.
توصلت منظمة “هيومان رايتس ووتش” إستنادًا إلى أدلة دامغة عبر فيديوهات تم التحقق من صحتها وروايات شهود إلى أن القوات الإسرائيلية إستخدمت الفوسفور الأبيض في عمليات عسكرية نفذتها في لبنان وغزّة يومي 10 و11 تشرين الأول الماضي تظهر إنفجارات جوية للفوسفور الأبيض تم إطلاقه بالمدافع فوق ميناء مدينة غزّة وموقعين ريفيين على طول الحدود الإسرائيلية – اللبنانية. وهو أمر يُعد إنتهاكاً لشروط القانون الدولي التي تقضي بأن تتخذ أطراف النزاع كل الإحتياطات الممكنة لتجنب إصابة المدنيين ووقوع خسائر في الأرواح. الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر في وضع وسلامة البروتوكول الثالث لإتفاقية الأسلحة التقليدية، وهو القانون الدولي الوحيد الذي ينال من إستخدام الأسلحة الحارقة.
فهذا السلاح مادة كيميائية تستخدم في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، وهي تشتعل عند تعرضها للأوكسجين ما يولد حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية وضوءًا ودخانًا كثيفًا يُستخدم لأغراض عسكرية عدوانية مروعة وتعتيم على العمليات العسكرية الأرضية لتكوين ستارة من الدخان أثناء الليل أو النهار.
وقرأتُ أنه عند إنفجاره في الجو يغطي الفوسفور الأبيض مساحة أكبر من تلك التي يغطيها عند إنفجاره على الأرض. ولذلك فأن ترك تأثيرات حارقة ومميتة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل غزّة هي نفس الأثار التي تركها هذا السلاح بأيادي القوات الأمريكية المحتلة في معركة الفلوجة الثانية في العراق عام 2004.
وللحرائق الناجمة عن الفوسفور الأبيض تأثيرات تدميرية في المباني والممتلكات، وتلحق أضرارًا بالمحاصيل الزراعية والماشية والمصانع والمستشفيات.
ماذا يقول القانون الدولي إزاء وضع الفوسفور الأبيض عندما يُستخدم كسلاح؟ إنه قبل أي أمر آخر سلاح حارق مع أنه غير محظور بشكل صريح في القانون الإنساني الدولي، إلا أن القانون الإنساني العرفي يفرض على الدول إتخاذ كل الإحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق أضرار بالمدنيين بسبب هذه الأسلحة الفتاكة.
لقد صمتت الولايات المتحدة الأمريكية عن عدوانها المكشوف بإستخدام هذا السلاح المدمر في مطار بغداد الدولي بعد إحتلال العراق في عام 2003 لسبب رئيسي هو غياب الدولة العراقية ومؤسساتها التي ترفع قضايا قانونية في المحاكم الدولية ضد الولايات المتحدة في محكمة لاهاي أو غيرها.
الآن إنضمت “إسرائيل نتنياهو” إلى أمريكا بوش الإبن بعد عمليات إبادة بشرية ضد العراقيين في عامي 2003 و2004 وضد الفلسطينيين واللبنانيين في 2023، ولابد من تحرك أممي في كل القارات عبر محكمة لاهاي الدولية والأمم المتحدة لتتبع قضايا ضحايا هذا السلاح المروع الذي يجب إعتباره من أسلحة الدمار الشامل. لقد قضت الولايات المتحدة والمفتشون الدوليون سنوات طويلة تفتش كل زوايا وهضاب ومدن وأنهار العراق، وتلوم سوريا على البراميل المتفجرة في الإضطرابات السورية، وقد حان الآوان لوضع “إسرائيل” والولايات المتحدة أمام منصة القانون في قفص الإتهام والإدانة من أجل إقامة سلام عادل في العالم وتجنب إستخدام هذه الأسلحة المدمرة التي ذهب في الشهرين الأخيرين ألاف الأطفال والنساء والرجال والشيوخ الفلسطينيين ضحايا لها بالأيادي الصهيونية والتشجيع الأمريكي.
مازالت “إسرائيل” خارج أي محاسبة على هذه الجرائم، بل أن الولايات المتحدة تدافع عنها، وبالتأكيد ستحميها في مجلس الامن الدولي بإستخدام “الفيتو”. وهو ما ينطبق على المثل العربي الشعبي: “حاميها حراميها”.
في أكثر من مرة أيدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أي نداء مدعوم على نطاق دولي واسع موجه إلى الدول الأعضاء في إتفاقية الأسلحة التقليدية وغير التقليدية بأن تتفق على تخصيص وقت لمناقشة وضع البروتوكول الثالث وسلامته من الثغرات والتجاوزات العدوانية.
وبالعودة الى الأرشيف فأن “إسرائيل” أطلقت نحو 200 ذخيرة فوسفور أبيض في عملية “الرصاص المصبوب” التي إمتدت من 27 كانون الأول 2008 الى 18 كانون الثاني 2009 في مناطق مأهولة بالسكان في مدينة غزّة، أي أن الأمر الحالي ليس جديدًا، فالمجرمون الصهاينة محترفون في الحروب التدميرية بدعم أمريكي واضح.
وفي عام 2013 أعلنت نهارًا جهارًا القوات المسلحة “الإسرائيلية” أنها تعمل على تطوير قذائف دخان جديدة خالية من الفوسفور الأبيض، لكنها ستحتفظ بحق إستخدام وتخزين ذخائر الفوسفور الأبيض حتى توفر “بدائل كافية” أي أسوأ من الدخان الحالي.
نحن أمام عدو صهيوني لا يعرف حدوداً في الحروب ولا يستحق أي رحمة أو تنازل أو مجرد شكوى في محكمة لاهاي الدولية أو حتى مجلس الأمن، لأنه يحتمي أولاً وأخيرًا بالقوة الأمريكية البشعة التي عبر عنها أكثر من رئيس أمريكي سابق وحالي ومستقبلي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى