أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل يسقط العرب في الفخ الأمريكي مجددًا؟

دار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على العواصم العربية- وبطبيعة الحال الكيان الصهيوني- للترويج لخطه أمريكية جرى رسمها تحت عنوان اليوم التالي في غزة. وخلال تحركاته أطلق تصريحات حول الدولة الفلسطينية المستقلة، ولمح وصرح بموقف أمريكي يشدد على دخول المساعدات إلى غزة وعلى تغيير نمط العملية العسكرية الصهيونية لتقليل القتل والمجازر تحت عنوان تحول العمل العسكري لما يسمى بالعمليات الجراحية الدقيقة بديلا للقتل والتدمير الشامل. وهو ما بات يطلق عليه المرحلة الثالثة من الحرب.
وكالمعتاد يطرح بلينكن على العواصم العربية والإسلامية تحمل تكاليف إعادة إعمار ما هدمه الجيش الصهيوني في غزة.
فماذا يفعل بلينكن بالدقة؟ وهل يسقط العرب في الفخ الأمريكي مجددًا؟
ما يسعى إليه بلينكن هو تحقيق هدفين إستراتيجيين. أولهما: الانتقال من مرحلة غزة تقودها المقاومة التي تدافع عن الشعب وتراكم عوامل القوة لتحرير فلسطين، إلى مرحلة غزة بلا مقاومة وتحت حكم مسيطر عليه أمريكيًا وصهيونيًا. ويتمدد الأمر من بعد إلى إخضاع الشعب الفلسطيني للمخطط المرسوم بتهجيره من غزة أولا والضفة ثانيًا، وهذه المرة بالطرق الملتوية بعد فشل محاولة التهجير المباشر والفوري عبر كسر إرادة الإنسان الفلسطيني في غزة تحت أهوال القتل والتشريد والجوع والعطش.
والثاني إخراج الغرب من مأزقه الإستراتيجي، إذ تتشتت قدرته بين حربين، حرب أوكرانيا وحرب غزة، كما هو واقع تحت تهديد خطر توسع الحرب على غزة أو اندلاع حرب في منطقة أخرى من العالم. فيما يحاول العودة للترويج لمصداقية الغرب وأخلاقياته بعد فقدها بمواقفه الداعمة للجرائم النازية والفاشية للجيش الصهيوني وبعدما ظهر من ارتباط مواقفه بالمصالح وبالأجناس والأعراق واختلاف الأديان، لا بالمبادئ ولا الأخلاق.
الغرب كان بنى خطته الأولى –أو لنقل ردة فعله الأولى- تحت وقع صدمة ضربة 7 تشرين الأول (أكتوبر) الفلسطينية، على تكثيف الضغط العسكري وإطلاق أكبر حملة فاشية من القتل والتدمير، واستهدف منع إمكانية تحول الحرب على غزة إلى حرب إقليمية، ليتم الانتهاء سريعًا من تلك الأزمة، والعودة مجددًا للعمل على الاتجاهات الإستراتيجية المقررة وفق وثائق الأمن القومي، أي العودة للحرب مع روسيا وللصراع مع الصين.
وقامت الخطة الأولى على إمكانية تحقيق انتصار حاسم سريع، دون إدراك للاهتراء الذي أصاب الجيش والمجتمع الصهيوني، ولصعود قوة المقاومة على نحو غير مسبوق مقارنة بالحروب السابقة. ولم يدرك الغرب أيضًا مدى صمود الشعب ورفضه الشامل لترك الأرض حتى وهو واقع تحت حمم القصف الذي فاق ما جرى في الحرب العالمية الثانية بما فيها القصف النووي.
فشلت خطة الحسم الفوري والمباشر، ولم يعد تحقيق النصر الحاسم واردًا.
وزاد من عمق الأزمة وضرورة البحث عن حل إستراتيجي مختلف، أن طال زمن الحرب وإن لم يحقق الجيش الصهيوني أيًّا من الأهداف التي أعلنها على المستوى السياسي، سواء تدمير قدرات المقاومة أو تحرير الأسرى. والأخطر فقد بات محتملا وبشدة إنزال هزيمة خطيرة للغاية ومعلنه بالجيش الصهيوني.
لذا يحضر بلينكن الآن. يحضر لتحقيق ما فشلت الحرب في تحقيقه.
هو يمهد لانسحاب صهيوني من غزة إلى خارجها لتفادى الاستنزاف الذي تعرض ويتعرض له الجيش على أرض غزة، وهو يسعى لتغيير نمط الحرب إلى نمط متواصل من القصف والقتل، مع تقليل أعداد القتلى الفلسطينيين، لإشاعة مناخ جديد ولتقليل رد الفعل الدولي.
وهو يحضر لممارسة مزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو. الضغوط لا علاقة لها بالقتل والتهجير واستمرار الحرب، إذ يتحدث بلينكن عن ضرورة استمرار الحرب، وقد وقفت الولايات المتحدة ضد وقف إطلاق النار. الضغوط تجري لرفض حكومة نتنياهو تهيئة الأجواء للخطة الجديدة.
الحكومة الصهيونية وخاصة الجناح الأشد تطرفًا ترى أن تستمر الحرب على حالها حتى إجبار كل الفلسطينيين على مغادرة القطاع، بل تستهدف جلب مستوطنين إلى غزة. فيما يسعى بلينكن لحرب أقل تكلفة سياسية تراعي مأزق الغرب.
وهكذا فالخلاف هو بين خطة أمريكية تستهدف خروج الغرب من مأزقه، وخطة صهيونية لا ترى إلا المأزق الصهيوني.
لكن الأهم مما يريد بلينكن، هو السؤال العربي وليس السؤال الغربي.
فهل ينخدع العرب مجددًا، أو هل يسايرون اللعبة الأمريكية الجديدة؟
هل هناك من سيقبل المساعدة لخطه إنقاذ الغرب ومحاولته إعادة التوازن لخطط صراعاته الدولية؟ وفي خطة إنقاذ الجيش الصهيوني من الهزيمة؟ وفي خطة التهجير الناعم المبني على الإبادة التي جرت وتجري؟
أو هل ينتقل الموقف العربي من الصمت والضعف تجاه أشد المجازر دموية، إلى مساندة محاولة الولايات المتحدة استعادة سيطرتها على الملف الفلسطيني بعد أن ظهرت في موقع القائد للعدوان والقتل والتهجير خلال العدوان الصهيوني المتواصل لنحو 100 يوم؟
وهل يستطيع العرب الفصل بين إغاثة الشعب الفلسطيني من جهة وعدم إنفاذ الخطط الأمريكية من جهة أخرى؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى