أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

قطاع النقل السككي المتهالك في العراق لن يفلح بإنجاز “مترو بغداد” الموعود

الحوادث المتكررة للقطارات العاملة في البلاد وتقادم خطوط سكك الحديد تفضح مزاعم حكومة الإطار وأحزابها في تطوير النقل السككي ووضع الخطط لإنجاز حلم سكان بغداد المتمثل بمترو العاصمة.

بغداد – الرافدين

فتح قرار حكومة السوداني، إدراج مترو بغداد ضمن الموازنة الاستثمارية لأمانة بغداد مطلع العام الحالي، الباب لسخرية العراقيين والتشكيك في إنجاز المشروع الذي يفترض أن يسهم في تسهيل حركة النقل بالعاصمة العراقية المكتظة بالسكان في وقت تشهد البلاد العديد من حوادث النقل السككي.
وشكك مواطنون بهذا الإعلان الحكومي في وقت تضرر فيه جزء كبير من البنى التحتية للشبكة الحديدية المستخدمة لأغراض تجارية ومدنية في البلاد والتي تعاني في الأساس من التقادم منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
وبدت معالم دمار الشبكة واضحة في بغداد حتى بات مرور قطار في حي سكني مكتظ مصدرًا للمشاكل كما حصل مع قطار دخل منطقة الشالچية في العطيفية الأحد ببغداد نتيجة التجاوزات وانتشار العشوائيات وغياب التخطيط العمراني السليم.
وجاء حادث قطار بغداد بعد يومين على إعلان مديرية شرطة محافظة المثنى انقلاب عربات قطار قادم من العاصمة بغداد بالقرب من محطة المسافرين في السماوة.
وعززت هذه الحوادث من تشكيك العراقيين من امكانية بناء “مترو بغداد” الذي تزعم الحكومات المتعاقبة بين الحين والآخر التخطيط له في وقت لم تتمكن فيه من تطوير وصيانة شبكات السكك الحديدية.
ويعزو عراقيون أسباب تعطل إنجاز “مترو بغداد” منذ عقود، لأسباب عديدة أبرزها الفساد المالي وضعف التخطيط، حتى بات الحديث عنه مدعاة للتندر، لاسيما وأن كل الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال وعدت بإنجازه لكنها أخلفت الوعد.
ووفقًا لبيان صادر عن مجلس الوزراء فإن حكومة السوداني “وجّهت باستكمال المشاريع التي تأخر الشروع بها وضمنها مشروع مترو بغداد، كما وافق المجلس على إدراج إعداد التصاميم والإشراف على تنفيذ المشروع، ضمن جداول الموازنة الاستثمارية لأمانة بغداد”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إدراج مشروع المترو ضمن خطة تطوير بغداد، إذ سبقتها في سنوات 2007 و2013 و2020، إلا أن أي تحرك جدي على الأرض لم يتحقق على الرغم من تقديم شركة فرنسية عام 2020 خطة عمل للحكومة السابقة تتعلق بالمشروع.
وبحسب مصادر حكومية، فإن “السوداني طلب من الجهات المتخصصة، من بينها أمانة بغداد ووزارات النقل والإعمار والإسكان والتخطيط، أن تستكمل إجراءاتها كافة خلال 4 أشهر فقط”.
وبينت المصادر أن “مدة إنجاز المشروع قد تستغرق عدة سنوات، كما أن الخطة الأولية لإنجازه تبين أنه سيكون معلقًا وليس تحت الأرض”.
وبحسب التصاميم الأولية التي نشرتها بيانات رسمية، تعود إلى عام 2013، وقد تدخل عليها بعض التعديلات بالنظر إلى التوسع العمراني وظهور أحياء سكنية وتجمعات بشرية جديدة، فهو يمتد إلى 22 كم، ويضم نحو 14 محطة داخلية معلقة.
وكتب عدد من النشطاء والصحفيين العراقيين منشورات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، شككوا فيها بإمكانية الحكومة في تنفيذ المشروع، لا سيما وأن الحكومات السابقة كانت قد تعهدت به لكنها فشلت، في ظل وجود تحديات تشكلها الأحزاب ومكاتب الميليشيات الاقتصادسة المهيمنة على القرار الحكومي والتي تحول بدورها من التقدم لأجل الحصول على دعم مالي أو الدخول على خط المشاريع.
وقال الصحفي العراقي منتظر ناصر، أن “الحكومة أدرجت مترو بغداد ضمن مشاريعها المقبلة وبغض النظر عن جديتها بتنفيذه أسوة بسابقاتها، إلا أن السؤال الذي يواجهها هو إذا كانت جادة فعلا فلماذا لم تحسب حسابه ضمن حملتها لإعمار الأنفاق والجسور مع علمها بوقوع المترو الموعود في نفس الطريق”.
وختم ناصر تدوينته على منصة “إكس” بسؤال آخر “هل سنشهد عمليات حفر جديدة؟”.
بدوره يؤكد، الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن “بغداد لا يناسبها إنشاء مشروع مترو بسبب إرتفاع نسبة المياه الجوفية فيها، لذلك الخيار الأفضل التوجه إلى مشروع القطار المعلق، الذي سيسهم بحل الأزمة المرورية”.
ويضيف، أن “المعلومات الأولية المتوفرة من الخطط تشير إلى أن مسار القطار المعلق يبدأ من منطقة العلاوي تجاه منطقة النهضة”.
ويوضح المشهداني، أن “المشروع قديم وليس وليد اليوم لكن تم تجديده في سنة 2010 وأن السبب الرئيس في تأخر تنفيذ المشروع هو الفساد والتغيير المستمر لمجالس المحافظات، فضلًا عن عدم الاهتمام والجدية فيما يخص مشاريع تطوير النقل”.

نحو ثلث قطارات العراق خارجة عن الخدمة جراء الإهمال الحكومي لقطاع النقل السككي في البلاد

وتمتلك شركة السكك الحديدية 28 قاطرة كمجموع كلي في عموم العراق، يعمل منها 18 فقط، بينما 10 عاطلة عن العمل تتضمن 4 قاطرات قيد الصيانة بحسب وزارة النقل الحالية.
وفي الوقت الذي يمتلك العراق عددًا من القاطرات العاملة، فإن لديه قاطرات معطلة، تتوزع في مواقع معمل السماوة، ومأوى بغداد، ومعامل الشالچية في ظل تأكيد الوزارة على الحاجة لشراء نحو 50 قاطرة حديثة لتطوير قطاع النقل.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة النقل ميثم عبد الصافي إنّ “العراق لديه 14 قطارًا عاملًا، منها 12 من المنشأ الصيني DMU و2 من القطارات ذات منشأ تركي”.
واستعرض الصافي القاطرات العاملة، التي تتواجد في “مواقع سكك القائم بمحافظة الأنبار، ومأوى بغداد، ونفط الحلة، ومناقلة أم قصر، ومأوى البصرة، ومعامل السماوة، وسكك السماوة، وقطار الفلوجة”.
وأكد أنّ “خطوط السكك يجري لها تأهيل وصيانة للمفاصل بشكل مستمر وبوتيرة متصاعدة، كما سيشهد العام الجاري 2024 افتتاح العديد من الخطوط، أكثر من خطين جديدين”.
ولفت إلى أن “قطارات السكك العاملة على نقل البضائع والحاويات والمشتقات النفطية فإن أعدادها لا تفي ومتطلبات المرحلة وإيفاءات الشركة للعقود المعروضة على سكك حديد العراق”.
وكشف عن “وجود مطالبات سابقة من الشركة للجهات الحكومية بالموافقة على شراء قاطرات من مناشئ رصينة، وهي في طور الدراسة في وزارة التخطيط وأنّ الاحتياج لهذا الجانب يبلغ 50 قاطرة على أقل تقدير”.
وحاول المتحدث باسم وزارة النقل التقليل من مخاطر الحادث الأخير في المثنى بالقول، إن “الحادث الذي وقع قبل أيام، هو جنوح عربات القطار المتوجه من محطة بغداد المركزية إلى محطة قطار البصرة وأن “الحادث حصل في محطة السماوة، وأدى الى خروج عدد من عربات القطار عن الخط”.
ولفت ميثم عبد الصافي إلى أن “الحادث أدى الى أضرار مادية في عربات القطار فقط، والتي خرجت عن مسارها الأصلي، بينما لا توجد خسائر أو أية اضرار بشرية والطواقم الفنية والهندسية تقوم حاليًا بأعمال رفع الحادث بواسطة آلياتها المتخصصة”.
وأوضح، أن “الحادث وقع بعد وقت التعابر مع القطار الصاعد من محطة قطار البصرة الى بغداد، أي في الساعة 12 ليلاً”، مردفاً أن “الحادث هو الأول من نوعه”.
بدوره، وجه وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار سؤالًا لرئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني دعاه فيه إلى توضيح “أسباب خروج القطار من السكة في المثنى”.
وقال وزير النقل الأسبق والنائب الحالي عامر عبد الجبار في تدوينة له بموقع “اكس” “يا رئيس الوزراء إذا هذا واقع السكة في العراق كيف تريد منح ربط سككي إلى إيران؟”.
وأشار الى أن “السكة دون صيانة، ووضعها متردي ولا تتحمل أكثر من عشرة قطارات والعراق حاليًا يسير عليها 12 فكيف إذا دخلت قطارات إيران؟”.

مختصون يحذرون من ارتفاع معدلات حوادث القطارات ومخاطرها الكبيرة على أرواح العراقيين

وحتى أواسط تسعينيات القرن الماضي، شكل القطار الوسيلة الأكثر إقبالًا بين العراقيين لرخص التكاليف وقلة الحوادث مقارنة بما تسجله العجلات على الطرق العامة وخصوصًا السريعة والدولية منها.
إلا أن قطاع النقل السككي والقطارات في العراق، تأثر كثيرًا بالظروف التي عاشتها البلاد إبان الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، وما فرض من فقدان قطع الغيار اللازمة لإدامة تلك الخطوط واعتماد مواد محلية الصنع كبدائل اضطرارية قبل أن يفقد هذا القطاع الحيوي مكانته بعد تراجعه نتيجة الإهمال بعد الاحتلال.
ويعد العراق من أوائل دول الشرق الاوسط استخدامًا للقطارات بنقل المسافرين والبضائع. حيث سجلت أول رحلة تم تسييرها كانت من بغداد إلى سميجة (الدجيل) جنوب مدينة سامراء سنة 1914 بينما تم تسيير أول قطار بين بغداد والبصرة سنة 1920، وأول قطار بين بغداد وكركوك سنة 1925، وأول قطار بين بغداد والموصل تم تسييره سنة 1940.
ويعود تاريخ إنشاء السكك الحديدية في العراق إلى أوائل مطلع القرن العشرين، على يد الألمان، ولكنها طورت فيما بعد من قبل البريطانيين وامتدت إلى نحو أكثر من ألفين كم شمالاً وجنوبًا وغربًا.
وتقع المحطة العالمية أو ما تسمى بـ”جوهرة بغداد”، غرب العاصمة، وهي المركز الرئيس لتجمع السكك والقطارات في البلاد، وقد تميزت ببنائها اللافت وطرازها المعماري، والتي أشرف على وضع تصاميمها وتنفيذها بشكل مباشر شركات إنجليزية، واستغرق العمل فيها نحو 4 سنوات، بدءًا من عام 1948.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى