أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الإعلان عن دفن “جثث مجهولة الهوية” في النجف يثير تساؤلات عن مصير المغيبين

دفن وجبة جديدة من الجثث مجهولة الهوية في النجف ينكئ جراح العراقيين مجددًا في ظل تجاهل الحكومات المتعاقبة للمطالبات الشعبية بمعرفة مصير عشرات الآلاف من المغيبين قسرًا في المدن المنكوبة.

النجف – الرافدين
أثار الإعلان عن دفن نحو 70 جثة في مقبرة مخصصة لمجهولي الهوية في النجف تساؤلات عن هوية الضحايا وظروف وفاتهم وسط مخاوف من وجود علاقة بين هذا الإعلان والتسويف الحكومي لمصير المغيبين في المدن المنكوبة.
وذكرت مصادر مطلعة في محافظة النجف بأن مقبرة النجف النموذجية شهدت دفن 66 جثة لأشخاص مجهولي الهوية.
وبينت المصادر أن مراسم الدفن جرت في المساحة التي خصصت مجانا للمتوفين مجهولي الهوية، وبإشراف دائرة الطب العدلي العامة.
وتعتبر عبارة “مجهولة الهوية”، “مجازية” عن أشخاص تم اختطافهم وتعذيبهم وقتلهم بدم بارد ثم رميهم على قارعة الطريق إلى حين مراجعة ذويهم دوائر الطب العدلي.
وربط إعلاميون ومعنيون بالشأن العراقي تكرار دفن الجثث مجهولة الهوية، بملف المغيبين والمختطفين على يد الميليشيات والذين مضى على اختطافهم سنوات عديدة.
وعلق الصحفي العراقي عثمان المختار على الصور المتداولة لعملية الدفن بالقول “لا أحد يعرف لمن هذه الجثث ومن قتلهم وأين قُتلوا وكيف وأين أهلهم”.
وأضاف الصحفي في تدوينة له على منصة أكس “للعلم هذه الحالة تتكرر بين وقت وآخر”.
بدوره قال الباحث في الشؤون السياسية والأمنية العراقية فرات خورشيد إن “مقبرة النجف والدفن فيها كان منذ عام 2006 مخبئًا للمقابر الجماعية للميليشيات”.
وتساءل خورشيد في تدوينة له على منصة أكس “ماذا يعني جثة مجهولة الهوية وهل يمكن أن يجدوا جثة لا أهل لها ولم يفتقدها أحد؟”.
وتابع “الجثث مجهولة الهوية هي نفسها جثث المفقودين والمغيبين يجدونهم أموات ويدفنونهم كمجهولين حتى لا ينكشف القاتل”.

مقبرة النجف النموذجية تعلن دفن 3 وجبات من الجثث مجهولة الهوية وصل مجموعها إلى نحو 200 جثة خلال أقل من عام

وسبق أن أعلنت مصادر حكومية عن دفن أعداد مماثلة للعدد الذي جرى الإعلان عنه هذا الأسبوع ففي تشرين الأول من عام 2023 جرى الإعلان عن دفن 70 جثة لمجهولي الهوية في ذات المقبرة.
وكشف إعلام المقبرة النموذجية في النجف أن “مراسم الدفن جرت في القطعة التي خصصتها شركة أديم الأرض مجانًا لأرواح المفقودين وبإشراف دائرة الطب العدلي العامة، ودائرة صحة النجف ومتابعة إدارة مركز الإرشاد لمقبرة النجف النموذجية الحديثة”.
وفي شهر أيار من عام 2023 أعلنت إدارة المقبرة كذلك دفن نحو 60 جثة مجهولة الهوية، فيما أشارت إلى أن مراسم الدفن تمت بإشراف دائرة الطب العدلي في وزارة الصحة مع حضور الأجهزة الأمنية من مديرية شرطة النجف.
وأعاد إعلان دفن الجثث مجهولة الهوية في النجف للأذهان تورط ميليشيا الحشد في دفن جثث المئات من أبناء جرف الصخر ومناطق شمال بابل على وجبتين عام 2019.
وأظهرت وثائق رسمية صادرة عن مديرية صحة بابل، ومديرية بلدية الحلة، حصول موافقة على دفن الجثث والأشلاء البشرية “مجهولة الهوية” بعد تجاوزها المدة القانونية لحفظها في ثلاجة الموتى، “دون أن يتفقدها أحد من ذويهم”.
وجرى تداول مقاطع مصورة قبل هذا الإعلان، ظهر فيها شخص يدعى رعد الشوك معلنا تكفله بدفن الجثث مجهولة الهوية التي عثر عليها شمال بابل ضمن “مبادرة إنسانية بعد ان بقيت جثثهم خمس سنوات دون ان يتعرف عليها أحد”.
وتسبب تداول هذه المقاطع ومقاطع أخرى للشخص المعني بعملية الدفن الذي تبين أنه في صفوف ميليشيا الحشد وسبق أن قاتل في المدن المنكوبة، عاصفة من ردود الأفعال السياسية والشعبية رأى أغلبها أن القضية صادمة وأن المغيبين المختفين منذ خمس سنوات في حينها عقب العمليات العسكرية في 2014، ربما يكون مصيرهم ذات المصير ما بين منتظر بثلاجة الموتى وما بين اخر دفن تحت التراب دون أن يعرف بمكانه ذووه او يعرفون مصيره قبل ذلك.
وأثارت عمليات الدفن العشوائية وقتها غضب مراصد حقوقية جراء التعتيم الحكومي على هذا الملف لغياب التحقيق الفعلي في هذا الملف، خصوصًا في الحالات التي تتورط فيها ميليشيات الأحزاب الحاكمة.
وأجمعت المراصد الحقوقية على أنه ليس من المنطق أن تستمر عمليات العثور على جثث “مجهولة الهوية” وعمليات دفنها دون أن يعرف مرتكبو هذه الجرائم.
وانتقد مرصد أفاد بشدة “تجاهل الحكومة للضوابط الصحية والشرعية والقانونية التي تلزمها ببيان أصل تلك الجثث ومكان العثور عليها وضرورة التحقق منها قبل الدفن إن تعذر معرفة هويتها فعلاً، ناهيك عن ضرورة نشر تلك المعلومات عسى أن يتعرف ذوو المفقودين على أبنائهم، في ظل شكاوى سابقة قدمت من عدد كبير من العراقيين عن فقدانهم أبناءهم في مناطق معروفة بعينها”.
وتابع المرصد الحقوقي أن “ملف ما يسمى الجثث مجهولة الهوية ليس بجديد على سلوكيات شاذة مارستها جهات رسمية خلال السنوات الماضية، حيث تم الإعلان عن دفن نحو 500 جثة في عام 2020 ونحو 400 جثة عام 2019 تحت هذا المسمى فضلًا عن عشرات أخرى غير معلنة، دفنت بشكل سري يفتقر للآليات الواجب اتباعها وفق الأعراف الدولية”.
وأشار المرصد في بيان وقتها إلى تقاعس الحكومة عن محاربة عصابات الجريمة المنظمة وفشلها بإخضاعهم للقانون لارتباطهم بجهات مسلحة خارجة على القانون”.
وشدد على أنه “ليس من المنطق أن تستمر عمليات العثور على جثث مجهولة الهوية ومقابر جماعية تكشف بين الفينة والأخرى منذ سنوات، دون أن يُعرف منفذو الجريمة، ولا عائدية الجثث، ناهيك عن خطورة تسليم ملف دفن الجثث لمتبرعين قد يتهمون بجريمة الاتجار بالبشر بالتواطؤ مع جهات حكومية، وهو ما قد يفتح الباب أمام رفع دعاوى أمام المؤسسات القانونية الدولية لمعاقبة كل المسؤولين المتورطين بهذه الملفات”.

دفن الجثث مجهولة الهوية في النجف يعزز المخاوف من وجود عمليات تصفية ممنهجة تطال المغيبين قسرًا في المدن المنكوبة

وجاء الإعلان المتكرر عن دفن الجثث مجهولة الهوية بعد أن أقر رئيس البرلمان المقصي محمد الحلبوسي في تصريح صادم بتصفية آلاف المغيبين العراقيين الذين جرى اقتيادهم من قبل ميليشيات طائفية بين 2014 و2016، إبان نزوحهم من مناطقهم.
وقال في تصريحات تلفزيونية “يجب أن نصارح الناس بحقيقتهم، ونغير اسمهم أولًا إلى المغدورين وليس المغيبين، مغدورين فارقوا الحياة، ويجب على الدولة إنصاف ذويهم وشمولهم عائلاتهم بقانون ضحايا الإرهاب، بالتعويض أما الاستمرار بتضليل عائلاتهم منذ 2014 ولغاية الآن، فغير صحيح… غيبوا وتم اغتيالهم”.
وتوجه الاتهامات لميليشيات منضوية في الحشد الشعبي، أبرزها كتائب حزب الله، والعصائب وبدر، وسيد الشهداء، والإمام علي، والخراساني، ورساليون، والنجباء، وجماعات مسلحة أخرى، بالوقوف وراء عمليات تصفية النازحين بدوافع القتل على الهوية.
ويقدر عدد الضحايا بأكثر من 55 ألف عراقي في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى والتأميم وحزام بغداد، وسط صمت حكومي عن هذه الجرائم وعدم فتح أي تحقيق بشأنها.
ومن ضمن هؤلاء المغيبين من تمت تصفيتهم أو بيعت أعضائهم البشرية من قبل الميليشيات، وهناك من تمت مساومة ذويهم من أجل تسليم جثثهم، فيما تقف السلطات الحكومية مسلوبة الإرادة أمام نفوذ هذه الميليشيات، ولم تقم بأي دورٍ تجاه هذه الأعداد من المغيبين.
ووفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن العراق يتصدر النسبة الأكبر من الأشخاص المفقودين بالعالم، بحسب اعتمادها على بيانات حكومية، حيث تقدر السلطات العراقية أن عدد الأشخاص المختفين خلال عقود من النزاع وانتهاكات حقوق الإنسان يمكن أن يتراوح بين 250 ألفًا وأكثر من مليون.
غير أن منظمات المجتمع المدني العراقية ترى أن الأرقام الحكومية أقل بكثير من الواقع، وأن حكومة بغداد لا تبالي بآلام أسر المغيبين، لأنه بمجرد فتح هذا الملف تدين نفسها كما ستكشف دور الميليشيات في عمليات تغييبهم وتصفيتهم الممنهجة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى