أخبار الرافدين
داود الفرحان

الحشد الشعبي… يحفر قبوره

مسلة داود الفرحان: تزايدت في الفترة الأخيرة العمليات العسكرية الأمريكية ضد “الحشد الشعبي” سواء في داخل العراق أو على حدوده أو في الأراضي السورية. وخلفت هذه العمليات قتلى وجرحى لم تصدر الحكومة العراقية إحصاء رسميًا بها خوفًا من ردود أفعال أهاليهم.
ولم تصدر القوات الأمريكية أية إحصائيات رسمية بأعداد القتلى، لكنها دأبت على الإشارة إلى تواجد ضحايا من الحرس الثوري الإيراني في معسكرات الحشد الشعبي بالإضافة إلى قادة ما يسمى فيلق “القدس” الإيراني الذي كان يقوده الإرهابي الجنرال قاسم سليماني الذي اصطادته إحدى عمليات ” الدرون ” الأمريكية وهي طائرات عسكرية دون طيارين، وتم قتله مع إرهابي عراقي آخر يدعى أبو مهدي المهندس في أوائل شهر كانون الثاني من عام 2021، وبهذه العملية خسرت إيران قائدين أحدهما إيراني الجنسية والثاني عراقي الجنسية إيراني الانتماء.
والحشد الشعبي، كما هو معروف تنظيم شبه عسكري وفوضوي يواجه كراهية ونفورًا وثارات من قبل الشعب العراقي بسبب جرائمه من قتل وسلب وابتزاز واستخدام القوة والتخويف ضد العراقيين المسالمين. وتم إرغام الشباب في كثير من المحافظات على الانتماء القسري لهذا التنظيم، وأقبل عليه الشباب بسبب عدم وجود فرص عمل والبطالة المستديمة والفقر والسوق بالقوة والإغراءات واضطرار الشباب إلى اللجوء للانتحار أو بسبب جرائم السرقة والمخدرات.
ولم يكتف النظام الطائفي الحالي بالانتقام من النظام السابق الذي شن حربًا على نظام الملالي في طهران ردا على احتلال إيران لمراكز حدودية عراقية ومياه شط العرب. وبادر النظام الحالي إلى اغتيال واعتقال الوزراء والقادة العسكريين السابقين، وتسارعت الأحزاب الطائفية الموالية لإيران وحرسها الإجرامي إلى حوزة النجف لتشكيل ما يسمى “الحشد الشعبي” بفتوى من السيستاني لا علاقة لها بالجيش والقوات المسلحة وتوزيع الأسلحة على المدنيين من أعضاء تلك الأحزاب الإيرانية الطائفية بحجة “داعش” أو “البعثيين” أو “السنة”.
وتصاعد العنف الطائفي إلى السجون والمعتقلات والاغتيالات ووصل إلى مصادرة منطقة زراعية في محافظة بابل اسمها “جرف الصخر” تم طرد سكانها ومصادرة ممتلكاتهم من مزارع وأحواض أسماك ومنازل وسيارات واعتقال جميع الرجال بمختلف الأعمار ومنع ذكر أي معلومات عن هذه القاعدة العسكرية الشيعية أو زيارتها من المسؤولين الحزبيين أو المنظمات الدولية، وضاعت هويتها ومعلوماتها بين الميليشيات الإيرانية الإجرامية التي ترفع تسميات حزبية عراقية. ويمنع المسؤولون عن هذه “الجزيرة” الزراعية أي مسؤول دولي أو عربي أو عراقي، حتى لو كان بمستويات عليا عن زيارتها في أي يوم أو وقت. ويقال إن المعتقلات تحت الأرض لئلا يتم تصوير هذه الحالات، كما يتم سرا نقل القتلى إلى المقابر. وذكرت مصادر في المنطقة الخضراء أن رئيس الوزراء نفسه لا يجرؤ على طلب زيارة هذا المعتقل الذي يشبه معتقل غوانتانامو الأمريكي في جزيرة كوبا. وهو أيضًا سجن سيء السمعة مثل سجن الحوت في مدينة الناصرية جنوبي العراق.
من جهة أخرى ما زال رجال العراق الذين خدموا في قوات الجيش الشعبي العراقي خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988) يتذكرون بفخر إنهم ساندوا الجيش العراقي الباسل في التصدي للعدوان الإيراني المتعمد بينما رفض الخميني عرضا عراقيًا إنسانيًا لوقف الحرب منذ أسابيعها الأولى حرصًا من العراق للحفاظ على الدماء والأرواح العراقية والإيرانية معًا.
وكانت القيادة العسكرية العراقية نظمت قوة متطوعين مدنيين شبه عسكرية لمساندة الجيش في قطاعات الجبهة من شمالي العراق إلى جنوبه. وضمت هذه القوة التي تدربت فترة قصيرة، في صفوفها أطباء ومحامين ومهندسين وأساتذة جامعات تم توزيعهم وتنظيم إجازاتهم بعد تدريبهم وتزويدهم بأسلحة الجيش المعتادة. وتم حل الجيش الشعبي بمجرد وقف القتال وإعلان الخميني أنه تجرع كأس السم لإعلان وقف إطلاق النار.
ولم يكن الجيش الشعبي العراقي أول ميليشيا يتم تنظيمها في البلاد، فقد سبقه تنظيم “الحرس القومي” بعد ثورة 8 شباط 1963 لحماية الطرق والجسور والمدن والمنشآت الحساسة بأسلحة يدوية خفيفة وخفارات ليلية.
ولم يشهد العراق ما بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية أي تنظيم آخر عسكري مشابه حتى الاحتلال الأمريكي – البريطاني في عام 2003.
إلا أن الأحزاب الموالية لإيران بعد تغيير النظام تحولت إلى ميليشيات عدوانية على العراقيين، سواء باغتيال العلماء والأطباء والمهندسين والمحامين ورجال المخابرات والأمن وضباط الجيش والشرطة بحجة أنهم “بعثيون”، ووصلت إلى المطربين حيث تم اغتيال المطرب داود القيسي “رحمه الله”.
في الأشهر الأخيرة بدأت الولايات المتحدة استعراض عضلاتها في العراق ومعسكرات الحشد الشعبي في الصحراء الغربية لمحافظة الأنبار وسوريا وقصفها جوا مباشرة أو بواسطة طائرات “درون” بلا طيارين. وفي كل حالة يسقط أفراد فيها من الحشد الشعبي قتلى يهدد مسؤولون عراقيون ويتوعدون الولايات المتحدة. وقرأنا مؤخرا أن فصائل الحشد العشبي تدعو إلى ما يسمى بـ “النزال الأكبر” وهي تتمنى منازلة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قصف الجيش الأمريكي موقعين لكتائب حزب الله العراقي في مدينة القائم على الحدود الغربية للعراق مع سوريا ومعسكر جرف الصخر الذي تحدثنا عنه في سطور سابقة.
سنظل سنوات أخرى نتذكر إرهاب الحشد الشعبي الإيراني إلى أن تدعونا الراحلة أم كلثوم إلى أغنيتها الشهيرة لعمر الخيام: لا تشغل البال بماضي الزمان… ولا بآتي العيش قبل الأوان.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى