أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراقمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

عراقيون يبيعون كلى أبنائهم تحت وطأة الفقر وفقدان الأمل

أب من محافظة ميسان اصطحب ابنه إلى شمال العراق وباع كليته من دون علمه بعد أن خدّره بالاتفاق مع مستشفى.

بغداد- الرافدين
تحول خبر قيام رجل من محافظة ميسان في جنوب العراق بتخدير ابنه وبيع إحدى كليتيه، إلى إدانة تصريحات وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عبد الأمير الشمري عندما زعم قبل يومين من كشف الحادثة بتراجع معدلات الجريمة إلى 80 بالمائة خلال العام 2023.
ولم يعرض الشمري أي إحصائيات دقيقة لتبرير مزاعمه عن تراجع معدلات الجريمة، فيما تتواصل أخبار الجرائم المروعة مع محاولة السلطات الحكومية التكتم عليها.
وتداول عراقيون خبر القبض على أب قام ببيع إحدى كليتي ابنه في شمال العراق.
وقام أحد الأشخاص من سكنة قضاء قلعة صالح جنوبي محافظة ميسان بإجبار أحد أبنائه “22 عامًا” بالسفر إلى شمال العراق تحت ذريعة التنزه والراحة.
وباع إحدى كليتي ابنه بالإكراه وتحت التخدير بعد وصولهم إلى شمال العراق ودخولهم إلى إحدى المستشفيات هناك والتي كان متفقًا معهم مسبقًا.
ويكشف سلوك الأب اللا أخلاقي والمفتقر إلى الإنسانية الوضع الذي وصله إليه المواطن العراقي تحت الفقر وفقدان الأمل أو بسبب الإدمان على المخدرات أو الجشع.
وسبق أن أثار إعلان القبض على رجل وزوجته أثناء محاولتهما بيع طفليهما في محافظة الأنبار سخط الرأي العام العراقي بسبب تنامي الظواهر السلبية وانتشارها بشكل كبير منذ عام 2003.
فيما شكك عراقيون بعملية إلقاء القبض على مرتكبي هذه الجريمة في الوقت الذي يترك سراق المال العام خارج قضبان السجون.
وتساءلوا “هل يكمن الحل في إلقاء القبض على من وصل به الحال إلى بيع أبنائه أم بإيجاد فرص عمل وتخفيض الأسعار والبحث عن العائلات التي ليس لها مصدر دخل وإدراجهم في الرعاية الاجتماعية والاهتمام بهم لكبح جماح مثل هذه الجرائم الدخيلة على المجتمع العراقي.”
ويقول خبراء إن جريمة بيع الأطفال والمتاجرة بهم ناتج من تقصير الحكومة وتهاونها في محاربة هذه الظواهر الشاذة كما أن قانون مكافحة الاتجار بالبشر غير مفعّل بالطريقة الحقيقية.
ولم يف العراق بالالتزامات الدولية بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، فصارت المتاجرة بالأعضاء البشرية مشكلة ممنهجة تتعلق بالسلطات التنفيذية، ونفوذ الذين يتاجرون بالأعضاء البشرية.
وقالت الناشطة آلاء الياسري إن “دوافع الاتجار بالبشر تعود بالدرجة الأساس للعوز المادي لهذه العائلات”.
فيما نبهت الباحثة الاجتماعية ندى العابدي إلى أن تردي الواقع الاقتصادي وارتفاع نسب الفقر أزمات ألقت بظلالها على الأسرة ومستويات تعليمها ما أدى لتراجع البنية النفسية ودفع رب الأسرة الجنوح للجريمة واستسهال بيع أفراد عائلته.
وأوضحت العابدي أن هناك عوامل أخرى أبرزها استشراء الفساد والرشى في المؤسسات الحكومية المؤدية إلى “التراخي في حصول المجرم على جزائه أو الإفلات من العقاب”.
وتصاعدت عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية في العراق خلال السنوات الماضية على الرغم من أن القانون العراقي يجرم الاتجار بالأعضاء البشرية ويفرض عقوبات تصل للسجن المؤبد بحق المخالفين.
وكشفت مفوضية حقوق الإنسان النيابية عن تفاقم جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية التي يتم نقل ضحاياها من بعض محافظات الوسط والجنوب إلى كردستان العراق حيث يتم إجراء العمليات هناك.
وأكد مدير مكتب المفوضية في محافظة واسط جواد الشمري أن جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية بدأت تتكرر بالمحافظة الأمر الذي يشكل مصدر قلق من تناميها.
وكانت محافظة واسط قد شهدت الكشف عن عصابتين تعملان في الاتجار بالبشر حيث يتم نقل الضحايا إلى كردستان العراق ليتم إجراء عمليات نقل الأعضاء هناك.
وتشير التقارير المتعلقة بهذا الشأن إلى أن سماسرة وتجارًا وشخصيات نافذة في الحكومة متورطة بإيقاع ضحايا في شباك الاتجار مستغلة بذلك نفوذها في مؤسسات أمنية تسهل عليها التملص من المساءلة القانونية.
وكان المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، قد وثق حالات لبيع أعضاء بشرية خلال العام 2019، حيث كشف وجود 27 شبكة اتجار بالبشر والأعضاء البشرية، حيث تقوم هذه الشبكات باستدراج نساء للعمل في شبكات دعارة، وأخرين يتعرضون للاستغلال والاتجار بأعضائهم.
وأشار المرصد في تقريره أن العديد من هذه الشبكات تتخذ من إقليم كردستان “ملاذًا أمنًا” لها، حيث يجرون الترتيبات مع مستشفيات خاصة يتم فيها إجراء عمليات لنقل أعضاء بشرية منهم والتي تكون غالبا إحدى الكلى.
ووثق التقرير وجود شبكات تتخذ من محافظة السليمانية مقرات لها، بحيث يتم استدراج الضحايا من المراهقين والمشردين وإغرائهم بالأموال، وإقناعهم بالتخلي عن أحد أعضاء جسمهم، وبعد إجراء العملية يجدون أنفسهم يعانون مضاعفات جسدية، ناهيك عن عدم إعطائهم الأموال المتفق عليها.


الناشطة آلاء الياسري: دوافع الاتجار بالبشر تعود بالدرجة الأساس للعوز المادي لهذه العائلات
وسبق أن كشف فيلم وثائقي أنتجه المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” عن انتشار تجارة البشر في العراق منذ عام 2003 بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مكنتها شبكة المصالح بين أحزاب السلطة والميليشيات المسلحة.
وذكر المعهد في ندوة تمهيدية أثناء عرض الفيلم “أن انتشار تجارة البشر جاء نتيجة لإرث الولايات المتحدة في العراق والمزيج السام للتحالف بين الأحزاب والميليشيات الذي رسخ الفقر والجهل والتهميش لكثير من طبقات المجتمع لاسيما فئة النساء التي أصبحت أكثر عرضة لتجارة البشر والاستغلال”.
وأجمع متحدثون في الندوة على أن جهود السلطات الحكومية المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر والأعضاء غير فعالة، وفي كثير من الأحيان يتعرض الناجون للتهميش وحتى القتل، مؤكدين على أن النظام السياسي الحالي والفساد ساهم بتكريس هذه الانتهاكات والتجارة.
وقال المعهد إن التجارة بالبشر في العراق تفشت بعد عام 2003 بأشكال مختلفة، ما بين استغلال الأطفال للتسول، وتجارة الأعضاء البشرية، موضحًا أن تقريرًا لوزارة الخارجية الأمريكية، أعلن أن الحكومة في العراق لا تفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر.
وقال مصدر أمني يعمل بدائرة للطب العدلي في بغداد، إن “عمليات الاتجار بالبشر وبيع الأعضاء البشرية أصبحت ظاهرة خطرة بسبب كثرة ضحاياها”.
وأضاف مفضلًا عدم كشف هويته لأسباب أمنية “دائرة الطب العدلي التي أعمل فيها تتسلم بين حين وآخر جثة أو جثتين من الجنسين بأعمار مختلفة مقطعة الأوصال، وعليها آثار عمليات جراحية، ثم يتبين أن عصابات سرقت أعضاءً من هذه الجثث”.
وقال في تصريحات صحافية “أصبح بيع الأعضاء البشرية تجارة رائجة في العراق بعد تفشي الأمراض والأوبئة، خصوصًا الفشل الكلوي، علمًا أن 90 بالمائة من عمليات بيع الأعضاء البشرية هي لعمليات بيع الكلى”.
وأكد على أنّ “عصابات بيع الأعضاء البشرية تنشر أفرادها قرب المستشفيات بهدف تشكيل حلقات متصلة تتعاون مع سماسرة من أطباء وموظفين داخل المستشفيات”.
وكشف تحقيق أجراه اتحاد الصحفيين الاستقصائيين وجود ما سموها أزقة الموت في بغداد والتي تضم عصابات لتجارة المخدرات والاتجار بالبشر.
وكشف الفريق الصحفي عن تحول تلك المناطق في العاصمة إلى ما يشبه الدولة المصغرة في ظل وجود مافيات تجند لها العيون لتجنب المداهمات الأمنية، حيث ينتشر مقاولون لتأجير الأطفال والنساء لمهنة التسول في مناطق بغداد ونقلهم بعربات التكتك، والإشراف عليهم ومراقبتهم في التقاطعات وشوارع العاصمة.
وأوضح التقرير الاستقصائي انتشار ظاهرة بيع المخدرات وحبوب الكريستال المصنعة محليًا، وتكثر في فروع بعض الأحياء القريبة من منطقة البتاويين أما عصابات المتاجرة بالأعضاء البشرية فإنها تتجول بحرية تامة مستغلة استشراء الفساد داخل المنظومة الأمنية الحكومية بوجود المال والسلاح.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى