أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الفساد والابتزاز ينخران المؤسستين الأمنية والعسكرية في العراق

فضيحة مدوية في المؤسسة الأمنية بعد الكشف عن شبكة فساد وابتزاز وممارسات مخلة شارك فيها عشرات الضباط في وزارتي الداخلية والدفاع الأمر الذي يشير إلى حجم الفساد المتجذر فيهما.

بغداد – الرافدين

سلط إعلان حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني إحالة ضباط برتب رفيعة للتحقيق على خلفية ضلوعهم في إدارة شبكة للابتزاز في وزارتي الداخلية والدفاع الضوء على السقوط المدوي للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وسطوة الفساد على مفاصلها.
وجاء إعلان الحكومة متزامنًا مع سلسلة فضائح ضربت المؤسسة العسكرية والأمنية وتسببت بانتحار عدد من الضباط بعد تورط شخصيات عسكرية بارزة في مساومة أقرانهم من المنتسبين وبالتعاون مع مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي من بينهم بلوغرات وشاعرات وفنانات.
واكتفت الحكومة بإعلان إحالة المتهمين للتحقيق على لسان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول دون الكشف عن هوياتهم في محاولة للملمة الفضيحة التي طرقت مسامع الرأي العام قبل أيام من البيان الحكومي المقتضب.
وقال اللواء رسول في بيان إنه”حسب توجيهات القائد العام للقوات المسلحة، ومن خلال المتابعة الدقيقة لأي عمل يمسّ سمعة المؤسسة العسكرية والأمنية، وبعد تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة وزير الداخلية وعضوية رئيس جهاز الأمن الوطني والمفتش العسكري لوزارة الدفاع، فقد توصلت التحقيقات إلى تحديد عناصر شبكة داخل المؤسسة تعمل على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (صفحات بأسماء مستعارة) لابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة إلى رموزها، فضلاً عن ابتزاز الضباط والمنتسبين ومساومتهم”.
وتابع، أن “اللجنة قررت إحالة الضباط المتورطين بهذا الفعل غير القانوني إلى الإمرة واستمرار الإجراءات القانونية اللازمة وإكمال التحقيقات بحقهم”.
وأضاف، “أننا ندعو جميع العاملين في المفاصل والتشكيلات العسكرية والأمنية إلى الابتعاد عن هكذا أفعال تسيء إلى العمل في هذه المؤسسات العريقة وإلى تاريخهم وعائلاتهم وعدم الانجرار بتصرفات وأفعال بعيدة كل البعد عن جوهر عمل القوات الأمنية وواجباتها التي أوكلت إليها”.

اللواء سعد معن والفريق الركن سعد العلاق من أبرز المتورطين في إدارة شبكة الابتزاز

وزاد تحفظ الإعلان الحكومي على كثير من تفاصيل الشبكة والأسماء المتورطة فيها من فجوة الثقة بين المجتمع والأجهزة الأمنية فضلًا عن تعزيزه للاتهامات التي تواجهها المؤسسة العسكرية والأمنية التي تنخرها الطائفية والولاءات الحزبية والميليشياوية المتحكمة في تنصيب القادة والضباط.
ووفقًا لمصادر أمنية مطلعة فإن قائمة شبكة الابتزاز تضمنت مستشار وزير الداخلية اللواء سعد معن، الذي أحيل لإمرة وزارة الداخلية، وكذلك مدير الاستخبارات العسكرية السابق الفريق الركن سعد العلاق، الذي أحيل إلى إمرة وزارة الدفاع.
وعلاوة على ذلك، شملت القائمة 14 ضابطًا برتب مختلفة من وزارتي الداخلية والدفاع، فيما تحدثت مصادر أمنية أخرى عن تورط عشرات الضباط في هذه الشبكة.
ويبين مصدر أمني من داخل وزارة الداخلية، بأنه “قبل الكشف رسميًا عن شبكة الابتزاز هذه، اندلعت حرب إعلامية بين مدير دائرة العلاقات والإعلام الحالي في وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، واللواء سعد معن، في وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت خلالها حرب إعلامية، شاركت فيها صفحات ومجموعات على واتساب”.
وجاء ذلك قبل أكثر من شهر على الكشف الرسمي عن شبكة الابتزاز التي أعلن عنها تزامنًا مع الجدل الواسع الذي أثير حول خلاف بين امرأتين تعرفان نفسيهما بأنهما “بلوكر”، كانت إحداهما هددت الأخرى باللواء سعد معن الذي يتولى مناصب أمنية رفيعة المستوى.
وعلى خلفية ذلك، ردت الامرأة التي تعرضت للتهديد، بأنها ستقوم بنشر فيديو للامرأة الأولى التي هددتها برفقة معن قبل أن تتطور حدة الخلاف لتمتد إلى وسائل الإعلام التي تناقلت معلومات حول تورط سعد معن ضمن خلاف الامرأتين لينتهي المطاف بالكشف عن تورطه مع مجموعة من الضباط في إدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على ابتزاز القادة والضباط، وتضم نساء مشهورات على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن فريق الإدارة.
وينبه المصدر الذي تحفظ على هويته إلى أن “اللواء سعد معن، من أقرب الشخصيات لوزير الداخلية عبد الأمير الشمري، فحتى عندما كان الأخير قائدا لعمليات بغداد، كان معن ناطقًا رسميًا باسم القيادة، وحين ذهب الشمري، إلى مجلس النواب لأداء اليمين الدستورية كوزير للداخلية، كان معن برفقته، ولو صحت التحقيقات بتورط معن في تلك الشبكة، فذلك يضع علامة استفهام كبيرة على صمت وزير الداخلية أمام هذا النشاط كل تلك الفترة، ليقوم مؤخرًا بإحالته إلى الإمرة”.

وزارتا الدفاع والداخلية توجهان منتسبيها بالابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي وحذف الصفحات الممولة لأغراض الترويج

ولطالما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات لنساء مشهورات يستقوين بعلاقاتهن مع الضباط في وزارة الداخلية وغيرهم، خلال أي مشكلة تواجههن في الشارع.
ومن أشهرها اتصال إحداهن بضابط رفيع لغرض فتح نقطة تفتيش وتمرير عجلتها من بين الزحام المروري، ما أثار هذا المقطع قبل عامين، لغطًا كبيرا استدعى من المسؤول الذي ظهر اسمه في الفيديو، إصدار بيان نفي علاقته بهذه الحادثة.
ويؤكد الخبير الأمني مخلد الدرب، أن “هناك الكثير من البلوغرات أو مؤثرات السوشيال ميديا أصبحن يتبجحن في الشارع ويعتدين على الكثير بسبب إسنادها من قبل ضباط بمناصب عليا في الأجهزة الأمنية”.
ويرى الدرب أن “المؤسسات الأمنية دائمًا ما ترتقي إلى مستويات بحيث يشعر من خلالها المواطن بالأمن، لكنها وصلت في وقت من الأوقات إلى أنها مؤسسة لا تعتبر ضامنة لحقوق المواطن وأمنه، وبالتالي فإن ما تشهده المؤسسة اليوم، نكسة كبيرة ونقطة سوداء في تاريخ الدولة العراقية”.
وأضاف أن “انتشار ظاهرة الابتزاز داخل المؤسسة الأمنية، يعد متغيرًا نوعيا خطيرا، في ظل التحاصص على المناصب، الأمر الذي لا يصب في مصلحة الأمن القومي”.
ويتابع “عندما يتم الكشف عن شبكات تديرها قيادات ورتب من الضباط داخل هذه المؤسسات للتسقيط فيما بينهم من أجل الحصول على مناصب وإقالة هذا القائد أو ذاك، فهذا الأمر يجب أن تكون عليه رقابة شديدة من قبل الحكومة للحد منه”.
بدوره يبين العميد المتقاعد والخبير الأمني عدنان الكناني، أن “هذه الهفوات التي انتشرت في وزارتي الداخلية والدفاع وكذلك جهاز الأمن الوطني، أدت لأن تترك انطباعًا لدى المواطنين بأن هذه المؤسسات ليست لخدمة المواطن وحمايته”.
ويشير الكناني، إلى أن “بعض مؤثرات وسائل التواصل يقمن بإغراء الضباط الفاسدين في الوزارات الأمنية واستغلالهم لأجل حمايتهن، وكذلك تقديم الهدايا الثمينة لهن، مثل البيوت أو السيارات الحديثة بآلاف الدولارات”.
وتابع “الضابط في المؤسسة الأمنية يكون راتبه ضمن حدود المعقول، لكن ثمن هذه الهدايا الباهظة يكون من خلال حصوله على الأموال عن طريق الابتزاز والمساومة وبطرق كثيرة غير قانونية”.
وفيما تدافع السلطات الحكومية عن نفسها بقوة حيال الانتقادات الموجهة لها وتحاول تبرير إجراءاتها التي تستغرق وقتًا للتحقيق في ملابسات القضية ترتفع الأصوات لإنزال أقسى العقوبات بالمتورطين بشبكة الابتزاز هذه.
ويبدو أن الإجراء الأمني المتخذ ضد هذه الشبكة لن يخرج عن دائرة الاكتفاء بالإقالة والطرد دون الحبس، وهي أسرع وسيلة لإغلاق أي ملف فساد في العراق لضمان سلامة كبار المتورطين فيه.
وفي ضوء هذه الفضيحة التي مازالت تتفاعل داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية وجهت وزارة الدفاع، بحذف الصفحات والمواقع الممولة التي يستخدمها القادة والضباط على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأنفسهم.
وقبل ذلك، كان السوداني، قد وجه هو الآخر السبت، القيادات الأمنية بالابتعاد عن الظهور الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي.
وشدد السوداني بحسب وثيقة صادرة عن مكتبه وموقعة من قبل سكرتيره الشخصي، الفريق عبدالكريم عبدالحسن، على الامتناع عن ذلك أثناء ارتدائهم الزي العسكري.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى